كيف أيقظ بوتين “عملاق أوروبا النائم”؟

28 فبراير 2022
كيف أيقظ بوتين “عملاق أوروبا النائم”؟

في منعطف لافت للسياسة العسكرية التي ظلت برلين تتبعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز، يوم الأحد، تخصيص 100 مليار يورو لصندوق خاص يستهدف تعزيز المنظومة الدفاعية للقوات المسلحة.
وقال شولتز بنبرة حاسمة أمام نواب البوندستاغ (البرلمان)، “سنؤسس صندوقا خاصا للجيش الألماني لاستخدامه للاستثمارات في مجال الدفاع. من الواضح أننا بحاجة إلى زيادة الاستثمار بشكل كبير في أمن بلدنا؛ من أجل ضمان حريتنا وديمقراطيتنا”.
ودعا المستشار الألماني لضرورة إدراج الصندوق الخاص للجيش في الدستور، مع التنصيص على زيادة الإنفاق الدفاعي بأكثر من 2 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي، بدلًا من حوالي 1.5 في المئة”.
ويعد إعلان شولتز الأحدث في سلسلة من التحولات الرئيسية في السياسة الدفاعية والأمنية الألمانية في نهاية هذا الأسبوع، بعدما دفع غزو روسيا لأوكرانيا أكبر قوة اقتصادية في أوروبا إلى تغيير سياستها العسكرية.
وفي أوقات سابقة، قاومت برلين ضغوطا متزايدة من حلفائها في الناتو، ولا سيما الولايات المتحدة؛ من أجل زيادة إنفاقها الدفاعي.
منعطف ألماني
وتشكل الخطوة علامة فارقة بالنسبة لألمانيا، التي تعرضت لانتقادات من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين في الناتو؛ لعدم الاستثمار بشكل كافٍ في ميزانيتها الدفاعية.
ويرى مراقبون ومحللون في السياسات الدفاعية أنه كان لبدء الهجوم الروسي على أوكرانيا تأثير واضح على صُنّاع القرار في برلين، الذين وضعوا أيديهم على القصور الذي تسرب على مدار السنوات الماضية لكل مفاصل القوات المسلحة الألمانية، سواء فيما يتعلق بالجاهزية القتالية للوحدات العسكرية الألمانية، أو فيما يخص الموارد المالية واللوجستية المتوفرة لهذه الوحدات.
وبدا هذا القصور واضحًا للعيان بعد أن وجد الوسط السياسي الألماني نفسه أمام مساهمة “هزيلة” من جانب برلين، في تعزيز دفاعات حلف الناتو في شرق أوروبا، وعدم مقدرة الحكومة الألمانية على تقديم مساعدات عسكرية نوعية وفعالة للجيش الأوكراني في أزمته الأخيرة، وفق المراقبين.
قدرات عسكرية
تأسس الجيش الألماني منتصف عام 1955، بعد سماح الحلفاء لألمانيا بتسليح نفسها مجددا.
يأتي ذلك بعدما دخل الاستسلام غير المشروط للجيش الألماني حيز التنفيذ في مايو عام 1945، عبر وثيقة قانونية تم بموجبها إعلان الهدنة وإنهاء الحرب العالمية الثانية في أوروبا.
وكانت أول مهمة عسكرية دولية تشترك فيها ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، عام 1993 حينما منحت الحكومة الاتحادية تفويضاً للجيش الألماني للمشاركة في مهام قوات الناتو في يوغسلافيا السابقة.
ويقدر عدد قوات الجيش الألماني بحوالي 185 ألف فرد من دون الاحتياط، وينقسم إلى 5 فرق قتالية.
وبحسب تصنيف “غلوبال فاير باور” لأقوى جيوش العالم، يحتل الجيش الألماني المرتبة 16 بين 140 جيشاً ضمهم التصنيف.
ويمتلك الجيش الألماني 617 طائرة متعددة المهام، و266 دبابة و9 آلاف و217 مدرعة، ويتكون أسطوله الحربي من 80 وحدة بحرية.
قرار ثوري
ووصف مدير شؤون الاتحاد الأوروبي بمجموعة الأزمات الدولية، جوزيبي فاما، في حديث خاص لـ”سكاي نيوز عربية”، قرار المستشار الألماني بـ”الثوري”.

وقال “فاما”، إن قرار شولتز يأتي خلافًا للسياسة الألمانية القائمة منذ عقود، حيث كانت الحكومة الألمانية واحدة من أكثر الحكومات الأوروبية ترددًا في استخدام القوة العسكرية وزيادة الميزانية الدفاعية تحت حكم المستشارة إنجيلا ميركل.
وشدد على أن الجيش الالماني كان أيضًا عرضة للانتقاد للحالة المزرية لأصوله وعدد القوات العاملة وحالة الابتكار التكنولوجي لديه، حيث ألمانيا واحدة من أبرز الدول في الصناعات العسكرية والدفاعية.
ولفت “فاما” إلى اعتماد ألمانيا بشكل كبير على وجود القوات الأمريكية، وكذلك المعدات التقنية الأمريكية المنتشرة على أراضيها.
وذكر مدير شؤون الاتحاد الأوروبي بمجموعة الأزمات الدولية أن قرار استثمار 100 مليار يورو سوف يجعل من الميزانية الدفاعية الألمانية تتخطى نسبة 2 في المئة من الناتج المحلي حسب ما اتفقت دول الناتو بحلول 2024، ويدفعها لتطوير أسلحتها الرئيسية، وشراء معدات أكثر حداثة.
وبحسب رويترز، فإن ألمانيا قد تشتري طائرات مقاتلة أمريكية من طراز F-35، لتحل محل الطائرة متعددة المهام “تورنادو” بعد تقادمها المتقادم في دور المشاركة النووية.
ومن المنتظر أن يبنى الجيل القادم من الطائرات المقاتلة والدبابات في أوروبا بالاشتراك مع شركاء أوروبيين، لا سيما مع فرنسا، وفي المستشار الألماني.
استدعاء محتمل
من جانبه، يرى الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، محمد منصور، في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، أن هناك العديد من الشواهد التي دفعت المستشار شولتز، لتجاهل الرفض الذي شاب مواقف الأحزاب الألمانية المشاركة في الترويكا الحكومية، من مسألة رفع النسبة المخصصة للدفاع ضمن الميزانية العامة الألمانية، حيث تجاوب مع مطالبات وزيرة الدفاع .
وأضاف أن رئيس رابطة الجيش الألماني، طالب أيضا برفع هذه النسبة إلى 2 بالمائة، عوضًا عن 1.5 بالمائة خلال الميزانية الحالية.
وأوضح منصور أن زيادة تلك المخصصات تسهم في تسهيل مهمة الاستدعاء المحتمل لنحو 20 ألف جندي من قوات الاحتياط، ودعم عملية التحديث العسكري الألمانية، والتي يتوقع أن تشمل الجانب التصنيعي والجانب التسليحي، خاصة فيما يتعلق بالقوة المدرعة وكذلك الجوية.
مشاركة هزيلة
وقال منصور إنه على مستوى المشاركة الألمانية في تعزيز وحدات حلف الناتو في بحر شرق أوروبا، فقد اقتصرت هذه المشاركة على إرسال 3 مقاتلات إلى رومانيا منتصف الشهر الحالي، مع التجهيز لإرسال 3 مقاتلات أخرى بحلول منتصف الشهر المقبل، للمشاركة في وحدات الشرطة الجوية التابعة للناتو، إضافة لمشاركة محدودة للقوات البرية الألمانية في ليتوانيا.
وأوضح أن ضآلة المشاركة الألمانية في هذا الإطار، كانت سببا أساسيا في تنامي الشعور الداخلي في البلاد بوجود مشاكل كبيرة فيما يتعلق بالقدرات التي تمتلكها القوات المسلحة الألمانية، خاصة أن برلين تبحث حاليًا في كيفية تقديم مساهمة أكبر في وحدات حلف الناتو المتمركزة في خط الدفاع الأول أمام روسيا “البلطيق – البحر الأسود”.
وتابع الباحث “هذا يقتضي تقليل التواجد العسكري الألماني في مناطق أخرى، لتوفير الوحدات والمعدات اللازمة لتقديم هذه المساهمة، نظرًا لعدم وجود احتياطي قتالي جاهز على مستوى العدد والمعدات”، وشدد على أنه “ليس لدى برلين هامش مناورة كبير”.
وأكد الباحث في المركز المصري للدراسات أنه على مستوى حجم المساعدات العسكرية المقدمة من برلين لكييف، فكان أيضًا مؤشرًا على عجز المؤسسة العسكرية الألمانية عن مواكبة المساعدات التي قدمها إلى كييف دول تعد فعليًا أقل من حيث الإمكانيات والخبرة العسكرية من ألمانيا.
واقتصرت المساعدات الألمانية على إرسال 5 آلاف خوذة واقية إلى القوات الأوكرانية، وهو ما أثار ردود أفعال غاضبة خاصة لو ما تمت المقارنة بين هذا الدعم، وما قدمته دول مثل بريطانيا وأستونيا وليتوانيا.
وأكد منصور أن هذا الوضع بشكل عام، أثار ردود فعل علنية غاضبة داخل السلك العسكري الألماني.