لم يعتد المصريون كثيرا أن يتحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي عن السخاء الخليجي في دعم بلدهم اقتصاديا، فقد كانت الإشارات تأتي ضمنيا وفي سياقات عابرة، لكن الجديد هو أن يركز على هذا الدعم صراحة ويعيد تكرار الحديث عن دول بعينها، هي السعودية والإمارات والكويت، ويشير إلى دورها في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية.
وتوقف مراقبون عند هذا التطور اللافت بما هو أكبر من مسألة الاعتراف بالجميل على الملأ، واعتبروا الإشارة الإيجابية تعبر عن معان تتعلق بأن القاهرة تطلب المزيد من المساعدات، وأن ثمة تحديات تحول دون عودة التدفق إلى ما كان عليه سابقا.
وخرج المراقبون من تكرار السيسي برسالة مفادها أن مصر لن تنهض من كبوتها الاقتصادية إذا تراجع الدعم الخليجي أو توقف، وعليهم تحمل تداعيات الأزمة، فالتهديدات التي يمكن أن يتعرض لها هذا البلد العربي الكبير قد تطال الخليج أيضا.
وأشاد السيسي خلال افتتاح القرية الأولمبية لهيئة قناة السويس بالإسماعيلية، الخميس، بدعم دول الخليج قائلا إن “السعودية والإمارات والكويت حطوا (وضعوا) أرقاما ضخمة.. كل شهر تأتي مواد بترولية وأموال بالملايين من الدولارات، ولولا ذلك كان بقى عندنا أزمة كبيرة.. الأشقاء وقفوا وقفة كبيرة جدا طوال 18 شهرا، مشتقات البترول بتيجي (تأتي) دون مقابل”.
ولم يفصح السيسي عن قيمة المساعدات أو توقيت الـ18 شهرا، لكن قدرها خبراء بنحو 80 مليار دولار، وأن موعد مشتقات النفط كان بعد ارتفاع سعر برميل النفط عقب التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، وأن الدعم المادي والنفطي توقفا أو على وشك التوقف، وأن هناك صيغة سيتم العمل بها تلبي الحاجات الأساسية لكل طرف.
وأراد الرئيس المصري حث الحلفاء الثلاثة في دول الخليج على مواصلة الدعم، لأنه الخيار المتاح أمامه في ظل تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية وزيادة أعباء الديون الخارجية وتعثر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.
ورصد بعض الخبراء استقرارا في النظرة المصرية للخليج وتغيرا في الناحية المقابلة، حيث لا تزال القاهرة تتعامل مع دوله باعتبارها خزينة أو احتياطيا إستراتيجيا للأموال يمكن السحب منه على المكشوف، وقد فضحت بعض التسريبات النظرة المادية في مكالمات هاتفية بين مسؤولين كبار بما أحرج القيادة المصرية في حينه، والتي حاولت احتواء الأمر ومنع تفاقمه وتحويله إلى أزمة تضر بالجانبين.
وعدّت سحابة التسريبات التي جرى الكشف عنها منذ حوالي ثمانية أعوام ولم تتأثر بها دول الخليج وتفهمت مغزى التفسيرات المصرية ودوافع من قاموا بالتسريب في إحداث شرخ بين الطرفين، لذلك لم تتوقف المساعدات بعدها وحافظت على وتيرة جيدة.
وينطوي حديث السيسي عن الدور الحيوي للسعودية والإمارات والكويت في مساعدة بلاده على رسالة إلى المصريين تؤكد على تخفيف حدة الرفض الشعبي لما يتردد حول تزايد استثمارات الدول الثلاث، وأن القواعد الاقتصادية الجديدة دخلت عليها تغيرات تتعلق بتحويل المساعدات الخليجية إلى استثمارات مباشرة في الأراضي المصرية.
وتعرضت دول خليجية عدة إلى انتقادات واسعة بعد أن تزايد الإقبال على شراء أصول تملكها الدولة في أماكن مختلفة مؤخرا، ورأى فيها البعض هيمنة جارفة على مقدرات بلدهم من جانب الدول الخليجية الثلاث تحديدا، فأراد السيسي تصوير الأمر على أنه دعم سياسي للخليج وطمأنة المواطنين بعدم الخوف من تزايد رأس المال الخليجي.
وتسبب الحديث المتواتر عن بيع أصول عديدة لدول خليجية الفترة الماضية في رفع درجة الغضب الشعبي، وحاولت قوى معارضة تصدير صورة سلبية عن الاستثمارات الخليجية للإضرار بالنظام المصري ومحاصرته لعدم الخروج من الأزمة الاقتصادية.
ومعروف أن الدول الخليجية هي الوحيدة القادرة والراغبة في زيادة التوسع بمصر على خلاف استثمارات أجنبية أخرى ترى في السوق المصري درجة عالية من المخاطر لا تشجع على ضخ أموال فيه، وتتردد كثيرا في الاستثمار، وإذا أقدمت عليه لا تتورع عن سحبه بلا حساب للعواقب الاقتصادية على الدولة المصرية.
وتسعى الحكومة المصرية لتهيئة الأجواء السياسية والاقتصادية المناسبة أمام رأس المال الخليجي، والذي يسهل التعامل معه مقارنة بالأجنبي الذي يضع شروطا قاسية للتوسع، ومهما ارتفعت الشروط الخليجية تظل مقبولة من الجانب المصري وأقل تشددا من نواح متعددة، ولن تكون هناك مخاوف من عواقبها بالنسبة إلى الأمن القومي.
وينطلق خطاب السيسي من رغبة عارمة لتعبيد الطريق أمام الدول الخليجية التي لا تريد أن تضخ أموالا تتسبب في مشاكل سياسية مع القاهرة، وهي المهمة التي على النظام القيام بها حاليا إذا أراد أن يتلقى الكثير من الاستثمارات وليس المساعدات.
وتحتاج رسائل الرئيس المصري إلى شعبه المزيد من التوضيح لأهمية الاستثمار الخليجي ودوره الحيوي حاليا، مقارنة بأيّ استثمارات أخرى غربية أو شرقية، وهي مهمة يجب أن تقوم بها أجهزة مختلفة وعدم ترك القضية لاجتهادات وتكهنات وتخمينات غير دقيقة يمكن أن تثير مشاكل جديدة ولا تحل أزمات قديمة حيال ما يعتقد فيه بعض المواطنين من أنه سيطرة خليجية على مفاصل الاقتصاد المصري.