العراق أبعد ما يكون عن الحلول

11 يونيو 2022
العراق أبعد ما يكون عن الحلول


بعد ثمانية أشهر من الانتخابات الوطنية، لا يزال العراق بلا حكومة ولا يبدو أن هناك طريقة واضحة للخروج من المأزق الخطير، حيث تنخرط النخب السياسية في منافسة شديدة على السلطة، رغم التحديات المتزايدة التي تواجه البلاد، بما في ذلك أزمة الغذاء الوشيكة الناتجة عن الجفاف الشديد والحرب في أوكرانيا.
ولا يبدو الوضع مرضيا بالنسبة إلى العراقيين حيث يرون أن حكومة تصريف الأعمال غير قادرة على سداد مدفوعات الكهرباء وتوقف الاستثمارات الخاصة بتحديث البنية التحتية للمياه مؤقتا.
وكانت الانتخابات قد أجرُيت قبل عدة أشهر مما كان متوقعا، على خلفية الاحتجاجات التي اندلعت في أواخر سنة 2019 وشهدت خروج عشرات الآلاف من المتظاهرين ضد الفساد المستشري وسوء الخدمات والبطالة.
وحقق التصويت انتصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وشكّل ضربة لخصومه الشيعة المدعومين من إيران، الذين خسروا حوالي ثلثي مقاعدهم ورفضوا الاعتراف بنزاهة النتائج.
وتعزز الخلافات الشخصية التي امتدت لعقود التنافس الشيعي، وتضع الصدر وحلفائه الأكراد والسنة ضد تحالف “الإطار التنسيقي” الذي تقوده الأحزاب الشيعية المدعومة من إيران من جهة، وحلفاؤهم من جهة أخرى. ونجد في الوسط المستقلين المنقسمين بدورهم وسط محاولات الفصائل المتنافسة لإغرائهم للميل نحوهم.
وقال سجاد جياد المحلل المقيم في العراق والزميل في مؤسسة القرن، إن “الأمر لا يتعلق بالسلطة بل بالبقاء”.
ويتزايد الغضب الشعبي مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتفاقم انقطاع الكهرباء.
وخلال الشهر الماضي، اضطر رئيس الوزراء المؤقت مصطفى الكاظمي إلى مغادرة جنازة شاعر شهير في بغداد بعد أن بدأ بعض المشيّعين يرددون شعارات مناهضة للحكومة.
وتعرض موكب الكاظمي للرشق بالحجارة وقال للصحافيين الثلاثاء إن العرقلة السياسية تؤثر على عمل الحكومة والدولة وتحطّ من معنويات المواطنين.
وحذّرت مبعوثة الأمم المتحدة إلى العراق جينين هينيس بلاسخارت القادة السياسيين العراقيين الشهر الماضي من غليان الشارع.
وقالت إن المصلحة الوطنية تتراجع لصالح الاعتبارات قصيرة النظر والرامية للسيطرة على الموارد ولعبة السلطة.
ولم يتمكن الصدر، الذي حصل حزبه على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات، من حشد عدد كاف من المشرعين في البرلمان لنيل أغلبية الثلثين اللازمة لانتخاب رئيس العراق المقبل، وهي خطوة ضرورية قبل تسمية رئيس الوزراء المقبل وتعيين مجلسه.
ويضم تحالف الصدر الثلاثي “التقدم” وهو حزب سني بقيادة محمد الحلبوسي الذي انتُخب رئيسا للبرلمان في يناير، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني. وتعتزم الكتلة تشكيل حكومة أغلبية ستكون الأولى منذ إدخال نظام تقاسم السلطة القائم على الإجماع في أعقاب الغزو الأميركي للعراق سنة 2003.
وستستبعد الحكومة المنافسين الشيعة المدعومين من إيران الإطار التنسيقي، الذي يضم ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
وعمل الصدر والمالكي، وهما خصمان سياسيان لدودان منذ فترة طويلة، على تنصيب الموالين لهما في جميع الوزارات لتعزيز مساعيهما السياسية.

ويخشى السياسيان أنه إذا كان أحدهما في السلطة، فإنه سيستخدم موارد الدولة (بما في ذلك القضاء ولجان مكافحة الفساد) لتطهير المؤسسات من منافسيه.
كما أن الصدر وقيس الخزعلي منخرطان في نزاع مميت، حيث تستهدف حملات الاغتيال أعضاء ميليشياتهما في جميع أنحاء معقل الشيعة في جنوب العراق.
إيران لم تتمكن هذه المرة من إصلاح الخلافات بين الخصوم الشيعة، وهو دور كان في يدي الجنرال الإيراني الكبير قاسم سليماني
ومن المفارقات أن المأزق الحالي نتج جزئيا عن ابتعاد الأحزاب عن الجماعات ذات التوجهات الطائفية. حيث كانت التحالفات الشيعية في الماضي تشكل جبهة موحّدة للتفاوض مع الكتل السنية والكردية. لكن التحالفات تجاوزت الخطوط الطائفية هذه المرة، مما أدى إلى تأجيج التوترات داخل كل طائفة.
ويخشى الكثيرون من تفجر الاحتجاجات العنيفة الناتجة عن غياب الاتفاق بين القاعدة الشعبية الكبيرة الداعمة للصدر والميليشيات المدعومة من إيران.
وتعهّد الصدر في خطاب ألقاه في السادس عشر من مايو بعدم إبرام صفقة مع منافسيه. كما ألمح إلى قدرات ميليشياته سرايا السلام التي فتحت الأبواب مؤخرا للمجندين الجدد في محافظتي بابل وديالى.
كما أن قرار المحكمة العليا العراقية الأخير بمنع الحكومة المؤقتة من صياغة القوانين وإقرارها أغضب الصدر. وأدى هذا إلى إلغاء قدرة استخدام الحكومة المؤقتة للأموال العامة لدفع ثمن المواد الغذائية وشراء الطاقة من إيران في غياب الميزانية. لكن الصدر حقق نصرا صغيرا، حيث انعقد مجلس النواب في وقت متأخر الأربعاء وأقر مشروع قانون الأمن الغذائي.
وتحدث قادة الميليشيات العراقية في جلساتهم الخاصة عن مخاوف من أن يؤدي الجمود إلى لجوء أنصار الصدر للاحتجاجات في الشوارع وتصادمهم مع الميليشيات الشيعية المسلحة المنافسة.
وشهد العراق في الماضي مشاحنات سياسية طويلة الأمد بين الجماعات المتنافسة حول اختيار رئيس بلاد ورئيس وزراء جديدين، على الرغم من أن الجمود الحالي في انتخاب رئيس هو الأطول حتى الآن.
ولم تتمكن إيران هذه المرة من إصلاح الخلافات بين الخصوم الشيعة، وهو دور كان في يدي الجنرال الإيراني الكبير قاسم سليماني، الذي قُتل في غارة أميركية بطائرة دون طيار في كانون الثاني 2020. ونظّم خليفته ثلاث رحلات على الأقل إلى العراق للوساطة بين الشيعة، لكنه فشل في تحقيق انفراج.
وقطعت طهران في الآونة الأخيرة 5 ملايين متر مكعب من صادرات الغاز إلى بغداد بحجة عدم السداد. وقال وزير الكهرباء العراقي عادل كريم لوكالة الأسوشيتيد برس الشهر الماضي إنه لا يعلم كيف سيدفع العراق المتأخرات البالغة 1.7 مليار دولار قبل أشهر الصيف الحارقة.
وأثناء ذلك، يبدو أن المستقلين (الأحزاب المنبثقة عن حركة الاحتجاج لسنة 2019 والتي كوّنت حركة إمتداد وفازت بتسعة مقاعد في المجلس التشريعي المكون من 329 مقعدا) قد ضلت طريقها. حيث أقسموا في الماضي على أن يصبحوا قوة معارضة هائلة لتمثيل مطالب المحتجين في البرلمان. وقررت الأمانة العامة لحركة امتداد إعفاء عضو مجلس النواب العراقي علاء الركابي من منصب الأمين العام للحركة التي انشق منها خمسة نواب بسبب تصويته لصالح انتخاب الحلبوسي رئيسا للبرلمان، حيث يرى المتظاهرون أن الحلبوسي متواطئ في قتل النشطاء خلال الاحتجاجات.
وقال الناطق الرسمي لحركة إمتداد رسول السراي إن الكتلتين الشيعيتين تريدان استخدام المستقلين “لتغطية فشلهما في تشكيل الحكومة”.
وقال بعض المستقلين إنهم واجهوا تهديدات. وقال أحدهم إنه عُرضت عليه عشرات الآلاف من الدولارات كرشاوى للانضمام إلى الجماعة المناهضة للصدر. وتحدث المستقلون دون الكشف عن هوياتهم خوفا على سلامتهم.
وطرح البعض مع تضاؤل ​​احتمالات تشكيل حكومة توافقية خيار إجراء انتخابات جديدة، لكن سجاد جياد لا يوافق وقال إنها تبدأ من الصفر وتشكل مخاطرة على الجميع.