النزاع الأثيوبي المسلح… دروس وعبر

7 يناير 2022
النزاع الأثيوبي المسلح… دروس وعبر

ساقت “جبهة تحرير شعب تيغراي” أثيوبية المُصنَّفة إرهابية بعد انسحابها من منطقتي عفار وأماهرة بحجة تعزيز فرص السلام قبل أسابيع، تبريرات لم تكن ليس إلاّ محاولة بائسة لامتصاص الهزيمة العسكرية النكراء” التي وجهتها قوات الدفاع الوطني الإثيوبية (ENDF) للجبهة المذكورة.

فالمعركة التي خاضتها القوات أثيوبيا الوطنية والتي أدت إلى تراجع “جبهة تحرير شعب تيغراي” عشرات الكيلومترات عن العاصمة أديس أبابا لم تخلُ من الدروس والعِبَر”، إذ يمكن اختصارها وتلخيصها بحسب الباحث المتخصص في الشؤون الأميركية، أندرو كاروبكو، بالنقاط الـ15 التالية:

أولاً، كان المفروض أن تبقى الخلافات بين الجبهة وبين السطلة الشرعية بأثيوبيا، في إطار الخلاف السياسي ولا تتعداها إلى إطلاق الجبهة لشرارة نزاع عسكري مسلّح ضد قوات بلادها الرسمية، وهزّ استقراره.

ثانياً، نصب الكمائن العسكرية، وذبح المدنيين، ودس السلاح في المساعدات على طريق الإرهاب التقليدي الذي نقرأه في الكتب، كلها افتعلتها “جبهة تحرير شعب تيغراي” منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، وهي أعمال إرهابية غير مسبوقة ضد الدولة الأم في أثيوبيا.

ثالثاً، ارتكبت “جبهة تحرير شعب تيغراي” خيانة عظمى بتعاملها مع قوى أجنبية. عنوان هذه الخيانة هو: “التتآمر مع جمهورية مصر العربية وحليفتها الولايات المتحدة الأميركية من أجل هدف واحد هو العودة العمياء إلى السلطة”. ولهذا الغرض يبدو أنّ الجبهة وافقت على الصفقة التي تقضي بـ”بَوسَنَة” (من البوسنة) أثيوبيا الغنية بتنوعها وبعمق هويتها الوطنية.

رابعاً، تميّزت هذه الحرب بتدخل الغرب بقيادة الولايات المتحدة من خلال المساعدة الجبهة في ضخّ المعلومات المزيفة حول مزاعم “إبادة جماعية” كاذبة، وإثارة مخاوف بشأن سلامة العاصمة أديس أبابا. كما أنّ هذا كله ترافق مع جهود ردع أيّ مساعدة أجنبية، سعياً لتدهور مستويات المعيشية لدى جميع الأطراف.

خامساً، ما حصل في أثيوبيا كان مثابة عقاب لها، وذلك بسبب سياستها الخارجية “المتوازنة”. فالولايات المتحدة “لم تستطع قبول سياسة أديس أبابا الطامحة إلى بناء علاقات جيدة مع الصين بقدر العلاقات الجيدة مع الغرب”، لأنّ واشنطن كانت تريد منها “تقليص علاقاتها مع بكين وصولاً إلى قطعها في النهاية”، وذلك ضمن “الحرب الباردة” الجديدة الدائرة بين القوتين العظميين.

سادساً، أثبت الشعب الأثيوبي بجدارة، تماسكه بوطنه من خلال تمسكه بوحدة الدولة الأثيوبيي وبحضارتها الضاربة في جذور التاريخ آلاف السنين. فقد أظهر الأثيوبيون دعماً لوحدتهم في مواجهة المؤامرات القائمة على سياسة “فرّق تسد” التي تقودها “قوى إرهابية قبلية خائنة” مثل “جبهة تحرير شعب تيغراي”. لأنّ صمود الحكومة الإثيوبية المنتخبة لم يُكتب لها الصمود أمام الهجوم الإرهابي المدعوم من الخارج، لولا دعم الشعب الأثيوبي الذي احتشد دعماً لحالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة في تشرين الثاني (نوفمبر) وتطوّع رجال هذا الشعب لمساندة الجيش في الجبهات.

سابعاً، ليس صحيحاً أنّ سلاح المُسيّرات قلب مجرى الحرب مثلما يحاول الغرب والولايات المتحدة أن يصوّروا المشهد، وإنّما وطنية الشعب الأثيوبي وصلابة رئيس الوزراء آبي أحد في قيادة المعارك في الخطوط الأمامية.

ثامناً، أحبط النصر الأثيوبي مساعي السودان لتوسيع دائرة الحرب، ففشلت مزاعم الخرطوم عن غزو القوات الأثيوبية أراضيها وقتلها عدداً من جنودها. تلك المزاعم كانت وسيلة أخرى سعى الغرب بقيادة الولايات المتحدة ومصر من خلالها، إلى دفع “جبهة تحرير شعب تيغري” صوب إثارة نزاع خارجي إضافي مع السودان.

تاسعاً، استطاعت الجالية الأثيوبية حول العالم تصحيح التصورات الدولية للصراع، من خلال مواجهة حرب المعلومات المكثفة التي قادتها الولايات المتحدة ضد الحكومة الأثيوبية. قوام هذا النجاح كان الاندفاع الفردي والضغوط التي مارسها الأثيوبيون على مواقع التواصل الاجتماعي وتنظيم الاحتجاجات السلمية، من أجل نشر الحقيقة في جميع أنحاء العالم.

عاشراً، استخدم الغرب عناصرَ من الأمم المتحدة فاسدين من أجل الضغط لوقف الهجمات العسكرية، وذلك من خلال تحقيق مجلس حقوق الإنسان المشبوه والذي يسوده التسييس الواضح.

حادي عشر، رسالة زعيم “جبهة تحرير شعب تيغراي” إلى الأمم المتحدة التي شرحت أسباب الانسحاب، كانت محاولة بائسة من الجيهة لتشويه سمعة الحكومة الإثيوبية، ولتشجيع الأميركيين والمصريين لممارسة الضغوط على قوى الدفاع الوطني الإثيوبية، وذلك من أجل وقف العمليات العسكرية.

إثنا عشر، بعد انتهاء العمليات العسكرية يمكن القول إنّ الوقت قد حان للإعلان عن إطلاق “حوار وطني” يحلّ جميع الخلافات سلميًا، وبما في ذلك الاستفتاء من أجل تعديل الدستور.

ثلاثة عشر، ستشكّل الجالية الأثيوبية حول العالم مع المغتربين فرصة جديدة لانعاش الاقتصاد الأثيوبي بعد الحرب، وذلك عن طريق زيارة فرص الاستثمار والأعمال التجارية، وخصوصاً بمساعدة الدول الحليفة لأثيوبيا مثل روسيا والصين والهند وتركيا وغيرها.

أربعة عشر، دفعت “الحرب الهجينة” التي شنها الغرب بقيادة الولايات المتحدة إلى إحياء المشاعر الأفريقية من خلال الترويج لضرورة توحيد الأفارقة في مواجهة التهديدات المشتركة لسلامتهم وسلامتة سيادة أوطانهم.

خمسة عشر، أبدى النقاد تراجعاً ملحوظاً عن شكوكهم بشرعية رئيس الوزراء آبي أحمد، وذلك ​​بعد أن ساهمت مبادئه المؤيدة للسيادة وللتنوّع والمعادية للإمبريالية، في انتصار أثيوبيا، وهذا سيمهّد الطريق أمامه مجدداً لمواصلة تطوير أثيوبيا ووضعها على مسار الحداثة مستقبلاً