تبنّى الكونغرس الأميركي الجمعة وسط التصفيق قانونا حُظي بدعم أعضاء من الحزبَين الجمهوري والديمقراطي ويهدف إلى تنظيم حيازة الأسلحة ويُعتبر الأهمّ منذ نحو 30 عاما، لكنّه يبقى أقلّ بكثير ممّا كان يأمل فيه الرئيس جو بايدن وعامة الأميركيين في بلد يُعاني جرّاء عمليّات إطلاق النار.
وبعد تبنّيه في مجلس الشيوخ الخميس، وافق مجلس النوّاب على القانون الذي يشمل إجراءات تفرض قيودا جديدة على الأسلحة وتُخصّص مبالغ تقدر بمليارات الدولارات لتمويل قطاع الصحّة العقليّة والسلامة المدرسيّة.
وأتى هذا النصّ ثمرة مبادرة انطلقت عقب مجزرة راح ضحيّتها 21 شخصا -من بينهم 19 طفلا- قُتلوا برصاص شابّ اقتحم مدرستهم في يوفالدي بولاية تكساس، فضلا عن مجزرة بافالو في ولاية نيويورك حيث قتل 10 أشخاص سود داخل سوبر ماركت في منتصف مايو.
واحتشد عشرات الآلاف من المتظاهرين في جميع أنحاء الولايات المتحدة، للمطالبة بقوانين أكثر صرامة بشأن حمل وحيازة السلاح في أعقاب عمليتي إطلاق نار.
وحمل المشاركون في المئات من المسيرات شعارات مثل “أريد الحرية في عدم التعرض للرصاص”.
وأيّد الرئيس الأميركي جو بايدن الاحتجاجات، ودعا الكونغرس إلى “تمرير تشريع منطقي وأمن لحمل السلاح”.
وكتب على موقع تويتر “يسير الشباب في جميع أنحاء البلاد مرة أخرى مع المسيرة من أجل حياتنا لدعوة الكونغرس إلى تمرير تشريع منطقي لسلامة السلاح، بدعم من غالبية الأميركيين وأصحاب الأسلحة”.
وعلى الرغم من ذلك من المرجح أن تصطدم أي فرص لتغيير القوانين برفض الجمهوريين.
وقتل 19 طفلا وشخصان بالغان خلال إطلاق نار في الرابع والعشرين من مايو في مدرسة روب الابتدائية في أوفالدي بتكساس.
وأدى هذا الهجوم، وقبله بأيام هجوم في بوفالو بنيويورك قتل فيه 10 أشخاص، إلى تجدد الدعوات المنادية باتخاذ إجراءات بشأن السيطرة على الأسلحة في الولايات المتحدة.
ويوفّر القانون على وجه الخصوص دعما لقوانين في كل ولاية على حدة تُتيح للسلطات أن تنزع السلاح من كلّ شخص تعتبره خطِرا.
كذلك يفرض النصّ التحقّق من السجلّين الجنائي والنفسي لكلّ شاب يتراوح عمره بين 18 و21 عاما ويرغب في شراء سلاح ناري، وكذلك تمويل برامج مخصصة للصحة العقلية.
وبعد سلسلة من عمليات إطلاق النار الدامية، يعتبر هذا النص الأول من نوعه منذ عقود.
ويُعَدّ اتفاق النواب الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس نادرا، خصوصا بشأن هذا الموضوع المثير للانقسام. ومن بين النواب الجمهوريين في الكونغرس لم يعمل 14 نائبا بموجب تعليمات زعيمهم كيفن مكارثي التي تقضي بالتصويت لصالح مشروع القانون.
وجاء التصويت غداة إلغاء المحكمة العليا -ومعظم قضاتها من المحافظين- “قيودا” مفروضة على حمل الأسلحة أقرّت منذ عام 1913 بموجب قانون ولاية نيويورك.
وينصّ قانون نيويورك على إثبات وجود حاجة مشروعة أو “سبب مناسب” للحصول على تصريح لحمل مسدّس في الأماكن العامة.
وبالتالي أكد القرار الجديد بوضوح وللمرة الأولى أن للأميركيين الحق في حمل السلاح خارج منازلهم.
والخميس، وردا على تمرير قانون تنظيم حيازة الأسلحة، أشاد زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر بالمجلس “لقيامه بشيء كان الكثيرون يعتقدون قبل أسابيع أنه مستحيل: لقد تبنينا أول قانون لأمن السلاح في 30 عاما”.
وكان نظيره الجمهوري ميتش ماكونيل قدّر أن هذا القانون سيجعل الولايات المتحدة أكثر أمانا “دون جعل بلدنا أقل حرية”.
وبمجرد الكشف عن النص أعربت “ناشونال رايفل أسوسييشن” الأميركية (وهي جمعية نافذة للدفاع عن الحق في حمل السلاح) عن معارضتها له معتبرة أنه يمكن استخدامه “لتقييد شراء الأسلحة المشروعة”.
وقالت في بيان إن مشروع القانون “يعطي صلاحية أكبر للمسؤولين ويشمل أيضا أحكاما غير محددة وعامة جدا، ما يساهم في التدخل في حرياتنا الدستورية”.
وتكثر حوادث إطلاق النار في الولايات المتحدة التي يكفل دستورها الحق في حيازة أسلحة نارية، إلا أن محاولات تنظيم حيازتها والدعوات المطالبة بفرض رقابة أكثر صرامة على مبيعاتها لا تجد تجاوبا في الكونغرس، وذلك نتيجة الضغط الذي يمارسه لوبي الأسلحة.
وقتل 26 شخصا -من بينهم 20 طفلا- في الرابع عشر من ديسمبر 2012 داخل مدرسة ساندي هوك الأميركية في نيوتاون التابعة لولاية كونيتيكت (شمال شرق الولايات المتحدة) بنيران شاب مختل عقليا.
وأعربت جمعيات لمكافحة أعمال العنف الناتجة عن الأسلحة الشخصية في الولايات المتحدة عن غضبها من طرح بندقية جي أر – 15 المصممة خصيصا للأطفال في الأسواق أخيرا، إذ أنها مستوحاة من سلاح هجومي استخدم في أكثر من عملية إطلاق نار أسفرت عن قتلى.
واستخدمت هذه البندقية في إطلاق نار في لاس فيغاس عام 2017 وكان عدد ضحاياه الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة الحديث إذ بلغ 58 قتيلاً، وكذلك في مدرسة باركلاند الثانوية في فلوريدا (17 قتيلا) عام 2018.
ويبلغ طول هذه البندقية 80 سنتيمترا ويقل وزنها عن كيلوغرام واحد، وهي مزودة بمخازن للذخيرة تتسع لخمس طلقات أو عشر من عيار 22 طويل. وطرحت في الأسواق في منتصف يناير الماضي بسعر 389 دولارا.
أما النموذج جي أر – 15 المخصص للبالغين فهو نسخة مدنية من سلاح من الطراز العسكري تم استخدامه في سلسلة من جرائم القتل، من بينها تلك التي حصلت في مدارس وخلفت صدمات كبيرة.
ومن بين السياسات الأخرى دعت حركة “المسيرة من أجل حياتنا” في الولايات المتحدة إلى حظر الأسلحة الهجومية والتحقق من خلفيات أولئك الذين يحاولون شراء الأسلحة وتطبيق نظام ترخيص وطني يسجل أصحاب الأسلحة وحامليها.