لم يعد تغير المناخ يشكل التهديد الوحيد من صنع الإنسان لمصير البشرية بأكملها؛ ففي ظل التوترات الأخيرة بين روسيا والغرب، زاد الكلام عن سيناريو حرب نووية تبدو أقرب مما كانت عليه منذ عقود، وتحديداً في ظل البيانات المتشائمة بشكل متزايد حول تطور الصراع على الحدود الاوكرانية ليستدرج روسيا والغرب إلى حرب تقليدية، وفقاً لتقرير للكاتب ماثيو روزسا.
وحسب روزسا، “تتزايد خشية البعض من حرب بالأسلحة النووية، خصوصاً في ظل التدهور الظاهري للحضارة خلال الأشهر الأولى لوباء كورونا والذي لن يعادل شيئاً من الفوضى والدمار اللذين سيلحقان بالأرض بعد أي حرب نووية.
ومع ذلك، أنتجت عقود من التعايش مع الأسلحة النووية قدراً كبيراً من المعرفة حول تأثيرات الحرب النووية على الكوكب والبشرية.
وحتى لو اندلعت حرب نووية “صغيرة”، سيموت عشرات الملايين من الناس بعد الانفجارات الأولية. وسيلف غطاء من الغبار أشعة الشمس ويتسبب بشتاء نووي يدمر المحاصيل في جميع أنحاء الكوكب ويغرق المليارات في المجاعة.
وفي نصف الكرة الشمالي، سيتعرض الأوزون لاستنزاف شديد من الدخان النووي بحيث تعاني الكائنات الحية من زيادة التعرض للأشعة فوق البنفسجية الضارة.
في حين أن الأمور لن تكون بهذا السوء في نصف الكرة الجنوبي، وستواجه حتى البلدان التي تتمتع بمكانة جيدة مثل أستراليا الآثار المتتالية لحرب نووية صغيرة في نصف الكرة الشمالي بسبب ترابطها مع المجتمع العالمي.
وبحسب هانز كريستنسن من معهد “سيبري” لبحوث السلام، لن يتسبب تبادل الضربات النووية فقط بقتل الملايين من الناس وتلويث مناطق النفايات بالتساقط الإشعاعي، ولكن من المحتمل أيضاً أن يترك تأثيرات مناخية طويلة المدى.
ومع ذلك، من غير المرجح أن يتحول الصراع الحالي في أوكرانيا إلى حرب نووية.
وهو أمر يشاطره خبراء الأسلحة النووية الرأي فيه.
يقول جيف ويلسون، المدير السياسي لمنظمة غير ربحية مكرّسة لإزالة الأسلحة النووية من ترسانة الولايات المتحدة: “هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك باستثناء بعض سوء التقدير الهائل أو وقوع حادث أو تصعيد”.
وتجدر الإشارة إلى أن أوكرانيا ليست جزءاً من منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وعلى هذا النحو، لم تلتزم الولايات المتحدة باستخدام جيشها إذا تم التعدي على سيادة أوكرانيا. وفي حين أن صانعي السياسة الأميركيين يمكنهم تقديم مساعدات مادية ومعاقبة روسيا من خلال العقوبات، من غير المرجح أن يخاطروا بحرب مفتوحة.
ومع ذلك، تمتلك القوى النووية في العالم (والتي تضم، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا، الصين والهند و(إسرائيل) وفرنسا وكوريا الشمالية وباكستان والمملكة المتحدة) ترسانات ضخمة تحت تصرفها.
بالإضافة إلى ذلك، أشرف الرئيس دونالد ترامب على تطوير أسلحة نووية جديدة.
وبالتالي، يبقى احتمال نشوب حرب نووية دائماً، ربما ليس على الأرجح في هذا السيناريو، ولكن لا يمكن نفي وجوده تماماً.
ويحذر ويلسون من أن “حقيقة بدء الولايات المتحدة بتطوير هذه الأسلحة مرة أخرى هو أمر جنوني، ويبعث برسالة سيئة للغاية إلى بقية العالم في الوقت الذي يضغط فيه الأميركيون على الدول لإنهاء الانتشار النووي وتقليص حجم الترسانات النووية ونطاقها لفترة طويلة، كما يرسل إشارة خطيرة الى خصومنا (أي خصوم الولايات المتحدة) بأننا نعتقد أن الأسلحة النووية التكتيكية مهمة مرة أخرى، وبالتالي قد يحذوا حذونا. أما إذا اندلعت حرب تقليدية بأسلحة نووية، فسوف تنتهي بشكل كارثي”.
ويوضح ويلسون أن “الباحثين قدروا أن حرباً نووية إقليمية، مثل تبادل بضع مئات من الأسلحة منخفضة القوة المتبادلة بين الهند وباكستان، قد تؤدي إلى مقتل المليارات من الناس في جميع أنحاء العالم، بسبب التأثيرات على إنتاج الغذاء العالمي. ومنذ أن أسقطت الولايات المتحدة قنبلة ذرية على هيروشيما في العام 1945، دعا مفكرون من عدد من التخصصات الى حكومة عالمية كبديل لمحرقة نووية محتملة.
أما الطريقة الوحيدة للتخلص من هذا التهديد فهي مؤسسية وهيكلية من خلال إنشاء نظام دولي عملي للأمن الجماعي لا يقوم على الإزالة الكاملة لأسلحة الدمار الشامل وحسب، ولكن أيضاً على نزع السلاح التقليدي الجذري ومنح الأمم المتحدة قدرات التدخل السريع وهيئات وإجراءات صنع القرار الديموقراطية”.
ويتطلب كل ذلك أيضاً، بحسب كريستنسن “اتفاقيات الحد من التسلح لخفض أعداد الأسلحة النووية ودورها واتفاقيات إدارة الأزمات لتقليل فرص ومخاطر سوء التفاهم ورد الفعل المبالغ فيه وتغييرات في السياسات الوطنية حتى تمتنع الدول عن اتخاذ إجراءات عدوانية”.