مع استيلاء حركة طالبان على الحكم في أفغانستان، عادت الممارسات السابقة التي عرفها عنها الأفغان إبان حكمها السابق بداية الألفية الحالية.
وسلطت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية الضوء على عودة ظاهرة زواج القاصرات المشينة، والتي طبعت البلاد قبل دخول القوات الأميركية لمطاردة المتهم الأول في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، أسامة بن لادن، والذي كان يحتمي بطالبان.
ونقلت الصحيفة قصصاً مروعة عن عائلات اضطرها الفقر لبيع بناتها، مقابل أثمان زهيدة، تحت غطاء الزواج، لكنها أشارت إلى أن البعض منهن لم يتعد سن 3 سنوات.
خانقول واحد من هؤلاء الرجل، وبعد أن وجد نفسه غارقًا في الديون ومن دون عمل، وأطفاله ينامون جائعين، أغلب الوقت، ويرتجفون في منزلهم غير المدفأ، أصبح يرى في بناته الثلاثة “من منظور البقاء” على حد تعبير الصحيفة التي قالت إنه أصبح يرى في بناته مصدراً للمال.
قال الرجل وفق ما نقلته الصحيفة، “بدلاً من موت جميع أفراد عائلتي، قررت أنه من الأفضل بيع إحدى فتياتي لإنقاذ البقية”.
البنت التي باعها هي زهرة، وعمرها 3 سنوات، ومشتريها رجل ثري يبحث عن زوجة أخرى، يبلغ من العمر 50 عاماً أما تكلفة البيع فبلغت حوالي 500 دولار.
ومع استمرار الأزمة الإنسانية في أفغانستان، والتي غذتها الصدمات الاقتصادية والمالية والسياسية التي تفاقمت بسبب انهيار الحكومة في آب 2021، يتحمل الأطفال مثل زهرة بشكل متزايد وطأة الفقر المتزايد.
وعلى الرغم من عدم توفر بيانات شاملة، تقول الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة والمسؤولون المحليون إنهم يتلقون تقارير موثوقة عن ارتفاع حالات زواج الأطفال وبيعهم للتبني حيث يسعى الأفغان إلى طرق للتعامل مع حياتهم التي أصبحت أصعب.
رئيس حماية الطفل في منظمة الأمم المتحدة للطفولة، كورنيليوس ويليامز قال “ما نشهده هو تحويل الفتيات وزواج الأطفال إلى سلعة. أصبح الأطفال بشكل عام سلعة اقتصادية في الأسرة”.
ولطالما انتشر زواج الأطفال في العديد من المجتمعات الأفغانية، لكن ويليامز قال إن “استيلاء طالبان على السلطة، والانهيار اللاحق للاقتصاد والنظام المصرفي، والضغوط الأخرى فاقمت المشكلة”.
ونوه إلى أن سن الفتيات التي تباع الآن للزواج آخذ في الانخفاض، وهو اتجاه يمكن أن يستمر ما دامت طالبان تمنع الفتيات من التعليم الثانوي في معظم المناطق.
يُشار إلى أن عقدين من الوجود الغربي في أفغانستان شجع تعليم الفتيات وأعطى فرصة لعدد لا يحصى من النساء والفتيات الأفغانيات، لطرح أسئلة حول هويتهن ومستقبلهن.
وفي السابق، عندما يتم تزويج طفلة، تظل مع أسرتها حتى سن المراهقة، لكن الأمر تغير الان، إذ يبحث خبراء اليونيسف ووكالات الإغاثة الأخرى في تقارير تفيد بأن الفتيات ينتقلن إلى منازل أزواجهن في سن مبكرة.
لكن الرجل مشتري زهرة وافق على بقائها مع والديها حتى بلوغها سن الخامسة عشرة، لكي يتزوج بها، بينما سيبلغ هو سن الـ62 سنة!
وعندما وصل الشهر الماضي بدفعة أولى قدرها 100 دولار، قام بتغيير الاتفاقية، على حد قول الصحيفة “لقد أراد أن يأخذ الطفلة عبر الحدود إلى إيران على الفور”.
وعندما سأل والدها كيف يمكنه أن يبرر ذلك لزوجته، أجابه المشتري، “أخبرها أنك فقدتها في الشارع، ولم تتمكن من العثور عليها”.
ومن شدة يأسه، أومأ الأب بالموافقة.
“إذا أعطيتنا أحد أطفالك ، فسأعطيك المال”ولسنوات كانت حياة الأسر الأفغانية مريرة بسبب صعوبة الحصول على لقمة العيش.كان والد زهرة يدفع بعربة يد، ينقل الخضار والسلع الأخرى من مكان إلى آخر، وكان يكسب من ذلك حوالي 2 دولار في اليوم، بينما كانت تحصل حصلت زوجته باريجول على نفس المبلغ، إذ كانت تغسل ملابس الآخرين.وعندما قلت فرص العمل، اعتمدا على وكالات المعونة المحلية والغربية للحصول على المساعدة.
تقول زوجته باريجول (26 سنة) “كان الأمر جيداً بالنسبة لنا، كان بإمكاننا إعالة أسرتنا”.
لكن في الربيع الماضي، بدأت حياتهم تتدهور. حيث أصيب الزوج بآلام في الظهر أجبرته على التوقف عن العمل.
وعندما اجتاحت طالبان أفغانستان، عبر إلى إيران ليجد وظيفة أقل صعوبة ويرسل الأموال إلى عائلته، لكن الشرطة الإيرانية قامت بترحيله.
عندما عاد إلى هرات، كانت طالبان قد سيطرت على البلاد، بينما فقدت زوجته باريجول دخلها هي الأخرى.
وقالت، إنه “غادر الكثير من الناس بسبب طالبان، وأولئك الذين لديهم أموال هربوا إلى إيران أو أي بلد آخر”.
وأدى استيلاء طالبان على السلطة إلى إحداث تأثير كبير وزيادة معاناة المواطنين.
وجاءت العقوبات، وتجميد احتياطيات وقروض البنك المركزي، وتعليق مساعدات التنمية التي كانت تشكل في السابق 70 % من الإنفاق الحكومي من حدة المشكلة.
وأعقب ذلك أزمة مصرفية ونقدية، مما أدى إلى إغلاق الشركات وتراجع الاستثمار وزيادة معدلات البطالة.
ومع انهيار الاقتصاد الأفغاني، يبحث المجتمع الدولي عن طرق مبتكرة لتجنب كارثة إنسانية، لكن الأسعار آخذة في الارتفاع، والملايين يكافحون لشراء الطعام ودفع الإيجار.
في غضون ذلك، أغلقت العيادات أبوابها لعدم دفع رواتب العاملين الصحيين، بينما تعاني البلاد من أسوأ موجات الجفاف منذ ربع قرن.ومع انهيار الاقتصاد، يحتاج 24.4 مليون أفغاني (ما يمثل نسبة 55 بالمائة من السكان) إلى مساعدات إنسانية، بزيادة قدرها 30 بالمائة عن العام الماضي، وفقًا للأمم المتحدة.
والخسائر التي يتكبدها الأطفال، على وجه الخصوص، مدمرة، حيث تقدر الأمم المتحدة أن 1.1 مليون طفل دون سن الخامسة يمكن أن يصابوا بسوء التغذية الحاد هذا العام دون علاج مناسب.
وقد يموت ما يصل إلى 131000 طفل من الجوع إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء، وفقًا لتقرير للأمم المتحدة.