أمرت روسيا كافة قواتها الموجودة على الأراضي الأوكرانية بتصعيد وتيرة عملياتها لمنع هجمات أوكرانية “وشيكة” على الجنوب وبقية المناطق التي تسيطر عليها القوات الروسية، فيما قال مسؤول عسكري أوكراني إن روسيا تستعد للمرحلة التالية من هجومها.
وعلى مدى 5 أشهر، مرت الحرب الروسية الأوكرانية بمرحلتين، تمثلت الأولى في محاولة موسكو السيطرة على العاصمة كييف وبعض مدن الشمال غير أنها لم تفلح في ذلك، ومن ثم كانت المرحلة الثانية التي ركزت خلالها جهودها على الشرق وحققت فيها نجاحات كبيرة.
ومع الاستيلاء على مدينة ليسيتشانسك، آخر معاقل كييف في منطقة لوغانسك، طلب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، من قواته أخذ قسط من الراحة وتعزيز قدراتها القتالية، في إشارة اعتبرها محللون هدنة استعدادا لمرحلة ثالثة نحو منطقة دونيتسك ومن ثم الاتجاه لتعزيز السيطرة على مناطق الجنوب، بينما تننهمر صواريخ وقذائف روسية بين الحين والآخر على عدد من المدن.
ووفق شبكة “سي إن إن” الأميركية، فإن الحرب وصلت لمفترق طريق آخر وتجهز القوات من كلا الجانبين نفسها لقتال ثالث قد يقلب ميزان الصراع، ونقلت عن الباحث الأقدم بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة البريطاني، جاستن برونك، قوله “إن ما يحدث حاليا بعد ثلاثة أشهر من القتال في دونباس هو صراع استنزاف”، لافتا إلى أنه “صراع بين جيشين، كلاهما تكبد خسائر فادحة ويقتربان من الإنهاك”.
وأوضح أنه من المتوقع أن تكون الخطوة التالية لبوتن التوغل في دونيتسك، والتي إذا تمت السيطرة عليها ستحقق هدف الكرملين الرئيسي وهو اجتياح منطقة دونباس في شرق أوكرانيا بأكملها، والتي تأوي الانفصاليين المدعومين من روسيا منذ 2014.
وتعقيبا على ذلك، قال المحلل المتخصص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، ليون رادسيوسيني، إنه بانسحاب الجيش الأوكراني من مدينة ليسيتشانسك تحقق الجزء الأول من الهدف الروسي بالسيطرة على منطقة لوغانسك وتوسيع مساحة الأراضي بيد الانفصاليين ومن ثم حدثت ما يشبه بهدنة استعدادادا لما هو قادم.
وأضاف رادسيوسيني، في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، أن روسيا تجهز قواتها وعتادها لبدء مرحلة ثالثة من الحرب بالاتجاه نحو دونيتسك التي ستكون المعركة فيها أكثر ضراوة، فغالبيتها تحت سيطرة كييف وكذلك هناك دعم غربي واسع وأسلحة ثقيلة وصلت البلاد.
وتابع: “في المقابل أيضا تمنح الهدنة الجيش الأوكراني أيضا وقتا للاستعداد للدفاع عن أجزاء من دونيتسك التي ما يزال يسيطر عليها عبر أسلحة غربية متطورة، لاسيما الحزام الصناعي الذي يمتد من مدينة سلوفيانسك، وما يزال تهديد الهجمات المضادة من أماكن أخرى في أوكرانيا، بما في ذلك مدينة خيرسون الرئيسية قائما”.
وأوضح أن “الشهور الثلاثة للحرب الطاحنة في دونباس لم تكن مشابهة لبداية الحرب الروسية، والتي شهدت عمليات توغل مشتتة من الشمال والشرق والغرب وانتهت بفشل حاسم في اجتياح كييف ومدن أوكرانية رئيسية أخرى، وبدلًا من ذلك، ضيقت جهود الكرملين حدود الحرب، لتركز على مسار رئيسي عبر لوغانسك وباتجاه دونيتسك التي تم توجيه الجزء الأكبر من موارد روسيا إليها”.
وأشار إلى أنه بينما تستعد روسيا لاستكمال خطتها في الشرق تعزز كييف قواتها ومعداتها والدعم الغربي لمحاولة اختراق في خيرسون وغيرها من المدن التي سيطرت عليها موسكو.
بدوره، قال مدير برنامج أوروبا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ماكس بيرجمان: “شهدت المرحلة الثانية من الحرب عودة روسيا إلى الأساسيات، وأسفر ذلك عن إحراز تقدم بطيء لكن ثابت لروسيا، التي فازت بعدة معارك استمرت أسابيع على مدن استراتيجية وكشفت حدود الترسانة الأوكرانية”.
وأضاف بيرجمان: “استخدموا قوتهم وأصولهم المدفعية، وكانوا يوجهون ضربات للقوات الأوكرانية بينما يتحركون ببطء، وبدأت تظهر أفضليتهم في السلاح والقوة النارية، يمكن أن تتركز كل الحرب الروسية، ودفاعها الجوي، وتشكيلاتها العسكرية، على مناطق صغيرة للغاية، مما يسمح لهم بتحقيق تفوق محلي على المواقع الدفاعية الأوكرانية”.
لكن بعد ثلاثة أشهر من الحرب تكبد كلا الجيشين خسائر فادحة، وتقرب السيطرة على لوغانسك الجيشين المستنزفين من نقطة انعطاف، ومن المتوقع أن تكون الخطوة التالية لروسيا مواصلة المسار الذي اتبعته عبر لوغانسك، لتنتقل إلى الأجزاء التي تسيطر عليها أوكرانيا في دونباس ومحاولة التغلب على القوات الأوكرانية ومحاصرتها في تلك المنطقة أيضًا.
وتابع، “سيؤدي فعل ذلك إلى تسليم منطقة دونباس ذات الأهمية الرمزية إلى موسكو واستكمال الهدف الأساسي الذي أوضحه بوتن عند شن الحرب في فبراير، عندما قال إن تلك المناطق روسية الثقافة والروح، وأن متحدثي الروسية يتعرضون للاضطهاد هناك، لكن إذا تم تكرار الخط الزمني والأساليب المستخدمة في لوغانسك بالمنطقة المجاورة، سيكون قتالا مريرا ودمويا”.