تثير الحملة الرسمية على حاملي الأسلحة في الأردن قلق العشائر، حيث ترى أنها هي المعنيّة بها مباشرة. وما يزيد من مخاوفها أن الحملة تأتي بضوء أخضر من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الذي قرر بوضوح حسم هذا الملف الذي شهد خلال السنوات الأخيرة خلافات وتجاذبات.
وبرزت أصوات تشدد على أهمية إبقاء السلاح بيد العشائر، مشيرة إلى أنه صمام الأمان للمملكة، واعتبرت أن الخطر الحقيقي يكمن في انتشار مظاهر التسلح في المناطق الحضرية والمدن التي تحتضن غالبية أردنية من أصول فلسطينية، وما يمكن أن يشكله ذلك من تهديد مستقبلي للدولة ونظام حكمها.
وتعتبر العشائر الأردنية حمْل السلاح جزءا من هويتها ومن موروثها القبلي، وهو دليل قوة ووجاهة، وسبق أن واجهت في السنوات الأخيرة محاولات لنزعه عبر طرح أطر قانونية جديدة تقنن استخدامه.
وترى مصادر سياسية أردنية أن المسألة بالنسبة إلى العشائر تتجاوز كونها مجرد موروث يجب الحفاظ عليه، بل تتداخل معها اعتبارات سياسية، لاسيما في ظل الظروف السياسية الدقيقة التي تمر بها المملكة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وذكّرت المصادر بأهمية السلاح بالنسبة إلى العشائر الأردنية باعتباره مصدر قوة تضغط من خلاله على السلطة المركزية، وبالتالي فإن تجريدها منه يعني إضعافها. وكان نواب العشائر تصدوا بقوة في المجلس النيابي المنتهية ولايته لمشروع يهدف إلى إجراء تعديل على قانون حيازة السلاح الحالي الذي يعود إلى عام 1952، والذي روج له وزير الداخلية السابق سلامة حماد.
وتخشى العشائر أن يتم توظيف الأحداث الأخيرة التي أعقبت الإعلان عن نتائج الانتخابات النيابية الأسبوع الماضي، لتمرير هذا المشروع في المجلس النيابي الجديد.
وشهدت عدة مناطق في الأردن حالة توتر واستعراضات بأسلحة أوتوماتيكية مع إعلان نتائج الانتخابات النيابية، وهو ما شكل إحراجا كبيرا للسلطة، وخصوصا أن حالة الفوضى جرت فيما تعيش البلاد حالة طوارئ للحدّ من انتشار جائحة كورونا، ما اضطر وزير الداخلية اللواء الركن توفيق الحلالمة إلى الاستقالة. وأبدى الملك عبدالله الثاني غضبا شديدا حيال ما حصل، وقال في تغريدات على موقع تويتر “المظاهر المؤسفة التي شهدناها من البعض بعد العملية الانتخابية، خرق واضح للقانون، وتعدّ على سلامة وصحة المجتمع، ولا تعبر عن الوعي الحقيقي للغالبية العظمى من مواطنينا في جميع محافظات الوطن الغالي”.
ودعا العاهل الأردني إلى تطبيق القانون، مانحا بذلك الضوء الأخضر للأجهزة الأمنية للضرب بيد من حديد على كل من استخدم السلاح.
وتحركت الأجهزة الأمنية في عدة مدن -منها معان ومفرق وعمان- لجمع الأسلحة، وسط قلق عشائري من أن تمتد إليها، خصوصا مع تشديد الملك عبدالله الثاني على أن ” القانون يطبق على الجميع ولا استثناء لأحد”.
وأعلن مدير الأمن العام اللواء حسين الحواتمة عن اعتقال 18 مترشحا للانتخابات النيابية وتحويلهم إلى الحاكم الإداري، وتحدث عن اعتقال 324 من مطلقي العيارات النارية، وضبط 29 سلاحا ناريا، كما تم التعميم على 478 مركبة.
وعبر وجهاء العشائر عن استنكارهم وتنديدهم بالأحداث التي جرت، في محاولة لنأي العشائر بنفسها عن تلك الأحداث، موضحين أن غالبيتها جرت في المدن، فيما بدا محاولة للعب على الوتر المناطقي وأيضا الهوياتي.
وقال وزير الداخلية الأسبق سمير الحباشنة، إن سلاح العشائر في الأردن لم يُحمل ضد الدولة في أي وقت من الأوقات، لافتا إلى أن المشكلة في المدن.
وطالب المسؤول الأمني السابق بترخيص كل الأسلحة في المملكة، مؤكدا على أهمية هذه الخطوة، ولاسيما أن العشائر هي “رديف القوات المسلحة”. واعتبر مراقبون تصريحات الحباشنة تنطوي على دلالات خطيرة خاصة لجهة الإشارة إلى الخطر التي تمثله المدن.
وأجمعوا على أن العشائر تحاول أن تلعب على وتر قلق الجهات العليا من الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية، مع أن استخدام الرصاص في الأحداث الأخيرة جله حصل في مناطق عشائرية.
وتعتبر القبائل الأردنية أن دورها في مواجهة احداث “أيلول الأسود” في سبتمبر عام 1970 التي قادتها منظمة التحرير الفلسطينية اعتمادا على مقاتليها ودعم الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأردنية، كان حاسما وإلا لأصبح الأردن “فلسطين البديلة”.
وقام الملك حسين في حينها بالاعتماد على قوات الجيش المشكلة بدرجة أولى من رجال القبائل بتوجيه ضربة قاصمة للقوات الفلسطينية التي لم تجد بديلا إلا مغادرة الأردن والانتقال إلى لبنان، في حين بقي الفلسطينيون في البلاد على أساس الابتعاد عن الفعل السياسي المؤثر، لكنهم أعادوا الانتشار من خلال نشاط سياسي تحت مظلة الإخوان على مدى العقود الماضية وحققوا اختراقات داخل القبائل بحجة أن الإسلام عابر للهويات.
واستبعد مراقبون أن تلاقي تحركات العشائر وضغوطها صدى لدى أصحاب القرار الذين يشكل استمرار امتلاك العشائر للسلاح مصدر قلق وتوجس لهم، يضاهي خطر الأردنيين من الأصول الفلسطينية.
وعزا أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي استخدام العشائر للسلاح إلى تذكير الحكومة المركزية بأن لها حضورا سياسيا مهما، وكأن هذه العشائر تقول “نحن هنا ولا تنسونا، خاصة في ما يتعلق بتوزيع الميزانيات العامة”.
وأشار الخزاعي في تصريحات لوسائل إعلام محلية إلى أن البطالة وغياب التنمية الاقتصادية أجبرا الشباب على العودة إلى الحياة العشائرية. وقال “يشعرون بأن العشيرة توفر لهم شبكة حماية مجتمعية أكثر مما توفره لهم الحكومة”، وهذا مثار قلق متصاعد لدى السلطة المركزية، التي بدأت تتحرك لمعالجة هذا الوضع الشاذ.