تتزايد المخاوف من اتساع رقعة القتال المحتدم منذ أكثر من 10 أيام بين الجيش الأثيوبي ومقاتلي إقليم تيغراي المتاخم لحدود إثيوبيا مع إريتريا والسودان الذي استقبلت حدوده خلال الأيام الخمس الماضية أكثر من 11 ألف لاجئ من الأثيوبيين الفارين من نيران القتال الذي تشير تقارير غير مؤكدة إلى سقوط أكثر من 200 قتيل فيها من الجانبين.
ويتهم زعماء من إثنية “التيغراي” رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد الذي ينتمي لإثنية “الأورومو” بقمع المعارضين والتسبب في زعزعة استقرار الإقليم المتاخم للحدود السودانية والإريترية.
واندلع القتال في “تيغراي” في الرابع من تشرين الثاني بعد توتر دام عدة أسابيع بسبب خلافات حول الانتخابات المحلية واتهام الحكومة الإثيوبية مقاتلي تيغراي بمهاجمة قواعد للقوات الحكومية في المنطقة.
وعلى الرغم من أن “التيغراي” أقلية صغيرة في إثيوبيا الواقعة بالقرن الأفريقي حيث يبلغ عددهم نحو 7 ملايين من مجمل السكان البالغ تعدداهم 110 ملايين نسمة، لكنهم كانوا يسيطرون على السلطة منذ عام 1991، عندما أطاحت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية بنظام منغستو هايلي ماريام وهو عسكري ماركسي حكم البلاد بقبضة حديدية لنحو 17 عاما.
وبعد تسلّم آبي أحمد السلطة في العام 2018، أبدى “التيغراي” رفضهم، وقالوا إنهم يشعرون بالاضطهاد إذ خضع الكثير من المسؤولين السابقين المنتمين لهم للمحاكمة منذ تولي آبي السلطة.
وخلال الأشهر الأخيرة تعرضت حكومة آبي أحمد لضغوط كبيرة من القوميين “التيغراي” الأشد حماسا لانفصال الإقليم، وتزايدت النزعة الانفصالية بشكل أكبر في أيلول الماضي بعد أن تحدّت جبهة تحرير شعب التيغراي قرار حكومة آبي القاضي بتأجيل انتخابات محلية لاختيار حكومة جديدة للإقليم كان مقررا إقامتها في آب بسبب جائحة الكورونا.
وبالفعل أجريت الانتخابات في العاشر من أيلول، وهو ما اعتبرته الحكومة المركزية في أديس أبابا عملا غير شرعيا، ويشكّل تهديدا للوحدة الوطنية.
وتعاني إثيوبيا أصلا من انقسامات عرقية وأزمات اقتصادية كبيرة عندما تسلم آبي أحمد السلطة فبل نحو عامين، ففي العام 2017 أجبر أكثر من مليون إثيوبي على النزوح لأسباب تتعلق بصراعات عرقية وأخرى ترتبط بموجات جفاف ونقص كبير في الغذاء والخدمات في بعض المناطق.
لكن آبي واجه اختبارا كبيرا، عندما سقط قرابة 240 قتيلا في أعمال العنف والاحتجاجات التي اندلعت في إثيوبيا في تموز الماضي عندما اشتعلت اشتباكات عرقية على خلفية مقتل المغني الشعبي هاشالو هونديسا، الذي يعتبره الكثير من أفراد إثنية “الأورومو” التي ينتمي إليها آبي صوتا لمعاناتهم من التهميش.
واندلعت تلك الاحتجاجات في العاصمة أديس أبابا وفي منطقة أوروميا المحيطة التي تتحدر منها أكبر قومية في البلاد والتي لطالما شعرت بأنها مهمشة ومضطهدة في البلد متعدد الأعراق، لكن الكثير من المراقبين يعتبرون أن الأزمة الحالية في إقليم تيغراي ربما تشكل اختبارا أكبر بالنسبة لآبي نظرا لتعقيداتها المحلية والإقليمية خصوصا لجهة تداخلاتها في العلاقة بين الجارتين السودان وإريتريا.
معضلة إنسانية
وفي ظل الظروف الاقتصادية والأمنية المعقدة التي يعيشها، وجد السودان نفسه أمام معضلة إنسانية جديدة مع تزايد موجة تدفق اللاجئين الأثيوبيين الفارين من القتال إلى داخل المدن السودانية القريبة من حدود تيغراي خصوصا منطقتي القضارف وكسلا في شرق السودان.
ووصلت أعداد اللاجئين الإثيوبيين الذين عبروا فعليا الى ولايتي كسلا والقضارف حتى صباح الخميس أكثر من 11 ألفا من بينهم أعداد كبيرة من النساء والاطفال، بينما بدأت السلطات المحلية هناك اتخاذ خطوات عملية لإيجاد معسكرات للفارين بعد استقبالهم في مناطق مؤقتة.
وفي ظل الجهود الرامية إلى السيطرة على الوضع الإنساني والتوقعات التي تشير إلى ارتفاع أكبر في أعداد اللاجئين، زار وزير الداخلية السوداني الطريفي إدريس دفع الله المنطقة الشرقية، وأجرى اجتماعات مكثفة مع المسؤولين المحليين ومسؤولين في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة بشأن الترتيبات الأمنية والصحية اللازمة للتعامل مع هذه الموجة المتزايدة.
وتزيد التوترات في تيغراي القلق السوداني من المخاطر الحالية في شرق البلاد الذي يشهد هشاشة شديدة في ظل حالة الاستقطاب الحادة بين المكونات الإثنية هناك.
وظلت المنطقة المتاخمة للحدود السودانية الشرقية والتي تنشط فيها جبهة تحرير تيغراي تشكل هاجسا أمنيا وسياسيا كبيرا للسودان منذ أكثر من 6 عقود وهو ما ظهر في وتيرة الصعود والهبوط في العلاقة بين السودان وإثيوبيا طوال تلك الفترة.
وخلال الأشهر الماضية امتد الصراع إلى داخل الأراضي السودانية حيث ظلت منطقة الفشقة تشهد عددا من الحوادث الأمنية التي راح ضحيتها عدد من الجنود والمدنيين السودانيين.
وفي حين تقول إثيوبيا إن تلك الأحداث تجري بمعزل عن الجيش الأثيوبي وتلقي باللوم في ذلك على المليشيات المعارضة للحكومة إلا أن الحكومة السودانية أكدت مرارا على حقها في تأمين حدودها من أي اختراقات قد تشكل تهديدا أمنيا حقيقيا على شرق البلاد.
وإضافة إلى المخاوف المتعلقة بتدفق اللاجئين ودخول الأسلحة وإنعاش أنشطة الجريمة العابرة للحدود، فإن الصراع الجاري حاليا في تغراي يمكن أن يهدد بقطع الطريق الرابط بالميناء الرئيسي في مدينة بورتسودان، والذي يوفر الإمدادات الغذائية والنفطية حيث تصل مسافة الطريق إلى أقل من 30 كيلومترا من بعض النقاط التي يدور فيها القتال داخل مثلث الموت على الحدود السودانية الأثيوبية الإريترية.