سيكون الرئيس جو بايدن أول رئيس أميركي يقر بالإبادة الأرمنية على أيام السلطنة العثمانية، مع أن مسؤولين أميركيين لم يخفوا آراءهم الصريحة بما حل بالأرمن عام 2015، ولعل أولهم السفير الاميركي لدى السلطنة هنري مورغنثاو جونيور الذي تحدث علناً عن “حملة إبادة عرقية”.
وسيكون كلام بايدن كافياً لمفاقمة غضب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المصر على إنكار ما حصل، حتى لو بقي وحيداً في مواجهة العالم.
فبعد مرور 106 أعوام على تلك الاحداث، لا تزال تلك المذابح ترعب أنقرة، وريثة السلطنة العثمانية، التي وإن تقر بوقوع مذابح، ترفض توصيفها بالإبادة، وتشير إلى أن حرباً أهلية في الأناضول تزامنت مع مجاعة، تسببت بمقتل ما بين 300 و500 ألف أرمني، فضلاً عن عدد مساو من الأتراك.
وفي المقابل، يقول الأرمن إن مليون نصف مليون شخص قتلوا في حملة كانت محاولة متعمدة لإبادتهم وبالتالي تعد عملاً من أعمال الإبادة الجماعية، وقد قاومت الحكومات التركية المتعاقبة الدعوات للاعتراف بذلك، معتبرة أنه على الرغم من الفظائع التي حدثت فإنه لم تكن هناك سياسة إبادة رسمية تنفذ ضد الشعب الأرمني.
ويؤيد مؤرخون للمذابح الجماعية، بمن فيهم “المنظمة الدولية لعملاء الابادة” رواية الارمن.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن “المذابح” التي تعرض لها الأرمن تمت من خلال عمليات تهجير قسري وقتل جماعي نفذتها حكومة حزب تركيا الفتاة التي كانت تحكم الدولة العثمانية، ضد الرعايا الأرمن في الإمبراطورية خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918).
وتقدم معاهدة الأمم المتحدة تعريفاً واسعاً للإبادة بأنها “أفعال ارتكبت بنية التدمير، كلياً أو جزئياً، لإتنية ومجموعة دينية أو عرقية”، سواء من خلال القتل “أو إلحاق ضرر…” يهدف الى التدمير. وثمة اقتناع واسع بأن هذا التعريف ينطبق على معاملة الأرمن.
ولكن عندما وصف البابا فرنسيس عام 2015 المذابح بأنها إبادة جماعية استدعت أنقرة سفيرها من الفاتيكان. ولمح أردوغان إلى أنه كان بوسعه أن يأمر “بترحيل” 100 ألف أرمني يعيشون الان في تركيا. وكان لاختيار كلماته دلالته إذ أن غالبية الأرمن الذين سقطوا قتلى في تركيا العثمانية قتلوا خلال ترحيلهم إلى الصحراء السورية.
وعندما صوت مجلس النواب الأميركي عام 2011 على اعتبار تلك المذابح “إبادة”، رد أردوغان بانتقاد عنيف لبلد “ملطخً بالابادة والعبوية والاستغلال” يلقي محاضرات على تركيا.
وواجه أتراك ناقضوا الرواية الرسمية للأحداث عواقب وخيمة، إذ يجرم قانون العقوبات “إهانة” الدولة التركية وهو بند تم استخدامه لمقاضاة أولئك الذين يعتبرون أن الأفعال التركية تشكل إبادة جماعية.
وعام 2007، أطلق مراهق مسلح النار على هرانت دينك رئيس تحرير صحيفة “آغوس” الأرمنية لنشره مقالات تصف الجرائم في حق الأرمن بأنها إبادة، بما فيها مقال يفترض أن الابنة المتبناة لمصطفى كمال أتاتورك كانت أرمينية قتل والدها في مذابح 1915.
ويشكل الرفض التركي لتحمل مسؤولية تلك الفظائع مشاكل للحكومات الغربية التي تعتبر أنقرة شريكاً لها في منتديات دولية، كما هو الحال في حلف شمال الاطلسي أو مسائل استراتيجية أخرى كالأمن واللاجئين.
ومع أن برلمانات حوالي ثلاثين دولة صوتت على قوانين أو قرارات أو مذكرات تعترف صراحة بالإبادة الأرمنية، وآخرها مجلس الشعب السوري في شباط (فبراير) 2020، سيكون وقع كلام بايدن قاسياً. ولكن بدل أن يثير أزمة، لن يؤدي إلى إلى مفاقمة مشاكل قائمة بين الجانبين والتي تجلت بوضوح أمس في بيان البيت الابيض عن المكالمة التي طال انتظارها بين الجانبين والتي بدا نصها كأنها حديث بين خصمين من الحرب الباردة لا بين شريكين استراتيجيين.
ليس واضحاً تماماً بعد ما إذا كان للإعلان الاميركي تداعيات. فعندما أعلن وزير الخارجية السابق جون كيري عام 2016 أن “داعش” ارتكب ابادة، أقر بأن تلك الخطوة رمزية الى حد كبيرة، وإن يكن أضاف أن واشنطن ستساهم في الجهود الهادفة الى اعداد دعوى لاجراء محاكمات دولية للتنظيم الإرهابي.