رغم ما يبديه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تقارب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولعب دور الوسيط في الملف الأوكراني، إلا أن ذلك لا يلغي خطط تركيا للاستفادة من التوتر الغربي مع روسيا أيّما استفادة، خاصة في مجال الغاز، إذ تسعى لأن تكون همزة الوصل بين غاز المتوسط، وخاصة غاز آسيا الوسطى، من جهة، وبين الإمدادات التي يحتاجها الغرب من جهة أخرى. وهو ما يفسره إعلانها عن مضاعفة قدرة خط تاناب الذي ينقل غاز أذربيجان، وسبق لأردوغان أن وصفه بـ”طريق الحرير للطاقة”، في إشارة إلى أهميته الإستراتيجية.
وأعلن وزير الطاقة التركي فاتح دونماز رفع سعة خط تاناب لنقل الغاز الأذري إلى أوروبا عبر الأناضول من 16 مليار متر مكعب إلى 32 مليارا.
جاء ذلك في كلمة ألقاها الخميس بمدينة إسطنبول خلال مشاركته في النسخة الثانية لمنتدى الطاقة التركي – الأذري الهادف إلى تعزيز التعاون بين البلدين.
وقال الوزير إنه عقد لقاء مع نظيره الأذري برويز شاهبازوف، وقررا معًا مضاعفة قدرة خط أنابيب الغاز العابر للأناضول تاناب.
وتعمل أنقرة على الاستفادة من الأزمة التي نشبت بين الغرب وروسيا بسبب الحرب التي شنتها الأخيرة على أوكرانيا، وتقليص إمدادات الغاز الروسي نحو أوروبا، لتكون بوابة لمرور غاز آسيا الوسطى إلى أوروبا.
ويشير مراقبون إلى أن الرئيس التركي يراهن على أن تستفيد بلاده أكثر ما يمكن من العقوبات المفروضة على روسيا، وتكون هي البديل بالرغم مما يبدو في الواجهة من تناغم تركي – روسي في ملفات مختلفة، وخاصة في حرب أوكرانيا، لافتين إلى أن ما يهم أردوغان هو مصالح تركيا حتى لو كان ذلك على حساب روسيا التي ظلت العلاقة معها تقوم على المخاتلة، لاسيما بعد التوتر الشديد الذي شهدته خلال الحرب السورية.
ويعرف أردوغان أن الولايات المتحدة تدعم خط تاناب لأنها تريد تقليص نفوذ روسيا في أوروبا، وتشجع المشاريع التي من شأنها تجاوز روسيا والحد من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، وهو ما يجعله يتحرك بحرية أكبر ويعمل على زيادة كميات الغاز الأذري العابرة لأراضي بلاده.
ويقول مراقبون إن موضوع الغاز يعتبر بمثابة عقدة لدى الرئيس التركي الذي يسعى لأن تكون بلاده معبرا رئيسيا للغاز نحو أوروبا من روسيا وأذربيجان وشرق المتوسط قافزا على كل التناقضات السياسية، مشيرين إلى أن أردوغان الذي اتفق مع روسيا على نقل الغاز عبر أنبوب “السيل التركي” باتجاه أوروبا تحرك على واجهة أخرى لنقل الغاز الأذري المستخرج من بحر قزوين إلى أوروبا عبر خط تاناب، مع أن الهدف منه بالأساس هو تقليص تعويل أوروبا على الغاز الروسي، وهو ما من شأنه أن يوتر العلاقة بين موسكو وأنقرة المتوترة أصلا بسبب أزمات أخرى.
وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن قال في نهاية يوليو الماضي “إن خط تاناب يمثل بديلا لإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا”، كاشفا عن أن الرئيس أردوغان تحدث مع نظيره الأذري إلهام علييف، وقال له “دعونا نملأ الفراغ”، في إشارة إلى توتر العلاقات الروسية – الغربية.
وحذر المراقبون من أن الدعم الأميركي والأوروبي لخط تاناب قد يغير المعادلة بالنسبة إلى موسكو ويقلل حاجة أوروبا إلى الغاز الروسي، لكنه يجعل الأوروبيين تحت رحمة تركيا، خاصة إذا نجحت في إقناع الولايات المتحدة وإسرائيل بأن تكون معبرا لغاز المتوسط نحو أوروبا بدلا من خط إيست ميد الذي تعارضه واشنطن لاعتبارات تتعلق بكلفته الباهظة.
وقال الباحث الإسرائيلي يفجيني كلاوفر “إن مشروع خط أنابيب نقل الغاز الطبيعي عبر الأناضول تاناب، والذي ينقل الغاز الأذري إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، يشكل تهديدًا كبيرًا لروسيا التي تزود أوروبا بنحو 30 في المئة من حاجتها إلى الغاز الطبيعي، ويجعل تركيا تتحكم في إمدادات القارة الأوروبية”.
وأضاف كلاوفر في مقاله بموقع أراب سينسور أن المشروع سيجعل من تركيا مركزا للطاقة في المنطقة يسمح لها بالسيطرة على حركة الغاز إلى أوروبا. ولذلك لم يكن من المستغرب أن يطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على المشروع “طريق الحرير للطاقة”.
ووقعت أذربيجان مؤخرا مذكرة تفاهم لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي، في إطار بحث التكتل عن بدائل للغاز الروسي. وتنص المذكرة على زيادة إمدادات الغاز الأذري ومضاعفة السعة الحالية لخط تاناب.
وصرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأن الاتحاد يتجه إلى موردين أكثر موثوقية في قطاع الطاقة، مشيرة إلى أن الاتحاد يواصل جهوده لإيجاد بديل للغاز الروسي.
وتمتلك أذربيجان احتياطيا مؤكدا من الغاز الطبيعي يصل إلى 1.3 تريليون متر مكعب، إذ تحتاج إلى القيام باستثمارات إضافية من أجل زيادة إمدادات الغاز إلى أوروبا.