سعيّد يوصد الأبواب أمام الجميع

14 ديسمبر 2021
سعيّد يوصد الأبواب أمام الجميع

في واحدة من المرات القليلة التي يتحدث فيها مباشرة الى الشعب، فاجأ الرئيس التونسي قيس سعيّد الجميع ليلة الاثنين بإعلانه جملة من القرارات الجديدة هي عناوين للمرحلة المقبلة، في حين كان مرتقباً أن يتكلم في عيد الثورة يوم 17 كانون الأول، مستبقا بذلك كل التحركات المنتظرة خلال الأيام القليلة المقبلة.
وأعلن سعيد تنظيم انتخابات تشريعية في 17 كانون الأول 2022 على أن يتم الابقاء على مجلس النوّاب مجمّدا إلى حينه، إضافة إلى تنظيم استفتاء شعبي على الاصلاحات الدستورية يوم 25 تموز المقبل، يكون مسبوقا باستشارة شعبية عبر المنصات الالكترونية أو مباشرة في مقار المدن، وتقوم لجنة مختصة بجمع مقترحاتها قبل آذار المقبل، لكنه لم يقدم تفصيلا لآليات تنفيذ هذه العناوين العامة.
الاجهاز على منظومة 24 تموز
وتحدّث سعيّد بنبرة صارمة ومتشنجة احيانا، مهاجما الجميع خصوما وأصدقاء، بمن في ذلك من قدموا خيارات بديلة لـ”تدابيره الاستثنائية”، في اشارة الى مبادرة اتحاد الشغل صاحب التأثير القوي في البلاد الذي تحدث عن “خيار ثالث”. وجدّد الرئيس التأكيد انه “لا عودة إلى الوراء” مغلقا الباب أمام كل الدعوات والضغوط التي مورست عليه طيلة الأشهر الخمسة الماضية داخليّا وخارجيّا للجلوس إلى طاولة الحوار.
ويرفض سعيّد التواصل مع كل مكونات المشهد السياسي في تونس بمن في ذلك تلك التي أعلنت دعمها لتدابير 25 تموز، ولم يلتق منذ اعلانه تجميد البرلمان أي شخصية سياسية ونقابية.
ولا يخفي سعيد تبرّمه من الطبقة السياسية التي حكمت البلاد بعد 14 كانون الثاني 2011، وجدد وصفه مكوّناتها بالقول “إنهم لصوص استولوا على ثورة الشعب”، وبالتالي فقد واصل سياسة صدّ الأبواب أمام الجميع إلى حين تنفيذ برنامجه.
ويعتبر مراقبون أن سعيّد قطع نهائيا الطريق أمام “منظومة 24 تموز” بالإعلان عن عناوين المرحلة المقبلة والتي طالما ألحّ الجميع مطالبين بالإفصاح عنها.
ويقول عضو الهيئة المستقلة للانتخابات سابقا سامي بن سلامة لـ”النهار العربي” إن الرئيس سعيّد قدم اجابات عن كثير من الأسئلة التي طُرحت طيلة الأشهر الماضية، رغم أنها “اجابات منقوصة”، وفق ما يقول، “لأن بعض الاجراءات كانت غامضة، الا أنها قضت على دعائم حكم الاخوان بالابقاء على مجلس النواب ودستور 2014 في حكم الملغيين”.
“غير كافية”
وعلى رغم ان سعيّد توعد بمحاكمة من تورطوا بالفساد (في اشارة الى حزب “النهضة” ومن شاركه الحكم طيلة العقد الماضي)، الا أن خصوم “الاخوان” في تونس اعتبروا قراراته “غير كافية”، ووصفوا خطابه بـ”المخيّب للآمال”. ورأت رئيسة حزب “الدستوري الحر” عبير موسي التي تتزعم جبهة معارضة الاسلاميين أنّ سعيّد بإعلانه إجراء انتخابات تشريعية وفق القانون الانتخابي الجديد يوم 17 كانون الأول 2022 قد منح ”الخوانجيّة” (تسمية تطلق على “اخوان” تونس) سنة إضافية للاستعداد ومواصلة جمع المال الخارجي والتغلغل أكثر وتنظيم صفوفهم”، على حدّ تعبيرها.

ويقول أنصار سعيّد إنه استجاب لتطلعات التونسيين بوضعه سقفا زمنيا معقولا للفترة المقبلة، وهو ما طالبت جهات داخلية وخارجية سعيّد به من اجل العودة الى المسار الديموقراطي.
واستحسن أستاذ القانون الدستوري صغير الزكراوي في تصريح الى”النهار العربي” اعلان سعيّد وضع سقف زمني لفترة الاجراءات الاستثنائية لأنها تستجيب للدعوات الداخلية والخارجية، معتبرا أنها “معقلنة”.
وأعلن حزب “البعث العربي الاشتراكي” تأييده قرارات سعيّد، وأكّد في بيان “مباركته جملة هذه الإجراءات بما احتوته من تسقيف زمني وما عبرت عنه من إرادة واضحة وصلبة للإصلاح”، منوّها بتجنب سعيّد “اتخاذ قرارات مثل حل البرلمان أو المجلس الأعلى للقضاء أو إلغاء الدستور، وهي القرارات التي كانت ستزيد من توتير المشهد السياسي”.
أزمة جديدة
في المقابل يصرّ معارضو سعيّد على أن الرجل “أمعن في سياسة الهروب إلى الأمام باختيار السير الأحادي وإقصاء الجميع”، ويرى هؤلاء أنه لم يقدم حلا للازمة بقدر ما صنع أزمة جديدة.
وأعلن ممثلو أحزاب “التيار الديموقراطي” و”الجمهوري” و”التكتل من أجل العمل والحريات” خلال مؤتمر صحافي مشترك اليوم الثلثاء النزول إلى شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة للاحتجاج على ما اعتبروه “انقلاب سعيّد”، وللاحتفال كذلك بذكرى الثورة.
ودعا الأمين العام لـ”الحزب الجمهوري” عصام الشابي “كل الديموقراطيين والقوى المدنية الى المشاركة في هذا التحرك”، كما اعتبر الأمين العام لـ”حزب التكتل” خليل الزاوية أن قرارات سعيّد “صارت خطرا جاثما على الدولة ولا بد من مقاومته”.
وانتقد الزكراوي استبعاد سعيد الأحزاب والمنظمات الوطنية، مشددا على انه “تعمّد الاستهزاء بهذه الأحزاب والمنظمات بالتهكم عليها صراحة”.
ورأى أن الاجراءات التي أعلن عنها أفرغت من مضامينها لأنها لم تتضمن الاعلان عن تنظيم حوار وطني مع المنظمات الوطنية على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف.
وعلى رغم أن تونس تعيش على وقع أزمة اقتصادية خانقة ساهمت الأزمة السياسية في تعميقها، الا أن سعيّد تجنّب في خطابه الحديث عن رؤيته لحلها وانتقد خصومه تغييبه هذا الملف الذي اعتبروه أولوية للشارع التونسي.