لم تخرج الانتفاضات التي أشعلت إيران في أيلول الجاري من العدم، كما لا يمكن فهم حدتها وتطرفها بدون العودة الى السياق السياسي والاقتصادي للبلاد، وفقاً لقراءة في موقع rosalux الالكتروني الألماني المتخصص في الشؤون السياسية.
وكتب المحلل حميد محسني: “تعاني الجمهورية الإسلامية أولاً، من نوع من (الاعاقة) بحيث يفتقر موظفو الدولة الى الكفاءة التي تسمح لهم بالتعامل مع العديد من القضايا المعقدة في القرن الحادي والعشرين. ويشغل عدد من رجال الدين المسلمين الذين خضعوا لتعليم ديني صارم، بصورة حصرية، المناصب القليلة المؤثرة في النظام السياسي للجمهورية الاسلامية.
ثانياً، تعاني الجمهورية من نسبة كبيرة من الفساد، بحيث تخضع جميع القطاعات الرئيسة للاقتصاد للتقسيم ضمن تكتل حول الحرس الثوري، ويزود كل من أعضاء التكتل الآخر بالعقود والتصاريح والأوامر بهدف تعظيم الأرباح الخاصة. وازدادت الهوة الاجتماعية عمقاً بين أعضاء جهاز الدولة والسكان وأصبحت أكثر وضوحاً، لا بل عملاقة بعد، نتيجة للعقوبات: بينما يستمر الحكام في التمتع بحياة من الرفاهية، يغرق المزيد من الناس في أزمات وجودية وفي عدم اليقين حول قدرتهم أم لا على تأمين القوت لعوائلهم في الأيام التالية.
ويتجه هذا الوضع إلى تفاقم بسبب إعلان الجمهورية الاسلامية المثير للشفقة عن ضرورة خفض جميع الميزانيات في البلاد، في الوقت الذي تستمر فيه مليارات الدولارات بالتدفق الى الوكلاء في المنطقة لمواصلة الحرب بالوكالة ضد الغرب، أي في سوريا وفلسطين واليمن والعراق وأماكن أخرى.
ثالثاً، اندلعت الاحتجاجات الحالية في أسوأ توقيت ممكن بالنسبة الى النظام، في ظل ما يحكى عن تراجع قوة خامنئي، الذي لم يعلق بصورة لافتة على الاحتجاجات. يضاف إلى ذلك غياب الرئيس إبراهيم رئيسي، بسبب مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. ولم يعد رئيسي الذي لا ينظر إليه حقاً على أنه شرعي بالإجماع، إلى طهران إلا بعد إعلان حالة الطوارئ لأكثر من أسبوع.
وأخيراً، بدأت التصدعات تظهر في هيكل الأجهزة الأمنية الايرانية. وتسري الآن شائعات بأن بعض قوات الأمن قد سئمت من مهاجمة مواطنيها. كما انتشرت تسجيلات لمشاهد تهاجم فيها قوات الأمن بعضها البعض، وهذا ما ينذر بأن الوحدات الأمنية للجمهورية قد تتفكك هذه المرة.
ودفع الواقع في السنوات القليلة الماضية الشعب الايراني إلى حافة اليأس لدرجة أن البلاد تحولت إلى قنبلة موقوتة، فأصبحت أي مظاهرة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، سواء الاعتراض على التضخم (الذي يزيد عن 30%) وبالتالي على أسعار الغذاء أو البنزين التي لا يمكن تحملها أو الأزمات البيئية، أو وفاة شابة لعدم ارتدائها الحجاب بصورة صحيحة كما حصل مؤخراً. وتحولت الاحتجاجات إلى التطرف منذ العام 2018. وتوضح الشعارات المرفوعة تزعزع الثقة بالنظام السياسي.
ويظهر ذلك جلياً في إعلان عدد من الجماعات مثل جماعة”Slingers Collective” اليسارية ومقرها إيران عن “حركة جماهيرية على حسابها على تويتر، للإطاحة بالقمع على أساس الجندر والعرق والطبقات، والذي فرضه النظام الثيوقراطي في # إيران على الناس”.
ويمكن ملاحظة التضامن المثير للاعجاب مع هذه الحركة ضمن الأقليات العرقية والدينية المختلفة في إيران. ونظراً الى أن الاحتجاجات تحدث في جميع أرجاء الدولة متعددة الأعراق، يتبلور القلق المشترك بوضوح. وتجدر الإشارة إلى أن الاحتجاجات غالباً ما تكون معزولة إقليمياً لكن الحال ليس كذلك هذه المرة، بحيث طالت المظاهرات نساء البلاد وشملت الهتافات كردستان.
ولكن على الرغم من ذلك، لا بد من الامتناع عن إصدار أحكام متسرعة، بحيث يبقى احتمال قمع الاحتجاجات بعنف وارداً. وفي هذه الحالة، سيتكبد المتظاهرون ثمناً باهظاً بسبب السعي وراء الحرية. ولكن من المؤكد أيضاً أن احتجاجات أيلول 2022 ستزيد من الشرخ بين السكان والنظام. فإلى أي مدى قد يستمر الحال قبل الإنهيار الكبير؟”.