أثبتت الأحداث على الأرض الأوكرانية صعوبة تحديد مسار الحرب الروسية، في الوقت الذي تستمر فيه الولايات المتحدة والغرب بمضاعفة المساعدات الأمنية على أمل قلب التيار لصالحها وإجبار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وقف هجومه. ويمكن ربط إصرار بوتين على الإستمرار بالحرب بخمسة أسباب، وفقاً لقراءة في موقع “فوكس نيوز”.
ففي البداية، “يعتقد بوتين أنه فرض نقطة تحول في ساحة المعركة وخارجها بعد الاستيلاء على حوالي 20٪ من أراضي أوكرانيا، حيث احتلت قواته الروسية مدينة سيفيرودونتسك الاستراتيجية بالكامل في نهاية حزيران، وسيطرت على ليسيتشانسك في منطقة دونباس الأحد، كما فرضت سيطرة كاملة على قلب أوكرانيا الصناعي، حيث مصانع لإنتاج الحديد والصلب، واحتياطيات عالية الجودة من الفحم والمعادن.
وبعد الانتهاء تقريباً من الممر البري بين شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو في العام 2014، يحاصر بوتين أوكرانيا من جهة الموانئ البحرية ويخنق اقتصادها من خلال منع صادرات الحبوب بالسفن. ومع بقاء ثلاثة أشهر أخرى قبل تدهور ظروف ساحة المعركة بسبب الطقس، يشعر بوتين بالقدرة على تحقيق المزيد من المكاسب الاستراتيجية بالتزامن مع الاستمرار في تدهور البنية التحتية لأوكرانيا وقدرتها الدفاعية. وتماشياً مع عقيدة بوتين في “هيمنة التصعيد”، تكثف روسيا قصفها الصاروخي بينما تعمل واشنطن على تحسين نطاق وحجم الأسلحة التي تعهدت بها إلى كييف.
ثانياً، يعتقد بوتين أن العقوبات الاقتصادية انعكست سلباً على الغرب، الذي يواجه ارتفاعاً هائلاً في أسعار النفط والغاز، فضلاً عن نقص الغذاء. فالعقوبات لم تدمر الاقتصاد الروسي بل عززته، وعائدات النفط الروسية في ازدهار وبلغ الروبل أقوى مستوياته منذ سبع سنوات، مما مكّن بوتين من مواصلة تمويل آلة الحرب الخاصة به. ويواجه الاقتصاد الألماني انهياراً محتملاً، وربما يجر بقية أوروبا معه، مما يؤدي إلى تقنين استخدام الغاز الطبيعي وفي غضون ذلك، يدخل الاقتصاد الأميركي في حالة ركود تقريباً.
ثالثاً، يشعر بوتين أن الغرب بدأ يتعب من الحرب، على الرغم من إظهار الولايات المتحدة والقادة الأوروبيين دعمهم العلني لكييف. ويقال إن مسؤولي إدارة بايدن يفقدون الثقة بقدرة أوكرانيا على كسب الحرب ويناقشون بشكل خاص إمكان تنازل الرئيس الأوكراني عن الأرض لبوتين.
رابعاً، سيتمكن بوتين في غضون ثلاثة أشهر من إلحاق المزيد من الألم بالأوروبيين من خلال “هجمات الطاقة” التي يشنها مع اكتساب قدرة أكبر على صرف انتباه الغرب عن حربه الأوكرانية. وهو يعتقد أنه مع انخفاض درجات الحرارة وحلول الصقيع في أوروبا الغربية، سيتجمد الدعم لمواجهة روسيا أيضاً. ويستخدم بوتين قطع الغاز لإكراه القادة الأوروبيين على التخلي عن دعمهم لأوكرانيا.
وفي الوقت نفسه، ستنشغل الولايات المتحدة قريباً بالانتخابات النصفية، مما يجعل أوكرانيا أقل أولوية على الأرجح بالنسبة الى واشنطن. وتراقب أجهزة استخبارات بوتين عن كثب الشؤون الداخلية للولايات المتحدة كما تركز على القضايا المثيرة للجدل، مثل قرار المحكمة العليا الأخير بشأن الإجهاض ومراقبة الأسلحة والاحتجاجات التي تجتاح البلاد. كما يخطط بوتين لاستهداف الولايات المتحدة بهجمات إلكترونية، وفقاً لوكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية الأميركية، رداً على العقوبات لإحداث الفوضى، وهكذا تبعد واشنطن أنظارها عن أوكرانيا.
خامساً وأخيراً، تمثل نتيجة الصراع في أوكرانيا قضية وجودية بالنسبة الى روسيا. وأعلن بوتين أن أوكرانيا “خط أحمر” لتوسيع الناتو ولا يخفى على أحد أنه يعتبر البلاد جزءاً من محيط روسيا الأمني الاستراتيجي. ومع قبول الناتو لدول البلطيق، تقلصت المسافة بين قوات الناتو وروسيا، مما يجعل خطر وجود تحالف عسكري معاد قريب جداً من حدود روسيا أمراً غير مقبول، من وجهة نظر روسيا. ولطالما شككت موسكو في سياسة الولايات المتحدة لتعزيز الديموقراطية وتمكين حلف شمال الأطلسي، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
ويعتقد بوتين أن سياسة الولايات المتحدة لإضفاء الطابع الديموقراطي على ما تعتبره روسيا مجال نفوذها باقية، بغض النظر عمن يصل إلى البيت الأبيض. ويصف تقرير إستراتيجي رفعت عنه السرية سياسة الولايات المتحدة طويلة المدى على أنها تسعى الى منع “قوة معادية واحدة” مثل روسيا، “من السيطرة على الكتلة الأرضية الأوراسية”. ويبرر بوتين هجومه على أوكرانيا بمثل هذه التقارير بغض النظر عن تحول الصراع إلى معركة استنزاف طاحنة طويلة الأمد”.