48 ساعة بالتمام تفصل الولايات المتحدة الاميركية عن انتهاء ولاية الرئيس دونالد ترامب والحكم الجمهوري ودخول البلاد مجددا حقبة “الديموقراطيين” مع تنصيب جو بايدن رئيسا لمدة اربع سنوات.
ليست اميركا وحدها التي ستنتقل من حقبة تاريخية الى اخرى، فملفات كثيرة في العالم تنتظر على كوع انتقال السلطة الاميركية لتفرز خيوطها البيضاء من السوداء، وغني عن القول ان الملف النووي الايراني ومتفرعاته من طهران الى صنعاء فبغداد ومن دمشق الى بيروت، يحتل صدارة قائمة الاهتمامات العالمية عموما والاميركية في شكل خاص نسبة لأهميته على مستوى ازمات المنطقة في زمن التطبيع العربي مع اسرائيل الذي دوّنه ترامب في سجل عهده الرئاسي.
منتصف ليل الاربعاء، واذا لم يطرأ ما يعرقل المسار الدستوري الاميركي، سيفتح بايدن صفحة جديدة في كتاب السياسة الاميركية عنوانها الحوار والاعتدال، بعد موجة الانحياز والتطرف وصولا الى المواجهة التي دمغت عهد ترامب.
الملفات نفسها والمواقف لن تتغير، لكن المقاربات مع “الديموقراطيين” لن تكون نفسها. تقول اوساط سياسية اميركية ان الرئيس الجديد أعد خريطة طريق لعهده الرباعي تأخذ في الاعتبار التجربة الترامبية وما سبقها في ما يتصل بالملف النووي وازمات الشرق الأوسط ذات الصلة وان خطته هذه ترتكز الى تعزيز اواصر التنسيق والتعاون بين وزارة الخارجية واجهزة الاستخبارات ووضع حد لسياسة التباين والتباعد التي حكمت علاقتهما في الآونة الاخيرة.
وتوجز الاوساط ابرز بنود الخطة بالاتي: في الملف الايراني سينتهج بايدن المسار الحواري بعيدا من الصدامات والاعمال العسكرية.
سيحاور طهران لتنفيس الاحتقان في ضوء حال الغليان السائدة في المنطقة ليمهد لارضية الحوار.
ان الديموقراطيين برغماتيون يسعون لتحقيق النجاحات حتى لو تطلب الامر التوصل الى اتفاق مع ايران من دون شرط الصواريخ الباليستية على ان يحددوا لاحقا قيودا وضوابط في شأنها ويضعونها تحت المراقبة الدولية.
في الموضوع السوري، تكشف الاوساط عن وجهتي نظر لم تنتصر اي منهما بعد. تتحدث الاولى عن وجوب ارساء تسوية مع النظام وتطالب الثانية بمحاسبة الرئيس بشار الاسد واحالته الى محكمة جرائم الحرب الدولية.
غير ان ما يدور راهنا من مفاوضات مع الجانب السوري للحاق بركب التطبيع وما ينقل عن اجتماعات سورية- اسرائيلية تعقد للغاية من شأن نتائجه ان تؤثر مباشرة على المقاربة الاميركية للملف لاحقا.
تركياَ، تتسم علاقة بايدن بالرئيس رجب طيب اردوغان بالسوء، وقد اعلن في مقابلة صحافية عن دعم واشنطن المعارضة التركية للتخلص منه.
يعارض بايدن الوجود التركي في سوريا ويسعى الى تسليح الاكراد هناك، ويؤيد طرح انشاء كيان كردي على الحدود التركية- السورية.
بالنسبة الى العلاقة مع السعودية، ثمة فريق قريب من الرئيس بايدن يدفع في اتجاه اعادة فتح ملف جمال الخاشقجي، منطلقا من قناعة بوجوب محاكمة المسؤولين عن هذه الجريمة الوحشية، الامر الذي يعارضه طرف آخر، مستندا الى ان خطوة من هذا النوع من شأنها ان تؤدي الى اضطرابات في المنطقة لا يريدها بايدن، خصوصا في هذه اللحظة بالذات حيث يمضي مسار التطبيع العربي والخليجي مع اسرائيل بما يخدم مصالح تل ابيب، وهي اولوية بالنسبة الى الادارة الاميركية، المؤيدة والمرحبة والداعمة، لاسيما ان اكثر من مسؤول في الادارة الجديدة بدءا من نائبة الرئيس كامالا هاريس ووزير الخارجية انتوني بلينكن وغيرهم يؤيدون اسرائيل كون جذورهم يهودية، من دون ان يؤثر انتماؤهم هذا على اعتدالهم في مقارباتهم السياسية.
اما اوروبيا، فليس من توقعات في شأن تغيير كبير في السياسة المعتمدة.
ذلك ان بايدن يؤمن بالحوار والتنسيق والتعاون وتعزيز علاقة اميركا مع حلفائها الاوروبيين. يدعم دور فرنسا في لبنان لمساعدته على الخروج من ازمته ويشجع العقوبات الفرنسية على الشخصيات والمؤسسات بدلا من اميركا كونها معنية بالساحة اللبنانية اكثر من واشنطن.
وتختم الاوساط بالاشارة الى ان السياسة الاميركية ثابتة.
واي تغيير انما يتم انطلاقا من اسلوب الادارة في مقاربة المواضيع والازمات مع تبدّل الاشخاص. من هنا يمكن تصور المسار الذي ستنتهجه ادارة بايدن المرنة لجهة الاعتدال والحوار والتفاوض كفرصة لحل الخلافات قبل اللجوء الى السياسة العقابية التي ترى فيها آخر دواء قبل الكيّ.