أكد مصدر ديبلوماسي رفيع في جامعة الدول العربية لـ”النهار العربي”، أن “أي اتصالات لخفض مستوى التوتر في الأزمة بين لبنان والسعودية يجب أن تبدأ من المربع الرسمي اللبناني”، محمّلاً السلطات اللبنانية مسؤولية “عدم التعمل بحصافة وسرعة” مع أزمة تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي، حتى لو أنها سبقت توزيره، ومطالباً لبنان بـ”كلام واضح وأفعال لمحاولة احتواء الأزمة”.
واعتبر المصدر الرفيع في الجامعة أن “حزب الله بات مسيطراً على القرار اللبناني، وهذا مربك للجميع. الجميع يريدون مساعدة لبنان لكن ارتهان القرار اللبناني لإرادة حزب الله يصعّب على أصدقاء لبنان المبادرة إلى مساعدته”.
ويعود المصدر المذكور إلى بدايات الأزمة، “المسألة هي نتيجة لتراكمات قديمة والتعامل مع تصريحات وزير الإعلام لم تتصف بالحصافة والسرعة المطلوبتين. الموضوعات الديبلوماسية لها صيغة خاصة والتعامل معها ينبغي أن يأخذ ذلك في الاعتبار. بمعنى أنه عندما يكون بينك وبين دولة ما تراكم من العلاقات المتوترة، فينبغي أن يكون لديك حساسية في كل ما يصدر حيال الدول الأخرى، هذا إذا كانت لديك النية للاحتفاظ بعلاقة صحية وطيبة مع الجميع”.
لكنّ لبنان الرسمي يعلن أنه يريد مثل هذه العلاقة مع السعودية ودول الخليج. “نعم”، يقول المصدر، “لبنان يعلن ذلك لكن التعامل مع التصريحات السلبية بحقّ المملكة لم يكن على المستوى المطلوب، وهذا أمر وضع لبنان الرسمي في حرج”.
يجيب المصدر الديبلوماسي في الجامعة العربية، “لا، لا يكفي القول إنها تصريحات سابقة لأن الجميع يعلم أن هذه التصريحات تنمّ عن منطق معيّن في الحكومة اللبنانية، وهو منطق ممثّل في الحكم وليس وجهة نظر شخصية بحتة. وهنا المشكلة التي نتحدث عنها، أن السعودية عندما تستمع إلى هذه التصريحات وتقارنها بتصريحات بعض الأطراف في لبنان تجد تطابقاً كاملاً، وبالتالي هي ليست تصريحات شخصية”، في إشارة إلى تطابق تصريحات قرداحي مع مواقف “حزب الله” حيال الحرب اليمن.
وقال، “المشكلة أنه يتم التعامل مع هذه الأزمة في لبنان من بعض الأطراف بالطريقة التي يدير بها اللبنانيون مناكفاتهم الداخلية، بينما المشكلة هي مع دولة أخرى. المناكفات الداخلية أمر مختلف. السياسة الرسمية للبنان هي النأي بالنفس وهو المبدأ الذي تعتمده بيانات الجامعة العربية. لكن المشكلة أن هناك وزيراً يتحدث بهذا المنطق المسيء إلى المملكة في الإعلام ولم يتراجع عنه بتاتاً. يعني هو وفصيل كامل في الحكم اللبناني يؤمنان بما قاله، وهذا ساهم في تفجير المشكلة، ثم يشترطون ضمانات للاستقالة!”.
وأشار المصدر، “الكرة في ملعب لبنان الرسمي”. لكنّ وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب كان واضحاً في القول إن مشكلة الامتداد الإقليمي لـ”حزب الله” أكبر من قدرة الحكومة اللبنانية على حلها. كيف ستتعاملون مع هذه المعضلة؟
وأضاف، “المعضلة توصيف سليم، ويحتاج الأمر إلى الكثير من الحكمة لكي نرى كيف يمكن للبنان أن يعيش ويعود إلى ازدهاره ونموّه ووضعه السابق في ظل وجود مثل هذا التنظيم الذي صار مسيطراً على القرار اللبناني، وهذا مربك للجميع. الجميع يريدون مساعدة لبنان لكن ارتهان القرار اللبناني لإرادة حزب الله يصعّب على أصدقاء لبنان المبادرة إلى مساعدته”.
وأضاف، “اللبنانيون لديهم ممارسة سياسية شبه ديموقراطية متمثلة في الانتخابات النيابية”، يقول المصدر الديبلوماسي في الجامعة العربية. إذا تمكّن اللبنانيون من تجاوز المعادلات الطائفية وأن يهزّوا الواقع الطائفي السياسي مثلما تمكّن العراقيون من إحداث تغيير في واقعهم السياسي، وإن كان تغييراً بسيطاً، فهذا يعطي بادرة أمل لأصدقاء لبنان لأن يساعدوا. لكن الجميع يعلمون أن موضوع الانتخابات ربما له ديناميكياته الخاصة”.
لكنّ الأزمة راهنة وموعد الانتخابات بعيد حتى آذار المقبل؟ قال، “العراقيون قاموا بثورة في الشارع مدة سنتين وانتخبوا قبل أسابيع فقط، وكان تصويتهم صرخة احتجاج واسعة”. كان لافتاً طلب الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط قبل أيام من السعودية ودول الخليج المتضامنة معها “تدبّر اجراءاتها” حيال لبنان بسبب أوضاعه الاقتصادية.
يعيد المصدر الديبلوماسي هنا الأمور مجدداً إلى الحكومة اللبنانية، “أي اتصالات تستهدف خفض مستوى التوتر في هذه الأزمة تمهيداً لحلّها يجب أن تبدأ من المربع الرسمي اللبناني. المشكلة أن التصريحات توالت من أحد الأطراف كأن الموضوع محسوم بأنه لا استقالة وإذا مُسّ هذا الوزير سيبادرون إلى الانسحاب وإسقاط الحكومة! ماذا نقول للسعوديين؟ أنت تريد أن تتوسّط مثلاً في هذا الموضوع، ماذا تقول للسعودي وهو يسمع هذه التصريحات؟. وأشار إلى أن لبنان “هو الطرف الأضعف الذي يُفترض أنه بحاجة إلى الطرف الآخر. إذا أوقف استيراد الفواكه والخضار بمليون دولار سيحدث ذلك فرقاً كبيراً لدى الناس”.
وقال، “الجامعة العربية لا تؤمن بفكرة عزل لبنان أو التخلي عنه إطلاقاً، بل على العكس، نحن نواكب لبنان ونسعى إلى مساعدته بقدر ما نستطيع، ولسنا في وارد عزله إطلاقاً. لكن العلاقات بين الدول تأخذ أحياناً منحى فيه نوع من التشدد، وهذا التشدد وارد ويحصل، ولاحقاً حين تهدأ الأمور يتم التراجع عن هذا التشدد”، ويستدرك “لكن حتى نبدأ في التعامل مع هذه الأزمة لا بدّ من أن يكون هناك كلام واضح وعملي من الجانب اللبناني. كلام وأفعال”.
ولا يحبّذ المصدر الرفيع في الجامعة العربية الدخول في تفاصيل “الأفعال” المطلوبة من الحكومة اللبنانية، لكنّه يرى أن “الوضع الآن يحتاج إلى تدخّل طرف للتهدئة ومحاولة احتواء الأزمة”.
وأضاف، “الجامعة تؤدي دورها والأمين العام يؤدي دوره. لكن أي وساطة في أي نزاع لا بدّ أن تكون لها مرتكزات توحي باحتمال النجاح، وإلا تنقلب القصة إلى فشل. ثمة حديث عن وساطة قطرية محتملة. لم نسمع عن وساطة قطرية. مجرد إعلان عن إرسال وزير الخارجية القطري إلى بيروت بعد لقاء لدقائق بين رئيس الوزراء (اللبناني نجيب ميقاتي) وأمير قطر. هل هذه الوساطة المقصودة؟ لا علم لنا بذلك”.