يشير خبراء في مجال القانون الى أن محاكمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو غيره من القادة الروس ستواجه عقبات كبيرة وقد تستغرق سنوات، وذلك بعد اتهام أوكرانيا روسيا بارتكاب جرائم حرب في بلدة بوتشا الواقعة خارج العاصمة كييف، بحسب رويترز.
وقد عبرت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا واليابان ودول أخرى عن استيائها من الصور المنشورة عن قتلى مدنيين.
وقال رئيس بلدية بوتشا، السبت الماضي، إن القوات الروسية قتلت 300 من السكان خلال احتلال دام شهراً للبلدة. ورأى صحفيون من رويترز وفرانس برس ضحايا في مقبرة جماعية وجثثاً ملقاة في الشوارع.
في المقابل، نفت وزارة الدفاع الروسية مزاعم أوكرانيا، ووصفت اللقطات والصور التي تظهر جثث القتلى بأنها “عرض مسرحي من جانب نظام كييف لوسائل الإعلام الغربية”.
وذكرت الوزارة، في بيان، أن “كل الصور ومقاطع الفيديو التي نشرها النظام في كييف، ويزعم أنها شاهدة على (جرائم) الجنود الروس في مدينة بوتشا بمنطقة كييف، هي استفزاز آخر”.
ونفت روسيا في السابق استهداف المدنيين، ورفضت مزاعم بارتكابها جرائم حرب في حملتها التي وصفتها بأنها “عملية عسكرية خاصة” في أوكرانيا.
وحتى قبل بوتشا، اتهمت أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون القوات الروسية باستهداف المدنيين عشوائياً، واستشهدوا على ذلك بقصف مستشفى للولادة في مدينة ماريوبول الساحلية الجنوبية، ومبنى لمسرح كان مكتوبا عليه أنه مخصص لإيواء أطفال.
ما هي جريمة الحرب؟
حسب تعريف المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فإن جرائم الحرب هي “انتهاكات جسيمة” لاتفاقيات جنيف التي أعقبت الحرب العالمية الثانية والتي تحدد القوانين الإنسانية الدولية الواجب اتباعها في زمن الحرب.
وقال خبراء في مجال القانون إن الانتهاكات تشمل استهداف المدنيين عمداً، وحدوث خسائر “جسيمة” في صفوف المدنيين عند مهاجمة أهداف عسكرية مشروعة، بحسب رويترز.
وصدق الاتحاد السوفيتي السابق على اتفاقية جنيف عام 1954. وعام 2019 ألغت روسيا اعترافها بأحد البروتوكولات، لكنها ظلت مع الدول الموقعة على بقية الاتفاقيات.
كيف يمكن مقاضاة روسيا؟
قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الشهر الماضي، إنه فتح تحقيقا في جرائم حرب محتملة في أوكرانيا.
وروسيا وأوكرانيا ليستا من أعضاء المحكمة الجنائية الدولية، وموسكو لا تعترف بالمحكمة.
إلا أن أوكرانيا أعطت موافقتها على التحقيق في الفظائع المزعومة على أراضيها والتي تعود إلى وقت ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014.
وقد تقرر روسيا عدم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي ستؤجل أي محاكمة حتى يتم القبض على المدعى عليه.
على ماذا تستند المحاكمة؟
ستصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف إذا استطاع المدعون تقديم “أسباب معقولة للاعتقاد” بارتكاب جرائم حرب.
ووفقا لخبراء، لكي يصدر حكم بالإدانة، يتعين على المدعي العام إثبات التهمة على المتهم بما لا يدع مجالا للشك.
بالنسبة لمعظم الاتهامات، يتطلب ذلك إثبات أن المتهم عقد العزم وبيت النية.
وإحدى الطرق للقيام بذلك هي أن يثبت المدعي العام عدم وجود أهداف عسكرية في منطقة الهجوم، وأن ذلك لم يكن مجرد حادث.
ويقول الأستاذ الزائر في كلية الحقوق بجامعة هارفارد أليكس ويتينغ “إذا استمر حدوث ذلك مرارا وتكرارا وبدا أن الاستراتيجية تستهدف المدنيين في المناطق الحضرية، فقد يكون ذلك دليلا قويا على وجود نية للقيام بذلك”.
من المتهم تحديدا؟
قال خبراء إن التحقيق في جرائم الحرب يمكن أن يركز على الجنود والقادة الميدانيين وحتى رؤساء الدول.
يمكن للمدعي العام تقديم دليل على أن بوتين أو زعيماً آخر ارتكب جريمة حرب من خلال إصدار أمر مباشر بشن هجوم غير قانوني أو علم أنه تم ارتكاب جرائم وتقاعس عن منعها.
الإدانة صعبة؟
قال خبراء قانونيون إن قصف المسرح ومستشفى الولادة في ماريوبول يندرج على ما يبدو ضمن تعريف جرائم الحرب. لكن إصدار أمر إدانة قد يكون صعباً.
وفضلاً عن التحديات التي يواجهونها في إثبات النية في العديد من القضايا وربط القادة مباشرة بهجمات محددة، يمكن أن يواجه المدعون صعوبة في الحصول على أدلة من منطقة حرب، ومنها ما يتعلق بالمقابلات مع الشهود الذين ربما يتعرضون للترهيب أو لا يرغبون في الحديث.
وفي حالة أوكرانيا، سيعكف المدعون العامون بالمحكمة الجنائية الدولية على فحص أدلة الفيديو والصور الفوتوغرافية المتاحة للجمهور.
وربما يكون تقديم المتهمين للمحاكمة أمراً صعباً أيضاً.
يكاد يكون من المؤكد أن موسكو سترفض الامتثال لأوامر الاعتقال. وسيتعين على المحكمة الجنائية الدولية تعقب المتهمين المحتملين لمعرفة ما إذا كانوا يسافرون إلى دول يمكن اعتقالهم فيها.
ماذا تقول السوابق؟
منذ تشكيلها، أشرفت المحكمة الجنائية الدولية على 30 قضية، بعضها شمل أكثر من متهم، بحسب موقعها على الإنترنت.
وأدان قضاة المحكمة الجنائية الدولية خمسة متهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية، في حين برأوا أربعة آخرين.
وجرت إدانة توماس لوبانغا دييلو، وهو أحد أمراء الحرب في الكونغو، عام 2012.
أصدرت المحكمة مذكرات اعتقال بحق عدد من المتهمين الذين ما زالوا طلقاء، ومنهم زعيم ميليشيا جيش الرب للمقاومة في أوغندا، جوزيف كوني.
وأنشأت الأمم المتحدة عام 1993 محكمة جنائية دولية منفصلة ليوغوسلافيا السابقة للنظر في الجرائم التي وقعت خلال حروب البلقان، وأصدرت 161 لائحة اتهام وحكمت على 90 فردا.
بعد عام، أنشأت الأمم المتحدة المحكمة الجنائية الدولية لرواندا لمحاكمة المسؤولين عن الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم التي ارتُكبت هناك وفي الدول المجاورة عام 1994. ووجهت الاتهام إلى 93 شخصا وحكمت على 62.
أثار خبراء قانونيون إمكانية إنشاء محكمة منفصلة لفحص جرائم الحرب المحتملة في أوكرانيا، والتي يمكن أن تتم من خلال الأمم المتحدة أو من خلال معاهدة.