تساؤولات عديدة أثارها شريط صوتي مُسرب، لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، ينتقد فيه سيطرة الحرس الثوري على السياسة الخارجية للبلاد، وإدخالها في الحرب الأهلية السورية بأمر من روسيا ، حول الهدف من هذا التسريب في وقت اقتراب الانتخابات الإيرانية واستئناف محادثات الاتفاق النووي في فيينا .
توقيت حساس، لرسالة متفجرة” هكذا اتفق المؤيدون والمعارضون على توصيف المقتطفات التي سُربت من مقابلة مطولة لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف انتقد فيها دور الجنرال قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق “القدس” الذراع الضاربة في الخارج للحرس الثوري الإيراني.
التسريبات التي نقلتها بداية محطة “إيران إنترناشيونال” الإيرانية المعارضة والتي تبث من لندن بتمويل سعودي أثارت الكثير من التكهنات حول دور ظريف، الوجه الأكثر شعبية لإيران على مسرح الدبلوماسية الدولية، وحول خطوط الانقسام والانسجام في صفوف القيادة الإيرانية.
فالصحف الغربية التي اهتمت بالتسريبات مثل “نيويورك تايمز” الأمريكية و “الغارديان” البريطانية، لم تنس الإشارة بنوع من التعاطف إلى المأزق الذي يعيشه ظريف في مواجهة “الصقور” من المحافظين داخل المؤسسة الإيرانية، الى درجة قد تؤدي للإطاحة به.
لكن الوزير ظريف، الذي توقف الاثنين عند موقع اغتيال سليماني خارج مطار بغداد اثناء زيارته للعراق، ليقرأ الفاتحة على روحه، هو نفس الشخص الذي شكى في المقابلة المسربة من الدور المتزايد للقائد العسكري الراحل.
“كان سليماني يفرض شروطه عند ذهابي لأي تفاوض مع الآخرين بشأن سوريا، وأنا لم أتمكن من إقناعه بطلباتي. مثلا طلبت منه عدم استخدام الطيران المدني في سوريا ورفض”.
ففي أي سياق تأتي هذه التسريبات ولمصلحة من؟
التسريبات هي مقتطفات من مقابلة مدتها أكثر من ثلاث ساعات، أجراها ظريف مع الاقتصادي الإيراني المعروف سعيد ليلاز، في مارس/آذار الماضي.
وحسب مصادر إيرانية تحدثت إلى بي بي سي فإن المقابلة أجريت لصالح مركز الأبحاث والدراسات التابع للرئاسة الإيرانية، أي أنها من ضمن الأرشيف الحكومي ولم تكن مخصصة للنشر.
لكن مصادر في المعارضة قالت إن ظريف أعطى ليلاز موافقة على نشر أجزاء منها مع رحيل الحكومة الحالية ونهاية الفترة الرئاسية لحسن روحاني.
الخارجية الإيرانية أقرت على لسان المتحدث باسمها بأن المقابلة حقيقية، لكنها وصفت اجتزاء فقرات منها بـ”العمل غير الأخلاقي” وتساءلت عن مصلحة من قاموا بالتسريب.
“ليس انقلابيا”
يقول المعارض الإيراني المقيم في لندن على نوري زاده، إن أهمية هذه التسريبات هو كشفها لعدم وجود مركز واحد في مؤسسة الحكم الإيراني، وأن المرشد الأعلى آية الله على خامنئي ليس الحاكم المطلق.
وقال المعارض الإيراني في اتصال مع بي بي سي: “يمكنك أن تتحدث عن “ملوك طوائف” داخل النظام، هناك قادة في الأمن والمخابرات والحرس الثوري لكن بالأساس، العسكريون هم من يحكمون”.
لكن المعارضة الإيرانية التي احتفت بالتسجيل تهون من قيمته في ذات الوقت في ما يتعلق بوجود صراع داخل النظام، فما ورد في المقابلة يشير إلى “ولاء ظريف للنظام وليس خروجه عليه، وأنه يريد للنظام أن يعمل بكفاءة أفضل”.
ويذهب الدكتور علي نوري زاده للقول إن “ظريف ليس رجلا انقلابيا، ولم يطعن في عقيدة ولاية الفقيه مثلا، فهو ابن لنظام الثورة الإسلامية”.
كما يشير إلى أن توقيت التسريب ربما يكون رسالة إلى إدارة بايدن في ظل محادثات إحياء البرنامج النووي، بأن عليها ان تغتنم فرصة وجوده في إدارة روحاني لإنجاز اتفاق خوفا من تغيير وشيك في طهران.
رئاسة ومفاوضات
لا ينفصل توقيت التسريب إذن، عن الخلاف الناشب في إيران حول مسألتين حيويتين هما مفاوضات البرنامج النووي، وانتخابات الرئاسة الإيرانية في يونيو/ حزيران المقبل.
فالمفاوضات النووية التي تجري في فيينا بشكل غير مباشر منذ بداية إبريل الجاري، بهدف إعادة الولايات المتحدة لاتفاق 2015 ورفع العقوبات عن إيران، تتعرض لضغوط أيضا من جناح المحافظين، لدرجة أن الخارجية الإيرانية انتقدت وثائقيا بثه التليفزيون الرسمي الإيراني شكك فيه بقدرات فريق التفاوض الإيراني.
ويرى الباحث محمد صالح صدقيان، مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية في طهران أن “من يقف وراء التسريب هو جهة تريد إلحاق الضرر بأي نجاح قد يحققه ظريف وفريق المفاوضات النووية، وبفرص ظريف في الترشح والفوز في الانتخابات الرئاسية”.
ويقول صدقيان إن ظريف لديه فرصه “كبيرة جدا” كمرشح عن التيار الإصلاحي في ظل ما يصفه بالفوضى التي يتعرض لها الجناح الأصولي أو المحافظ.
لكن هل يحظى ظريف بثقة آية الله خامنئي لخوض تجربة الترشح؟
يرى مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية، أن جهات كثيرة، يمكنها أن تضيق الخناق على ترشح ظريف ليس من بينها المرشد الأعلى، مشيرا إلى مجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس الشورى، التي تقع كلها تحت سيطرة المحافظين. كما يشير إلى أن مرشحا محافظا قويا مثل رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي يمكن أن يمثل تهديدا لترشح ظريف وفوزه.
التعليقات التي صدرت عن باحثين وسياسيين إيرانيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أبرزت أهمية الدور الذي يقوم به وزير الخارجية وأظهرت انقساما حادا بين معسكرين، من يتهمونه بخيانة الأسرار القومية ومن يعتبرونه ضحية لعملية تسريب بسبب قصور أمني.