بخلاف الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية، لم تسارع تركيا في بادئ الأمر إلى سحب قواتها من أفغانستان، بل أبقت على سفارتها في كابول تعمل على الرغم من الظروف التي استجدّت مع بدء انسحاب القوات الأميركية من البلاد.
فجاء الموقف التركي ليحمل رسالة ضمنية بأن أنقرة لم تتراجع بعد عن رغبتها في البقاء في أفغانستان.
الموقف الضمني لتركيا، عززته تصريحات الرئيس رجب طيب إردوغان بعد لقاء القمة الذي جمعه بالرئيس الأميركي جو بايدن منتصف حزيران الماضي على هامش قمة حلف الناتو، في أول لقاء لهما منذ تولي بايدن الرئاسة، كما أعلن الرئيس التركي جهاراً عن رغبة بلاده بإدارة مطار كابول بعد الانسحاب الأميركي، بعد التحولات الأخيرة وسيطرة حركة طالبان على العاصمة وانهيار الحكومة.
وقالت تركيا: “إنها لا تزال ترغب بالقيام بهذه المهمة من خلال تقديم الدعم الأمني والفني في إدارة المطار. وقد بدأت بالفعل محادثات مع طالبان عبر مسارين، الأول محادثات مع المكتب السياسي للحركة عن طريق قطر، والثاني التواصل مع الجناح العسكري للحركة عن طريق باكستان”.
و”هناك مؤشرات إيجابية بهذا الخصوص”، وفق ما أوضح الباحث في الشؤون التركية والدولية محمود علوش، في حديث الى موقع “لبنان الكبير”. غير أن وزارة الدفاع التركية، أعلنت الأربعاء ٢٥ آب ٢٠٢١، أنها بدأت سحب قواتها من أفغانستان.
فهل تخلت تركيا عن خطتها في مطار كابول؟
حسب علوش فإن “قرار سحب القوات يُشير إلى إخفاق أنقرة في إقناع طالبان ببقاء القوات التركية. التواجد العسكري التركي في أفغانستان كان ضمن حلف الناتو والاتفاقات الثنائية المسبقة بين البلدين، وبالتالي لم يعد استمرار هذا التواجد ينسجم مع الواقع الجديد في ظل تمسك طالبان برفض بقاء القوات الأجنبية”.
وإذ لفت الى أن “المفاوضات لا تزال مستمرة بين أنقرة وطالبان حول مستقبل الدور التركي”، قال إن “طالبان طلبت من تركيا مساعدتها في إدارة وتشغيل المطار، لكنّ الأتراك يقولون إنّ هذه العملية بحاجة لدعم أمني وهذا يتطلب تواجداً أمنياً تركياً في المطار. وهذا الأمر متروك للمفاوضات الحالية”.
وفي سياقٍ متصل، رأى أن “قرار سحب القوات لا يعني أن تركيا لم تعد معنية بأن يكون لها دور في أفغانستان بل لا تزال تطمح إلى هذا الدور بالنظر إلى أهمية استقرار الوضع الأفغاني لها”، معرباً عن اعتقاده أن “التركيز التركي سينصب في الوقت الراهن على تعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي في أفغانستان”.
أسباب الدور التركي
“بالنسبة لتركيا هناك أربعة أسباب رئيسية تدفعها إلى التمسك بلعب دور في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي.
أولاً، قلقها من تداعيات انهيار الوضع الأفغاني عليها ولا سيما في مسألة المهاجرين.
خلال الأشهر الأخيرة شهدت الحدود التركية الإيرانية تدفق عشرات اللاجئين الأفغان بشكل يومي، وبالتالي فإن تصاعد هذا التدفق سيزيد الضغوط على تركيا في مسألة الهجرة ولا سيما أنها تحتضن نحو خمسة ملايين لاجئ من دول مختلفة ولم تعد قادرة على احتضان المزيد من اللاجئين.
هذه المقاربة التركية ترتكز على أن التواجد في أفغانستان والدفع باتجاه منع انهيار البلاد وعدم وجود إدارة تمسك بزمام الأمور سيزيد من مخاطر الفوضى عليها”، قال علوش.
وأضاف: “ثانياً، هناك دوافع اقتصادية.
تركيا لديها مصالح اقتصادية في أفغانستان وهناك المئات من الشركات التركية العاملة في البلاد وتسعى للحفاظ على هذه المصالح كما ترغب بأن تكون مشاركاً رئيسياً في عملية إعادة إعمار أفغانستان”.
أما السبب الثالث، حسب علوش، هو “رغبة تركيا بأن تكون جزءاً من التوازن الدولي الجديد الذي سينشأ في أفغانستان بعد الانسحاب الغربي، وهذا يُساعدها على أن تكون لاعبة رئيسية في سياسات آسيا الوسطى انطلاقاً من أفغانستان، فضلاً عن أن الحضور في أفغانستان سيمنع أطراف أخرى كروسيا والصين وإيران من التفرد في النفوذ وهذا سيُضعف السياسة التركية في آسيا الوسطى”.
وتابع: “رابعاً، تهدف تركيا من خلال البقاء في أفغانستان إلى تقديم نفسها لحلفائها الغربيين على أنها طرف يُمكن أن يحفظ مصالحهم في هذا البلد على أساس أنها جزء من حلف الناتو. وهذا الأمر سيُساعدها على فتح مجالات للتعاون مع الولايات المتحدة بدلاً من المضي في سياسة الخلافات المتراكمة بفعل عدد من القضايا كمسألة إس 400 والدعم الأميركي للوحدات الكردية في سوريا والموقف الأميركي من تنظيم غولن”.
دور تركيا في السلام الأفغاني
على الرغم من أن تركيا عرضت على طالبان تقديم الدعم الأمني والفني لإدارة مطار كابول، إلاّ أن تركيا “تسعى لتلعب دور الوسيط في إحلال السلام الأفغاني لأنها تملك علاقات جيدة مع أطراف أفغانية عدّة كزعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار وبعض الشخصيات الأفغانية كعبد الله عبد الله”، قال علوش، معرباً عن اعتقاده أن “تركيا ستسعى لأن يكون لأصدقائها في كابول دور بارز في الحكومة الأفغانية الجديدة. ومن دون أن تنجح تركيا في لعب مثل هذا الدور في أفغانستان، فإن مخاطر انهيار الحالة الأفغانية عليها ستزداد”.
وإذ أشار الى أن “تركيا فتحت قنوات تواصل مع طالبان ولديها علاقات جيدة مع قطر وباكستان”، أضاف: “لكنّها لن تكون قادرة على التحرك الكامل في الملف الأفغاني من دون ضمان أن الغربيين لن يعزلوا حركة طالبان لأنّ عزل الحركة أو وضعها على قائمة الإرهاب في الدول الغربية سيُقيّد قدرة تركيا في العمل معها”.
موقف دول الجوار من الدور التركي
وعن موقف دول الجوار من الدور التركي في أفغانسان قال علوش: “هناك أربعة أطراف رئيسية في هذه المعادلة هي باكستان والصين وروسيا وإيران.
وباستثناء إسلام آباد التي لديها علاقات جيدة مع تركيا ولا تُمانع في لعب دور تركي في أفغانستان، فإن الأطراف الثلاثة الأخرى تبدو متوجسة من هذا الدور من بوابة التنافس على النفوذ في آسيا الوسطى.
لكنّ في المقابل، سيكون من مصلحة روسيا والصين وإيران التعاون مع تركيا في المسألة الأفغانية لأنّ أي دور تركي إيجابي سينعكس إيجاباً على أمن تلك الدول ومصالحها في المنطقة.
فعلى سبيل المثال، مسألة المهاجرين تجمع تركيا وإيران، فيما مسألة احتواء نزعة التطرّف في أفغانستان تُشكل مصلحة لكل من تركيا وروسيا والصين”.
فهل تتمكن تركيا من اقناع طالبان بالبقاء في أفغانسان؟ أم ان سيطرة الحركة السريعة على العاصمة الأفغانية شكّلت ضربة قاضية لخطط تركيا، وحرمتها من ورقة ضغط مهمة في علاقاتها مع واشنطن والغرب؟.