رُفعت لافتات إعلانية عملاقة في شوارع طهران لإحياء الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الولايات المتحدة للجنرال الإيراني قاسم سليماني، في 3 كانون الثاني/ يناير 2020.
وقال خلفه الجنرال إسماعيل قآني في حفل إحياء الذكرى الذي أُقيم، اليوم الجمعة، مشيرًا إلى الولايات المتحدة بارتكاب هذه الجريمة:“أوجّدتم واجبًا على الباحثين عن الحرية في جميع أنحاء العالم، وقد يكون هناك بعض الناس داخل وطنكم يسعون إلى معاقبة المجرمين“.
ووفقًا لصحيفة ”الإندبندنت“ البريطانية، تشعر واشنطن بالقلق من وقوع هجوم انتقامي إيراني، والذي من المرجح أن يتم تنفيذه في العراق، وهناك محاولات واضحة من جانب المسؤولين لتخفيف التصعيد.
ومرت السفن الحربية والقاذفات الأمريكية على إيران فيما وصفه المسؤولون الأمريكيون بأنه“إظهار القوة ضد طهران”، كما تمت إعادة نشر بعض القوات الأخرى.
وكتب ترامب عشية عيد الميلاد، بعد أيام من انفجار وابل من الصواريخ التي يُفترض أن الميليشيات العراقية الموالية لإيران أطلقتها بالقرب من السفارة الأمريكية في بغداد، وبدأت الجولة الأخيرة من التوترات بين طهران وواشنطن:“نصيحة صحية ودية لإيران، إذا قُتل أمريكي واحد سأحمّل إيران المسؤولية“.
ومما زاد من التكهنات، أن ترامب قطع زيارته السنوية ليلة رأس السنة إلى منتجعه في فلوريدا وهرع عائدًا إلى واشنطن، وتبعه نائب الرئيس مايك بنس، الذي ألغى رحلة كانت مقررة إلى إسرائيل.
وخلال الأشهر الأخيرة من العام 2020، أرسلت الولايات المتحدة 2000 جندي إضافي، وسربًا إضافيًا من الطائرات المقاتلة إلى المملكة العربية السعودية، وحلقت 3 طائرات قاذفة من طراز B-52 بعيدة المدى بالقرب من إيران.
وتكهن بعض المسؤولين السابقين والحاليين بأن إدارة ترامب منعت الإحاطات الإعلامية التي يقدمها البنتاغون للإدارة المقبلة للرئيس المنتخب جو بايدن لإخفاء خطط عملية كبيرة ضد إيران.
وقالت داليا ديسا كاي، المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط في مركز ويلسون، وهو مركز أبحاث في واشنطن:“هذه تطورات مقلقة، والخطر الحقيقي هو أن هذه التوترات المتصاعدة يمكن أن تؤدي إلى تصور كل جانب أن الآخر يود تسديد الضربة الأولى، فالجانب الإيراني ليس غافلًا عما يحدث في الولايات المتحدة، ويقلق الجميع من رغبة إدارة ترامب في الاستفادة من أيامه الأخيرة ورؤيتها لإيران كعمل غير مكتمل“.
ويوم الخميس، اتهم وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إدارة ترامب بمحاولة اختلاق صراع مسلح، وكتب على تويتر:“تشير المعلومات الاستخباراتية من العراق إلى وجود مؤامرة لاختلاق ذريعة للحرب، وفي حين لا تسعى إيران إلى الحرب إلا أنها ستدافع علنًا ومباشرة عن شعبها وأمنها ومصالحها الحيوية“.
كما وصف ترامب نفسه بأنه شعبوي“مناهض للحرب“، وتجنب المواجهات العسكرية المباشرة مع إيران، ولكنه تخلى أيضًا عن الاتفاق النووي الذي صاغه سلفه باراك أوباما مع إيران، وأطلق محاولة لخنق البلاد اقتصاديًا.
وخلال الأسابيع الأخيرة، قيل إن المستشارين أقنعوه بالتراجع عن خطط لضرب المواقع التي تستخدمها إيران لتخصيب اليورانيوم.
وقال مسؤولون إيرانيون كبار إنهم لا يريدون نزاعًا مسلحًا، وأشاروا إلى أنهم منفتحون على إعادة العلاقات مع واشنطن والعودة إلى الاتفاق النووي بمجرد أن يتولى السيد بايدن منصبه، في 20 كانون الثاني/ يناير.
إلا أن الهجمات التي تشنها الميليشيات المتحالفة مع إيران في العراق على القواعد الأمريكية لا تزال مستمرة، وكان وابل صواريخ 20 ديسمبر في بغداد الأكبر خلال عقد من الزمان، ولا يزال خطاب المسؤولين الإيرانيين قاسيًا ضد الولايات المتحدة.
وقال رئيس السلطة القضائية إبرهيم رايسي، اليوم الجمعة:“الأشخاص الذين تورطوا في هذه الجريمة والاغتيال لن يكونوا آمنين على الأرض بعد الآن“، متعهدًا بأن إيران وشركاءها ”مصممون على الانتقام بقوة“ من عملية الاغتيال.
وأضاف“كلمة للعدو:“لا تعتقدوا أن أي قاتل أو مدبر جريمة في مأمن من العدالة حتى لو كان رئيسًا أمريكيًا“.
وبدأت الجولة الأخيرة من تبادل الانتقادات بين إيران والولايات المتحدة في 20 كانون الثاني/ ديسمبر، ولكن الخبراء يشيرون إلى أن البلدين كانا على مسار تصادمي منذ أواخر العام 2019، عندما أصاب وابل من الصواريخ قاعدة تؤوي أفرادًا عسكريين أمريكيين في العراق، وقتل الوابل مقاولًا عسكريًا أمريكيًا.
وأدى مقتل سليماني في غارة أمريكية بطائرة دون طيار بالقرب من مطار بغداد الدولي بعد أسبوع إلى هجوم صاروخي شرس شنته إيران على قاعدة الأسد التي تديرها الولايات المتحدة غرب العراق، مما أدى إلى إصابة عشرات من الأفراد العسكريين بجراح.
وأعقب ذلك موجة من الهجمات التخريبية التي استمرت شهورًا على منشآت نووية وصاروخية وطاقة إيرانية والتي يُزعم أن الولايات المتحدة وإسرائيل نفذتاها.
كما شنت إيران هجمات إلكترونية مزعومة على الولايات المتحدة وإسرائيل، فضلًا عما وصفه الخبراء بمحاولات الإيرانيين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتأجيج التوترات السياسية في أمريكا.
وقبل شهر، اغتال عملاء، يُرجح ارتباطهم بإسرائيل، محسن فخري زادة، وهو عالم يُوصف بأنه أبو البرنامج النووي الإيراني.
ويزيد وجود الميليشيات المدعومة من إيران والأفراد العسكريين الأمريكيين في العراق من المخاطر.
كما قضت غارة الطائرات دون طيار التي قتلت سليماني على أبو مهدي المهندس، أحد قادة الميليشيات الشيعية العراقية، ويتوق أتباعه إلى الانتقام، ويناورن للتفوق على حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يسعى إلى الحد من نفوذ الميليشيات ووجودها.
وقال علي فتح الله نجاد، الباحث في مركز أفريقيا والشرق الأوسط، وهو معهد أبحاث مقره جوهانسبرغ:“هناك مسابقتان: واحدة بين حكومة بغداد برئاسة كاظمي، والأخرى بين إيران والولايات المتحدة على النفوذ والسلطة في ساحة المعركة العراقية“.
وقد يحث كبار مسؤولي الحرس الثوري في طهران الميليشيات المتحالفة معها في العراق أو لبنان على تجنب التصعيد مع أمريكا أو إسرائيل، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كانوا سيطيعونهم.
ويقول الخبراء إن خليفة ”سليماني“ قد لا يتمتع بالنفوذ أو المكانة اللازمين لإجبار القادة الشباب الجامحين على إطاعته.
وقال راز زيمت، المتخصص في شؤون إيران في جامعة تل أبيب ومعهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل:“حاول إسماعيل قآني إقناع الميليشيات العراقية، وحزب الله، بعدم القيام بأي شيء قبل مغادرة ترامب، لكنني لست مقتنعًا بأنهم هُم تحت سيطرة إيران بالكامل، فربما يكون الحرس الثوري قد فقد جزءًا من سيطرته على بعض ميليشياته“.
ويصف خبراء عسكريون وأمنيون الجمود الحالي بين إيران والولايات المتحدة بأنه من أخطر أنواع المعضلات، حيث لا يعرف أي من الطرفين ما الذي يحاول الطرف الآخر فعله، ويراقب كلاهما بشدة علامات التصعيد.
ومن جانبه يراقب العراق، العالق في الوسط بين الاثنين، بتوتر، ويوم الخميس شدد الإجراءات الأمنية حول المناطق الحساسة التي تشمل السفارة الأمريكية وسط بغداد، والمطار الدولي على الحافة الغربية للمدينة.
وقالت داليا ديسا كاي:“كل جانب يستعد لردع الآخر، ويُنظر لكل خطوة دفاعية على أنها هجومية، ونظرًا للتصعيد المكثف الذي شهدناه خلال العام الماضي، قد لا يكون الصدام حتميًا، ولكن الوضع خطير للغاية“.