عمت وسائل التواصل الاجتماعي ضجة حول الملكة إليزابيث الثانية بعد ساعات قليلة على اعلان وفاتها، الخميس 8 ايلول 2022، ومحور الكلام الذي انشغل فيه مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي هو “انها كانت من نسل النبي محمد”. في الواقع، الموضوع قديم، بحيث يعود الى عام 1986، وأثير مجدداً عامي 2015 و2018، ونُشِرت تقارير اعلامية عام 2018 عن “الاعتقاد أن الملكة إليزابيث الثانية هي من نسل النبي محمد بعد تتبع شجرة عائلتها إلى 43 جيلاً”. غير أنّ هذا الاعتقاد قوبل بتشكيك، وتكلّم مؤرّخون وبحاثة على عدم جديته أو صحته، وصولاً الى نسفه كلياً.
في وقت كان قادة دول العالم يرثون الملكة اليزابيث الثانية بعد اعلان وفاتها الخميس، وغرقت المملكة المتحدة في حزن لرحيلها ونكّس العلم البريطاني فوق قصر باكنغهام في لندن، كان حديث آخر يشغل مستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي باللغة العربية، محوره “نسل الملكة الراحلة”، وأنها كانت “حفيدة النبي محمد”، أو “أنها تنحدر من سلالته وفقا لبعض المؤرخين”.
ولكن ما حقيقة الموضوع؟
في الواقع، الكلام المثار على نسل الملكة اليزابيث من النبي محمد ليس حديثاً، بحيث يرجع الى 36 عاماً على الأقل.
عام 1986، ادعى عالم الأنساب هارولد ب. بروكس بيكر Harold B. Brooks-Baker، ناشر Burke’s Peerage، وهو دليل بريطانيا حول النبلاء، وجود ارتباط محتمل بين الملكة اليزابيث الثانية ونسب النبي محمد. وكتب بروكس بيكر إلى رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر في ذلك الوقت، “لا يعرف الكثير من البريطانيين أن دماء النبي محمد تسيل في عروق الملكة”.
وربط بروكس بيكر الملكة إليزابيث بالنبي محمد عن طريق زائدة الاندلسية، وهي أميرة مسلمة من القرن الحادي عشر كانت الزوجة الرابعة للفتح (الملقب بالمأمون) بن المعتمد بن عبّاد ملك إشبيلية، “والتي هربت الى قشتالة بعد هجوم المرابطين على إشبيلية. وهناك اعتنقت المسيحية وأصبحت خليلة ملك قشتالة ألفونسو السادس ثم زوجته، وأنجبت منه ابناً، سانشو، الذي تزوج سليله لاحقاً من إيرل كامبريدج في القرن الحادي عشر”، وفقا لروايات عنها.
عام 2015، أثارت تصريحات المفتي السابق لمصر علي جمعة موجة من الانتقادات، بعدما قال إن هناك مراجع تاريخية تشير إلى أن العائلة المالكة في بريطانيا ربما تعود أصولها إلى آل بيت النبي محمد.
وصرّح بأنه تم إلقاء القبض على أحد الأشخاص المنتمين لبيت آل هاشم في بريطانيا، وأرغموه على التنصر، وأن هذا الشخص يقال إنه جد ملكة بريطانيا الحالية الملكة إليزابيث.
لكن مختصين في علم الأنساب والتاريخ الإسلامي قالوا لـ”بي بي سي”، إن “تدقيق الأصول العائلية يحتاج إلى بحث أوفى يستند إلى وثائق محققة”.
بدوره قال مؤسس ائتلاف أحفاد الصحابة وآل البيت ناصر رضوان لمحطة “بي بي سي”، أنه “في عصر الدولة العبيدية، تم الزج ببعض المغالطات التاريخية، خصوصاً حول الأنساب الشريفة المباركة من آل البيت”، مبدياً اعتقاده أن “جمعة استقى هذه المعلومة التي يروج لها الآن أن الملكة اليزابيث تنتسب لآل البيت من بقايا هذه المعلومات”.
في نيسان 2018، اثير مجددا موضوع ارتباط الملكة اليزابيث الثانية بنسب النبي محمد في تقارير اعلامية، لا سيما بريطانية. وقد استندت “ديلي مايل” البريطانية، في خبرها، الى تقرير سابق لصحيفة “الأسبوع الصحفي” المغربية، التي نشرت خبرا تتبعت فيه نسب الملكة إلى ما يرجع لـ43 جيلاً، مستندة بدورها الى بروكس بيكر ونشرته حول سجل الأنساب.
واذا كان الرابط بين الملكة والنبي هو زائدة، الا ان انه “ليس من الواضح ما إذا زائدة كانت مرتبطة بالفعل بالنبي محمد أم لا”، وفقا لموقع History (). فـ”اصولها قابلة للمناقشة”، على ما يعتبر مؤرخون، اذ يعتقد بعضهم أنها كانت ابنة خليفة من سلالة النبي محمد، بينما ذكر آخرون أنها تزوجت من أحد افراد عائلته، وفقا لـSpectator.
والسؤال الآخر هو “هل كان بروكس بيكر محقًا في الاصل؟”.
في الواقع، كانت هناك مخاوف بشأن دقة العديد من ادعاءات أدلى بها بروكس بيكر الذي توفي عام 2005. وقالت صحيفة “ديلي تلغراف” في نعيها له يومذاك: “كانت ميزته الكبيرة للصحافيين أنه كان دائمًا متاحًا لإبداء تعليق لافت. وكان عيبه أنه غالبًا ما كان مخطئًا”.
كذلك، ذكرت “ديلي التلغراف” أن قصر باكنغهام، خلافًا لموقفه المحايد في ما يتعلق بالضجيج في الصحافة، أصدر بيانًا يوضح أن بروكس بيكر لا يعرف أيًا من أفراد الأسرة، وأن تصريحاته صدرت من دون علم أو سلطة.
بدورها ذكرت صحيفة “التايمز” أن “المسؤولين لم يكونوا يولون مزاعم بروكس بيكر اهتمامًا يذكر في الماضي”، بما يُفهم انه لم يكن مأخوذا على محمل الجد، أو انه لم يكن مصدرا موثوقا به.
أسطورة
مشككون في النسب بين الملكة والنبي، وبينهم الصحافية ليزلي هازلتون Lesley Hazleton، وهي مؤلفة العديد من الكتب عن الإسلام، التي تذهب الى حد السخرية من هذه القصة، وتصفها بانها “شائعة”، وتغليبها “رد فعل على شيطنة الإسلام في الغرب، بخاصة في الولايات المتحدة”، على ما ينقل عنها موقع History.
باحث آخر ينسف كليا موضوع النسب بين الملكة والنبي، من خلال زائدة. فوفقا لمحمد عبد الله عنان، مؤلف “دولة الإسلام في الأندلس”، “زائدة الأندلسية وذريتها النصرانية تظل أسطورة كبرى في التاريخ الأندلسي ساعدت في رواجها الروايات الإسبانية في التواريخ النصرانية. فمن الروايات ما جعلها ابنة لملك إشبيلية المعتمد بن عباد، وقد قدمها ثمنًا لألفونسو من أجل التحالف معه ـ وهو ما لا يمكن تصديقه ـ إذ أن المعتمد نفسه هو من قبل بالاستعانة بالمرابطين في حرب ألفونسو، وقال قولته الشهيرة حين حذره البعض من طمع المرابطين فى الأندلس بعد هزيمة ألفونسو، إن رعي الجمال عند يوسف بن تاشفين (أمير المرابطين) خير من رعي الخنازير في قشتالة عند الفونسو”.
واذ يبحث عنان في مختلف الروايات المتناقلة عن زائدة، تبقى “الحقيقة التي تُسقط الفرضيات جميعا، أن سانشو (ابن ألفونسو السادس من زائدة الأندلسية، وفقا لروايات)، والذي تزعم Burke’s Peerage أنه جد للعائلة الملكية في بريطانيا، قد قُتل طفلا من دون أن ينجب، وذلك في موقعة أقليش سنة 501هـ/ 1108م، والتي انتصر فيها المرابطون على جيش قشتالة، حيث جعل ألفونسو ابنه سانشو على رأس الجيش”، على قول عنان.
وأضاف، “مات ألفونسو كمدا على مصرع ابنه وولي عهده عام 1109م، وقد تولت ابنته الكونتيسة أوراكا عرش قشتالة بعد أبيها لعدم وجود ولي عهد من الذكور. وبهذا الأمر تسقط فرضية انتساب الملكة إليزابيث إلى سانشو وزائدة من الأساس، وبالتالي الجدل حول امتلاك ملكة بريطانيا نسبا عربيا هاشميا”.
بدوره أكد الباحث التاريخي الشاذلي عباس لـ”بوابة الأهرام” أن “الأسر النبيلة فى أوروبا قد احتفظت بالعديد من المخطوطات والمطويات الأثرية القديمة التى تعود لأقدم العصور، وتوضح تسلسل تلك الأسر النبيلة. وكان نصيب الأسد منها فى انكلترا، حيث حفظ بعضها في المتحف البريطاني الملكي ومكتبة كامبريدج، والتي لم تتطرق من قريب أو بعيد إلى صلة الملكة اليزابيث وأجدادها بالنسب النبوي الشريف، مثلما ادعت مؤسسة Burke’s Peerage”.