أثارت تصريحات رئيس الحشد الشعبي في العراق فالح الفياض، عن تجربة الحرس الثوري الإيراني وضرورة الاستفادة منها، غضبا شعبيا وسياسيا واسعا، وسط دعوات لتحرير خطاب بغداد من “الصنائع الإيرانية”. ودعا الفياض، خلال زيارته إلى إيران مؤخرا، إلى الاستفادة من تجربة الحرس الثوري الإيراني، فيما أشاد بـ”دعم الشعب الإيراني والحرس الثوري للشعب العراقي والحشد الشعبي”.
وقال الفياض، إن الحشد الشعبي يسعى إلى تطبيق نموذج الحرس الثوري في العراق. وأضاف خلال لقائه قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي في طهران، على هامش مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد: “نفتخر بالحرس الثوري، ونرى من مسؤوليتنا أن ندرس الاستفادة من تجربة الحرس وفق قوانين وخصائص العراق”.
وأثارت تصريحات رئيس هيئة الحشد الشعبي غضبا على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط مطالبات بإبعاده عن رئاسة الحشد، وإعادة هيكلة المنظومة الأمنية وفق المعايير العالمية، بعيدا عن سطوة الأحزاب والميليشيات.
وتساءل محللون ونشطاء عراقيون عن ميزة تجربة الحرس الثوري والإيجابيات التي تتضمنها وفق رأي الفياض، ليسعى الأخير إلى الاستفادة منها في العراق، خاصة أن الحرس لا يمثل قوة عسكرية وفق مهام محددة، وإنما تجاوزها ليصبح شبه دولة داخل إيران، وتتبع له كل قطاعات المؤسسة العسكرية، بل ومؤسسات أخرى. وارتفعت الأصوات التي تطالب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بإبعاد الفصائل المسلحة التي لا تنضوي ضمن هيئة الحشد الشعبي وتجاهر بالولاء لإيران، وتحييدها، وتصفية المؤسسة العسكرية منها.
محاولة واضحة لاستنساخ الحرس الثوري
وأعاد هذا الجدل إلى الواجهة، علاقة وشبه الحرس الثوري الإيراني بالحشد الشعبي، الذي تشكل لمواجهة داعش في بادئ الأمر، غير أن بعض الفصائل تمردت لاحقا على الدولة ورفضت التخلي عن أسلحتها والانخراط في الأعمال الأخرى، خاصة أن كثيرا من الفصائل المسلحة تؤمن بما يعرف باسم “ولاية الفقيه” وتجاهر بذلك.
الخبير في الشأن العراقي رمضان البدران، قال إن الفياض المدرج على لائحة العقوبات الأميركية، ينتمي فكريا إلى مدرسة الولي الفقيه، وعمليا يرأس مؤسسة الحشد التي بنيت على فكرة نظام الحرس الثوري والباسيج الإيراني، لذلك “دعوته إلى أن يكون الحشد الشعبي كالحرس الثوري تعني أن يكون الحشد أعلى سلطة عسكرية، لكنه عقائدي ويأتمر بأمره الأجهزة الأمنية، على أن يدار الملف الأمني ومفاصل الدولة من قبل تلك المؤسسة”.
ويرى البدران في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”، أن “هذا التصريح يؤكد أننا أمام محاولة عملية واضحة وصريحة لاستنساخ التجربة الإيرانية في العراق، وإخراج البلاد من كونها دولة مدنية إلى دولة تُحكم من قبل دولة أخرى عقائدية، وطبعا تلك الدولة لا تكون في العراق وإنما في إيران، مما يؤشر بوجود مساع حقيقة لتطبيق ذلك، وتطبيع الدولة العراقية وإخضاعها إلى دولة الفقيه في إيران. هذا هو جوهر المشروع الجديد الذي قد نشاهده في المرحلة المقبلة، خاصة مع ظهور الكثير من المحاولات التي تسعى إلى زرع هذا الفكر داخل الشارع العراقي”.
و”مع وصول الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي إلى سدة الحكم في إيران، انعكس ذلك بشكل سريع على الداخل العراقي عبر نشاط ملحوظ للفصائل المسلحة، مثل استهداف البعثات الأجنبية، فيما رصدت زيارات متكررة لقائد فيلق القدس إسماعيل قاآني، مع إطلاق حملة واسعة لتصفية المعارضين الإيرانيين المتواجدين في إقليم كردستان”، وفق الخبير.
ويرى البدران أن “الحرس الثوري أعاد ترتيب العلاقة مع الفصائل المسلحة، وتطويعها لمواصلة دورها في عهد رئيسي كإحدى أهم أدوات تنفيذ السياسة الإقليمية لإيران، وكرأس حربة لها في صراعاتها ضد الولايات المتحدة على الأراضي العراقية”.
وباعتبار رئيسي من معسكر المتشددين، فإنه “سيحتاج أكثر لدور الميليشيات لتنفيذ سياسة إقليمية أكثر تشددا وهجومية في كل من العراق وسوريا ولبنان، الأمر الذي يتحتم معه إعادة انضباط مختلف الفصائل والتزامها بالتنسيق الكامل مع الحرس الثوري وتطبيق تعليماته، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمهمة الأكثر دقة وحساسية، المتمثلة في ممارسة الضغوط على واشنطن عبر التحرش بمصالحها وقواتها العسكرية في العراق”.
رفض برلماني
نائب في البرلمان العراقي بلجنة العلاقات والشؤون الخارجية، أكد أن “اللجنة ناقشت تلك تصريحات الفلاح خلال حواراتها الداخلية، وشددت على استقلال القرار العراقي وانحيازه إلى مؤثرات وضعه الاجتماعي والديني، والخصوصية العراقية من دون النظر إلى تجارب الدول الأخرى، التي تمارس أحيانا قمعا فكريا على مواطنيها، وتقيم دولتها على أساس ثيوقراطي بعيدا عن المبادئ المدنية”.
ويضيف النائب الذي تحدث إلى موقع “سكاي نيوز عربية” لكنه طلب إخفاء اسمه، أن “اتفاقا جرى في لجنة العلاقات الخارجية على توجيه سؤال شفوي إلى رئيس هيئة الحشد الشعبي بشأن سبب إطلاق تلك التصريحات والمغزى المراد منها، خاصة أنها تعارض الصحيح من الرأي الجمعي السياسي العراقي، وتتجه بالبلد إلى مسارات غير واضحة ورؤى لا تنسجم مع التطلعات الوطنية الهادفة إلى سيادة دولة القانون والمؤسسات”.
ولفت المصدر إلى أن “لجنة الأمن والدفاع دخلت على خط تلك التعليقات، ومن المقرر أن تتخذ إجراءات كذلك، لكن هذا مرهون بعودة جلسات مجلس النواب المتوقفة منذ عدة أسابيع”.