أثار إطلاق النار على رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي صدمة داخل البلاد وخارجها، بالنظر لكون هذه الهجمات الدامية على شخصيات بارزة أمرا نادر الحدوث، مع فرض السلطات قيودا شديدة الصرامة على تسليح العامة.
وأعلنت اليابان في وقت سابق وفاة شينزو آبي البالغ من العمر 67 سنة، متأثرا بإصابته برصاصتين أطلقهما عليه رجل خلال تجمع انتخابي بمدينة نارا غربي اليابان، حيث كان آبي يدلي فيه بخطاب أمام أنصاره.
ورصدت مقاطع فيديو آبي وهو يلقي كلمة قرب محطة القطارات في نارا، حيث سمع دوي طلقتين ناريتين.
ونقلت إذاعة “إن إتش كي” اليابانية عن الشرطة قولها إن المشتبه به في إطلاق النار على آبي هو رجل في الأربعينيات من عمره، استخدم مسدسا يدويا صنع في المنزل.
قوانين صارمة
وتعد اليابان واحدة من أدنى معدلات جرائم الأسلحة النارية في العالم بسبب قوانينها الصارمة بشأن حيازة السلاح، وبموجب قوانين الأسلحة النارية اليابانية، فإن الأسلحة الوحيدة المسموح ببيعها هي البنادق الرشاشية والبنادق الهوائية، ويحظر بشكل نهائي بيع المسدسات.
لكن عملية الحصول على هذه الأنواع المحدودة من الأسلحة تتطلب المضي في إجراءات شديدة التعقيد، إذ يتطلب الأمر بداية حضور درس عن قوانين حمل وسلامة السلاح، ومن ثم اجتياز اختبار تحريري واختبار مدى الرماية بدقة لا تقل عن 95 بالمئة.
ووفقا لمصادر يابانية، فإن المتقدم للحصول على سلاح يجب أن يخضع لتقييم الصحة العقلية واختبارات المخدرات، بالإضافة إلى فحص صارم لسجله الجنائي، بما في ذلك مراجعة الديون الشخصية، والمشاركة في الجريمة المنظمة والعلاقات مع العائلة والأصدقاء.
وبعد الحصول على سلاح، يجب على المالك تسجيل سلاحه لدى الشرطة وتقديم تفاصيل عن مكان تخزين مسدسه وذخيرته، في أماكن منفصلة ومغلقة، فضلا قيام ضابط شرطة بزيارة منزلية لمعرفة أين وكيف يحتفظ بسلاحه.
كما يجب أن يتم فحص البندقية من قبل الشرطة مرة في السنة، ويجب على مالكي السلاح إجراء اختبار كل 3 سنوات لتجديد ترخيصهم.
وجراء تلك القيود، ظل عدد مالكي الأسلحة الخاصة في اليابان منخفضا للغاية.
تجربة فريدة
وقال الباحث المتخصص في السياسات الدفاعية، محمد حسن، في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية، إنه عند الحديث عن اليابان ونظرتها لامتلاك الأسلحة على مستوى الأفراد وصولا لمستوى الدولة ومؤسستها العسكرية، فنحن أمام تجربة فريدة في منطقتها.
وأشار حسن إلى الحرب العالمية الثانية، وهزيمة اليابان فيها، كانت حدثا مفصليا للتغير الجذري في قوانين امتلاك الأسلحة في اليابان حتى اليوم، وغير من فلسفتها لامتلاك الأسلحة الهجومية على مستوى الدولة، إذ كانت اليابان من أقوى الدول امتلاكا للمنظومات التسليحية الهجومية في ذلك الوقت من مقاتلات “ميتسوبيشي زيرو”، والبارجات البحرية والغواصات، لدرجة أن اليابان كانت أول دولة في العالم غير أوروبية تمتلك سلاح حاملات الطائرات.
وأوضح أن هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، أفرزت مجتمعا ونظاما حكوميا يرفض امتلاك الأسلحة الهجومية بشكل خاص.
ومثالا على ذلك، تنص المادة التاسعة من دستور اليابان التي تمت إضافتها في العام 1947 على رفض الحرب، وجاء في صياغتها، “الشعب الياباني يتنازل عن الحرب للأبد كحق سيادي للأمة”، وبناء على هذه المادة تم تغيير عقيدة الجيش الياباني الذي كان يعد من أقوي جيوش العالم، إلى قوات مسلحة تسمى بقوات الدفاع الذاتي، وتقع مهامها الأساسية معالجة الكوارث البيئية والإنسانية.
ولفت الباحث المتخصص في السياسات الدفاعية، إلى مفارقة أن أول من كسر قيود تسليح اليابان وتحييد قدراتها الهجومية كان رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي، الذي بدأ هذا الاتجاه في العام 2017، لكن جهوده في هذا الصدد كانت تختص فقط بتدعيم قدرات الدفاع والهجوم للجيش الياباني، مع العلم أن اليابان تمتلك أحد أقوى أسلحة الجو في المنطقة، ولديها قاعدة تصنيعية بحرية كبيرة، وقدرات تقنية تضاهي قدرات الولايات المتحدة.
وأكد أنه على صعيد امتلاك الأفراد للسلاح في اليابان، فهناك قيود شديدة، لدرجة أن مدرب الفريق الوطني للرماية لا يستطيع لمس السلاح، كما يجب أن يجتاز الشخص 12 خطوة وإجراء قبل حيازته للسلاح في اليابان، منها الفحص الطبي والنفسي والعقلي وحتى حضور فصل دراسي كامل عن سلامة امتلاك السلاح.
وأشار حسن إلى أنه نتيجة لتلك القيود الشديدة فإن عدد قطع السلاح المرخصة لأفراد في اليابان هو أقل من عدد قطع السلاح في ولاية ألاباما الأميركية.