في مواجهة تراجع احتياطيها من العملات الصعبة، وجدت مصر حلاً يتمثل بخفض إضاءة الساحات العامة في البلاد في إطار إجراءات لترشيد الطاقة محلياً وتصديرها، بينما يصر خبراء اقتصاد على أنه لا مفر من قرض من صندوق النقد الدولي لتجاوز الأزمة.
تشهد مصر حالياً مرحلة حرجة في ما يتعلق بالسياسات المالية، إذ أنها تحاول من جهة ضبط ارتفاع الأسعار بعد أن وصل معدل التضخم السنوي إلى نحو 15%، وتسعى من جهة أخرى إلى توفير النقد الأجنبي للخروج من نفق تبعات الحرب الروسية الأوكرانية.
في الوقت نفسه، تتفاوض مصر حاليا مع صندوق النقد الدولي من أجل قرض جديد لدعم البلد الذي تصل فيه نسبة الفقر إلى نحو 30% من مجمل السكان الذي يتجاوز عددهم الـ103 ملايين نسمة.
ووافقت الحكومة، بحسب بيان رسمي مؤخرا على مشروع قرار لترشيد استهلاك الكهرباء بما في ذلك “تخفيض إنارة الشوارع والميادين العمومية”، من أجل توفير كميات من الغاز الطبيعي “لتصديرها”.
ويرى المحاضر في الجامعة الأميركية في القاهرة والاقتصادي المصري هاني جنينة أن الحكومة المصرية تحتاج خلال الشهر المقبل ونصف الشهر إلى القيام بـ”إجراءات إصلاحية قاسية نتجرع منها جرعة سريعة في الأمد القصير حتى نتمكن من توفير الدولار”، على رأسها تحرير سعر الصرف بشكل كامل.
وقال جنينة إن “المشكلة تكمن في السياسة النقدية نفسها، مضيفا أنه “من الأسباب الكلاسيكية لتعرض بعض الدول الناشئة لأزمات اقتصادية تثبيت سعر الصرف بشكل وهمي”.
وأوضح أن “ذلك يشجع المقترض الحكومي على الاقتراض من الخارج ما يعرض البلد إلى مأزق حال طلب السداد”.
وتابع جنينة “منذ الأسبوع الماضي وهناك نقص حاد في توفير الدولار للمستوردين من قبل البنوك في مختلف القطاعات”، معتبرا أن الحل يكمن في “تسريع وتيرة التفاوض مع صندوق النقد”.
وحصلت مصر سابقاً على قرض قيمته 12 مليار دولار من الصندوق بموجب اتفاق تم توقيعه نهاية 2016، وقرضين آخرين في 2020 بقيمة 5.4 مليارات دولار لتطبيق برنامج اقتصادي و2,8 مليار دولار لمواجهة وباء “كوفيد-19”.
وكتبت شركة “كابيتال إيكونوميكس” للأبحاث في لندن في تقرير أن “طول أمد المحادثات مع صندوق النقد يدل على أن بعض المسؤولين يترددون في متابعة مطالبه ويفضلون الاعتماد على الدعم المقدم من اقتصادات الخليج”.
ويرى جنينة أن “خلاف وجهات النظر داخل الحكومة مبني على سرعة تنفيذ الإجراءات، ولكن هناك اتفاق على المستهدفات”، مشيرا إلى أن صندوق النقد قد يطلب تطبيقا عاجلا في بعض الملفات مثل الدعم وسعر الصرف، بينما تفضل الحكومة القيام بذلك تدريجيا.
بينما يرى الاقتصادي في “كابيتال إيكونوميكس” جيمس سوانستون أن قيمة “العملة المصرية بحاجة إلى أن تخفض مرة أخرى ليبلغ سعر الدولار 25 جنيها بنهاية 2024 لتجنب التعرض لاختلالات خارجية” أي نقص النقد الأجنبي.
وأضاف سوانستون أن “ذلك يتطلب من صانعي السياسة التمسك بهذا التغيير”.
ويتوقع سوانستون أن يمهل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي مصر “فترة راحة من بعض الضغوط الخارجية وسيسمح خصوصا بطمأنة المستثمرين، ويفترض أن يساهم في جذب الاستثمار مرة أخرى”.
وتفيد بيانات البنك المركزي بأن مصر شهدت خروج 14.6 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في الأشهر الثلاثة الأولى من العام “ما يعكس قلق المستثمرين على أثر اندلاع الصراع الروسي الأوكراني”.
مع ذلك، أعلنت وزارة التخطيط المصرية الأسبوع الماضي تحقيق معدل نمو اقتصادي للعام المالي 2021/2022 نسبته 6.6% “مدفوعاً بطفرة نمو محققة في التسعة أشهر الأولى”، قبل أن يبدأ ظهور انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية. وكان نسبة النمو بلغت في العام المالي الذي سبقه 3.3%.
تصدير الغاز
وأعلنت مصر في 2018 تحقيق الاكتفاء “الذاتي من الغاز الطبيعي خصوصا بعد دخول حقل ظهر العملاق على خريطة الانتاج، ليصل معدل الإنتاج إلى قرابة 7 مليارات قدم مكعب يومياً”.
لذلك يبدو هذا القطاع واعداً في إطار الجهود لتجاوز الأزمة.
وأوضحت الحكومة في بيانها حول ترشيد استهلاك الكهرباء أن “الهدف هو تحقيق فائض إضافي متوسطه نحو 15% من حجم الغاز الطبيعي الذي يضخ لمحطات الكهرباء، على مدار العام بغرض تصديره والاستفادة من العملة الصعبة”.
وشددت على “تخفيض إنارة الشوارع والميادين العمومية وعلى رأسها ميدان التحرير والذي بلغت كلفة إضاءته أثناء تطويره حوالي 60 مليون جنيه”.
وتفيد بيانات البنك المركزي المصري بأن قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي ارتفعت إلى 5.6 مليارات دولار.
ومقابل التدابير الحكومية للإصلاح، قد يدفع ضريبة ذلك محدودو الدخل في البلاد، لذلك وجّه الرئيس السيسي في 26 يوليو بتطبيق حزمة إجراءات للدعم الاجتماعي بينها “مساعدات استثنائية لـ9 ملايين أسرة لمدة 6 أشهر قادمة، بتكلفة إجمالية حوالى مليار جنيه شهرياً (52 مليون دولار).