أدت وسائل التواصل الاجتماعي دورا بارزا في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد مؤخرا، في أعقاب تسليطها الضوء على الجرائم والانتهاكات التي يرتبكها الاحتلال في فلسطين، لا سيما القدس.
وعلى صعيد انتهاكات الاحتلال في القدس، كان لافتا حجم التفاعل الواسع الذي أحدثه انتشار وسم #أنقذوا حي الشيخ جراح، على الصعيدين العربي والعالمي، الذي يسلط الضوء على مأساة توشك أن تحل بعشرات العائلات الفلسطينية المهددة بالتهجير من منزلهم بحي الشيخ جراح لصالح جمعيات استيطانية، تدعمها محاكم الاحتلال وتقف خلفها.
وساهم في ذلك، نشر الناشطة المقدسية منى الكرد فيديو عن ما يدور في الحي، الذي يشهد احتجاجات مستمرة ضد قرارات الإخلاء التي ينوي الاحتلال تنفيذها.
وقامت الكرد بنشر فيديو على حسابها في إنستغرام لحوار دار بينها وبين مستوطن سرق جزءا من بيتها، وقال لها في أثناء الحوار؛ “إن لم أسرقه سيسرقه غيري”، وانتشر هذا الفيديو كانتشار النار في الهشيم.
نشر القضية عالميا
ووصل وسم حي الشيخ الجراح إلى المرتبة الأولى في تويتر لعدة أيام، مما دفع للتساؤل عن دور مواقع التواصل الاجتماعي في لفت الأنظار لقضية الحي وسكانه المهددين بالتهجير، وما مدى مساهمتها في نشر القضية عالميا؟
ووفقا للاستشاري في الإعلام الجديد خالد صافي، “تشير التقارير إلى أن مواقع التواصل ساهمت بشكل كبير في نشر قضية حي الشيخ جراح، وذلك من خلال عدة أمور، أولها النشر المكثف والتغريد على وسم #أنقذوا حي الشيخ جراح، وبأكثر من 15 لغة، من ثم استطاع النشطاء لفت أنظار العالم لحقيقة ما يجري في الحي، وبيان أن ما يحدث ليس فقط مجرد إخلاء، وإنما تطهير عرقي تمارسه قوات الاحتلال منذ 73 عاما، أي منذ النكبة”.
وتابع صافي في حديث لـ”عربي21″: “كذلك الأمر، ساهم إصرار الاحتلال على جرائمه وانتهاكه الواضح لحقوق الإنسان أمام البث المباشر عبر هذه المنصات بنشر القضية بشكل كبير جدا، بل إنه حتى لم يعر وجود كاميرات النشطاء التي تبث مباشرة على مواقع التواصل أي اهتمام، مما ساهم في بيان حقيقته وجرائمه أمام العالم”.
وأوضح بأنه “مع النشر المكثف، وجد العالم نفسه أمام حقائق مروعة وقصص من أرض الواقع، يرويها النشطاء وسكان الحي من الميدان، الذين كانوا ينشرون الصور والفيديوهات عن جرائم الاحتلال وعن اعترافاته على نفسه، كما فعل المستوطن ياعكوف حينما قال لمنى الكرد عن بيتها: (إذا لم أسرقه أنا سوف يسرقه أحد غيري، وإذا خرجت منه لن تعودي إليه على أية حال)”.
وأكد صافي أن “سياسة الاحتلال العنصرية التي تنتهج التطهير العرقي، وصلت إلى العالم من خلال المنشورات والتغريدات، التي حرص الشباب على نشرها، بدءا من الحملة التي شنتها ابنة الحي، منى الكرد وشقيقها محمد على منصة كلوب هاوس لتعريف نخب العالم العربي بما يجري في هذا الحي، وأيضا التعريف بمكانه الجغرافي وتاريخ قصته وقضيته، وليس انتهاء بالحملة التي قادها النشطاء الفلسطينيون والعرب والعالميون، وما تلاه من تعاطف أبداه مشاهير وفنانون وسياسيون”.
دور المؤثرين
من جهته، أكد صانع المحتوى محمد أبو سليم أن”مواقع التواصل الاجتماعي أدت دورا عظيما في نشر قضية حي الشيخ جراح خاصة والقدس بشكل عام، وإعادة إحياء قضية فلسطين في وجدان الشباب العربي والعالمي”.
وقال أبو سليم في حديث لـ”عربي21″ أن “الجمهور العربي هو الذي قاد المؤثرين هذه المرة، بحيث أصبح الناس هم من يطلبون من المؤثرين التحرك في هذه القضية، لكن سياسة فيسبوك منعت الكثير منهم خوفا من إغلاق حساباتهم”.
وأردف: “القضية الفلسطينية حساسة والمحتوى الفلسطيني يتم التضييق عليه لحساسية الموضوع من الناحية السياسية والناحية التقنية، سواء عبر الحذف أو التقييد، وهذا جعل بعض المؤثرين يتجنبون الحديث بالموضوع على هذه المنصات”.
واستدرك أبو سليم بالقول؛ إن “هناك بعض الممارسات التي لا يعيها معظم المستخدمين، ساهمت برد فعل عكسي من قبل إدارة المنصات عبر حذف المحتوى الفلسطيني أو تقييده، لذلك يجب الحرص على النشر بطريقة تخدم القضية، وبالوقت نفسه تمنع المنصات من حذف المحتوى عبر استخدام الرموز وغيرها من الطرق الأخرى”.
رسالة أهل الحي
بدوره، أكد عماد أبو عرفة أحد قاطني حي الشيخ جراح “أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في نشر قضيتهم”، مضيفا: “خدمت حملة الهاشتاجات قضيتنا ونشرتها عالميا، حيث تواصل الكثير من المتضامنين الأجانب معنا نتيجة لها سواء كانوا مقيمين بالبلاد أو خارجها”.
وأشار أبو عرفة في حديث لـ”عربي21″، إلى “قيام بعض المتضامنين الأجانب بعد حملة الهاشتاغات بزيارة الحي للتضامن، ووصل التأثير حد زيارة ممثلين من السلك الدبلوماسي لعدة دول والعاملين بقنصليات بلادهم بالقدس، وكذلك منظمات إنسانية دولية عديدة قامت بزيارات تضامنية، وهذا أدى إلى وصول الصورة الحقيقية الواضحة عن القضية وتاريخها”.
ومع ذلك، يرى أبو عرفة أن “وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، فيمكن أن تؤثر سلبيا إذا ما أسيء استخدامها، ولكن هذا نادرا ما يحصل على الأقل حاليا بقضية الشيخ جراح، ولكنها بشكل عام ساهمت بشكل كبير وبشكل إيجابي بنشر قضية الحي”.
ولفت إلى أن “نقل نشطاء الحي للحدث هناك بالفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منح المصداقية للقضية عند المتابعين على هذه المنصات، خاصة أن هذه الفيديوهات كانت لحظية ولم يحدث لها أي تعديل أو لصق أو تلفيق”.
وحول الرسالة التي يريد سكان الحي إيصالها للمستخدمين قال أبو عرفة: “نطلب منهم الاستمرار بمتابعة أخبار ومستجدات القضية ومشاركتها مع الآخرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتفاعل معها بشكل إيجابي، مع الحرص على انتقاء المواقع والمصادر الموثوقة وعدم التعاطي مع حسابات زائفة أو وهمية، فالقضية مازالت مستمرة وسكان الحي ما زالوا مهددين بالتهجير”.
نقل الحدث بتجرد
من جهتها، أشادت الناشطة المقدسية سهاد عبد اللطيف، “بالدور الإيجابي لمواقع التواصل الاجتماعي، معتبرة أنها نقلت الحدث بتجرد ودون وجود أجندة مسبقة كما قد تفعله بعض وسائل الإعلام التقليدية، التي لم تكن تنقل الصورة بشكل كامل، وذلك وفقا للسياسة العامة لكل مؤسسة”.
وأكدت سهاد عبد اللطيف في حديث لـ”عربي21″، أن “السوشيال ميديا سمحت لشباب وشابات الحي بنقل الصورة كما هي عبر البث المباشر، حيث كان من الذكاء استخدام الشباب في حي الشيخ جراح لهذه التقنية، التي ربطتهم بباقي المناطق الفلسطينية من جهة والشباب العربي والعالمي من جهة أخرى”.
ولفتت إلى أن “تطوير محتوى صفحة أنقذوا حي الشيخ جراح وتحديثها، ساعد في تسليط الضوء أكثر، وجذب المزيد من المؤيدين والمناصرين للقضية من كل أنحاء العالم، وتحديدا مع نشر صور اعتداءات الاحتلال على السكان العزل وفضح المخطط الإسرائيلي العنصري، القاضي بتنفيذ تهجير قسري بحق عشرات العائلات ومئات المواطنين”.
وأوضحت بأن “النشر والتغريد بتلقائية وعفوية وصدق عبر منصات التواصل، أسقط الرواية الإسرائيلية التي كان الاحتلال يدعي فيها بأنه الطرف المعتدى عليه، حيث أظهرت الصور والفيديوهات حقيقة ما يجري في الحي، ومن هو المعتدي الحقيقي”.
ووجهت عبد اللطيف رسالة للشباب العربي بأن يمارسوا دورهم بفضح الاحتلال عبر هذه المنصات، خاصة أن الحي بشكل خاص والقدس والأقصى بشكل عام في دائرة الخطر حتى الآن”.
وطالبتهم بإنشاء غرف حوارية عبر المنصات لكسر الحدود السياسية والمساهمة في دعم الحي وسكانه المهددين بالتطهير العرقي، كما دعت كل من يتقنون اللغات المتعددة إلى التواصل معهم للاستفادة من خبرتهم في ترجمة فضائح الاحتلال لكل لغات العالم”.