يروّج بعض حلفاء الولايات المتحدة في واشنطن لسيناريو تلجأ فيه واشنطن ودول أخرى من حلف الناتو، الى استخدام قواتها البحرية لكسر الحصار الروسي على أوكرانيا. فإلى أي مدى قد تبدو هذه الفكرة مجدية وما هي المخاطر التي تنطوي عليها؟ الإجابة في قراءة للمحلل الأميركي دانيال لاريسون.
وحسب لاريسون، “يبرز الأدميرال الأميركي المتقاعد جيمس ستافريديس كأحدث المدافعين عن فكرة كسر الحصار المتهورة، وهو يحاول تسويقها كنسخة محدثة من دور الولايات المتحدة في حرب الناقلات خلال الحرب بين إيران والعراق. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن المقارنة ليست واعدة في ظل أوجه الإختلاف. ويعد أسطول البحر الأسود الروسي أكثر قدرة من البحرية الإيرانية، كما أن روسيا حذرت مراراً وتكراراً من التدخل الخارجي في الحرب، إضافة إلى أن حرب الناقلات لم تهدد بإمكان إشعال فتيل حرب بين الناتو وقوة عظمى مسلحة نووياً.
وبالتالي، قد يشكل وضع السفن الأميركية وسفن الحلفاء في طريق الأذى خطأً فادحاً، لأسباب ليس أقلها أن هذه الخطوة تنطوي على مخاطر تصعيد كبيرة إذا اشتبكت السفن المرافقة مع القوات الروسية. كما تمتلك روسيا حافزاً قوياً لإبقاء الحصار على حاله، ومن غير المرجح أن تسمح للبحرية الغربية بخرق هذا الحصار من دون مقاومة جدية. وبالتالي، قد يبرز أي اقتراح لكسر الحصار كدعوة ضمنية لارتكاب أعمال حرب ضد القوات الروسية مع كل العواقب الكارثية المحتملة التي تترافق معها. وستؤدي محاولة كسر الحصار إلى حرب مفتوحة مع روسيا، وهو أمر لا معنى له اليوم أكثر مما كان عليه الحال قبل ثلاثة أشهر عندما بدأ الغزو.
وتتضمن الحجة التي يروّج لها ستافريديس معظم العيوب المعتادة التي تفسد سياسات التدخل، فهي تنم عن استخفاف بالمخاطر ولا تأخذ إمكان التصعيد في الاعتبار. ويؤكد ستافريديس أن فرصة قيام الروس بإطلاق النار على سفن الناتو “منخفضة” ثم لا يتوانى عن الإعلان أنه في “حال ارتكب الروس فعلاً متهوراً، فسيُقابل باستخدام متناسب للقوة”. وهذا يترجم الفشل في التفكير في مدى سهولة تسبب الحوادث أو الأخطاء بإثارة الخلاف. ويبدو أن الأدميرال لا يحاول إعطاء إجابة عن السؤال الواضح حول كيفية رد روسيا على هذا “الاستخدام المتناسب للقوة”، ولا يشرح كيفية استمرار هذا الحصار على مدار الأشهر وربما السنوات حسب ما تتطلبه حاجة روسيا.
وكانت الحكومة الليتوانية واحدة من المدافعين الرئيسيين عن كسر الحصار مع السفن الغربية والسفن الأخرى، انطلاقاً من تشبيه التحالف المزمع تكوينه لهذه الغاية بالتحالفات المختلفة لمكافحة القرصنة التي تم توظيفها في أجزاء مختلفة من العالم. ومع ذلك، لا بد من توضيح الاختلافات الرئيسة بين ما تقترحه ليتوانيا وعدد قليل من الدول الأخرى وبين جهود مكافحة القرصنة في الماضي. ولا شك في وجود إجماع دولي واسع لصالح جهود مكافحة القرصنة، لكن من المشكوك فيه توافر دعم مماثل للمخاطرة بالتصعيد مع روسيا. عندما يبدأ مسؤول حكومي بالحديث عن رغبة المتحالفين في التدخل في مكان ما، فهذه علامة على أن التدخل المقترح خطير ويفتقر إلى الدعم الواسع.
ويعد عمل الشرطة ضد القرصنة مهمة أقل خطورة، نظراً الى وجود فرصة ضئيلة لأن تجد الدول المشاركة في جهود مكافحة القرصنة نفسها هدفاً للانتقام المباشر. كما أن الدول التي ترغب في إلزام قواتها بمثل هذه المهمة ليست كثيرة، ومن الناحية العملية، من الآمن افتراض أن عبء تنفيذ هذه الخطة سيقع بشدة على عاتق الولايات المتحدة في النهاية. وبيد أن الحكومة الليتوانية قد تصف العملية بأنها “مهمة إنسانية غير عسكرية”، إلا أنها تنطوي بالضرورة على استخدام السفن العسكرية والتهديد الضمني باستخدام القوة ضد البحرية التابعة لدولة أخرى. ولا يملك الرئيس الأميركي بمفرده السلطة لوضع السفن الأميركية في “مواقف تعد تورطاً وشيكاً في الأعمال العدائية في ظل الظروف التي تشير إليها بوضوح”، لذلك إذا أرادت إدارة جو بايدن القيام بذلك، فستحتاج إلى موافقة الكونغرس قبل كل شيء.
أخيراً، تتبلور الآثار المدمرة للحرب على تجارة الغذاء العالمية بصورة واضحة، وكلما طال أمد الحرب، ازداد الوضع سوءاً بالنسبة الى سكان البلدان التي تعتمد على الصادرات الأوكرانية والروسية. ولا يمكن أن يكمن الحل في اتباع سياسات تخاطر بتوسيع نطاق الحرب، ولكن في حثّ حكومتي البلدين على إيجاد حل وسط يرفع الحصار وينهي القتال. وصحيح أن أوكرانيا تتحمل أوزار هذه الحرب، لكن هناك أيضاً عشرات الملايين من الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي ويدفعون الثمن باهظاً أيضاً. لذلك، يجب أن تبحث الولايات المتحدة وحلفاؤها عن طرق لإنهاء الحرب عاجلاً وليس آجلاً من دون تدخل مباشر. أما عن اقتراح ستافريديس فسيضمن انخراطاً مباشراً في ما يمكن أن يصبح حرباً أطول وأكثر خطورة”.