نال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وأعضاء الحكومة العراقية الجديدة ثقة مجلس النواب مساء أمس الخميس، بعد انسداد سياسي وأزمة عميقة ومعقدة دامت لأكثر من سنة وسط صعوبات أمنية وسياسية شهدها العراق.
وجرت آليات التصويت في البرلمان، على 21 وزارة من أصل 23 في حكومة محمد السوداني، وهي التاسعة منذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003 اذا ما احتسبت الحكومة التي شكلها الحاكم المدني الأميركي بول بريمر ضمن الحكومات العراقية، بسلاسة بالغة على الرغم من صخب أثاره بعض النواب المعارضين على شكل الحكومة التي قدمها بعد أسبوعين من تكليفه بتشكيلها، في ظل غياب مكون سياسي مؤثر يتمثل في التيار الصدري الذي انسحب من البرلمان بناءً على قرار زعيمه مقتدى الصدر، ودخوله في نزاع وصل الى مرحلة الصدام المسلح قبل أن يقرر الاعتزال والانزواء بعيداً عن مجريات تشكيل الحكومة.
ويبدو أن المنهاج الوزاري المكون من 23 فقرة من بينها اجراء الانتخابات وتعديل قانون الانتخابات وجوانب تخص الأمن والاقتصاد والطاقة والخدمات والعلاقات الخارجية ومكافحة الفساد، والذي مرره البرلمان قبيل التصويت على الحكومة، فيه العديد من المحاور المهمة التي يتطلب تنفيذها على أرض الواقع اجراءات مختلفة عن السائد، الى جانب صعوبة تطبيقها بسبب غياب الحلول المناسبة للأزمات التي يمر بها العراق وانقسام الأحزاب ذات الخلفيات العرقية والمذهبية المستندة الى هويات فرعية اجتماعية ازاء القضايا التي يشهدها الواقع العراقي.
وأصبح العراق أمام مشهد سياسي جديد يتميز بزخم كبير ومظلة سياسية جديدة بعدما تغيرت تركيبة البرلمان لصالح قوى الاطار التنسيقي الذي يضم قوى سياسية وأحزاباً مقربة من ايران، التي تمكنت من قطع الطريق أمام التيار الصدري في تشكيل حكومة أغلبية سياسية لصالح حكومة التوافق السياسي التي تفضلها ايران وأميركا.
وأثارت المواقف الأميركية والغربية المؤيدة لتمرير حكومة السوداني تساؤلات بشأن حجم التنسيق مع ايران في انبثاق حكومة جديدة والتفاهمات التي تمت من تحت الطاولة أو وراء الكواليس والتي قد يكون بعضها مرتبطاً بملفات اقليمية، فتزامن ولادة الحكومة العراقية مع توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل بوساطة أميركية لم يكن صدفة، لاسيما أن تكليف السوداني قبل أسبوعين تزامن أيضاً مع قبول لبنان بالاتفاق البحري مع اسرائيل.
وتطرقت حكومة السوداني في برنامجها الحكومي الى “مراجعة الوجود العسكري الأميركي في العراق”، الى جانب “تعزيز العلاقات مع الدول على أساس مبدأ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وخصوصاً دول الجوار ودول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الشقيقة الأخرى”، و”اعتماد مبدأ عدم السماح بأن يكون العراق ممراً أو مقراً للاعتداء على الدول الأخرى وعدم الدخول في سياسة المحاور”، وهي التزامات كبيرة قد لا يتحقق جزء كبير منها في ظل استمرار التدخلات الايرانية والتركية العسكرية وتواجد فصائل معارضة مسلحة ايرانية وتركية من خلفيات عرقية كردية في اقليم كردستان، الى جانب مواقف بعض الأحزاب المقربة من ايران تتحفظ عن الانفتاح العراقي تجاه المملكة العربية السعودية ودول أخرى كالأردن ومصر مما قد يعرقل التفاهمات التي توصلت اليها حكومة مصطفى الكاظمي خلال توليها مقاليد السلطة.
وتغيرت لغة خطاب أطراف الاطار التنسيقي تجاه الولايات المتحدة التي تملك أوراقاً مهمة منها الاتفاقية الأمنية واتفاقية الاطار الاستراتيجي التي تتضمن الاستثمار والاقتصاد والتكنولوجيا والمال وغيرها، فضلاً عن “أبوية واشنطن للنظام في العراق” كونها مسؤولة عن التغيير منذ العام 2003، مما جعل تلك الأطراف ذات الصلة بايران تتمتع بمرونة في تعاملها مع أجندة السفيرة الأميركية ولقاءاتها مع شخصيات نافذة في التحالف الشيعي، فايران مرتاحة الى دخول واشنطن على خط تأليف الحكومة حتى تتفرغ لمواجهة الأزمة في البلاد عقب التظاهرات الشعبية المناهضة للنظام الايراني الذي يرى أن كل ما يجري أو سيجري يصب في صالح نفوذه في العراق وتأمين احتياجاتها
وتمرير حكومة السوداني أهون كثيراً بالنسبة الى الغرب من عرقلة ولادتها لاسيما أن العالم يمر بمرحلة صعبة وخصوصاً في ظل وضع الطاقة العالمي، وأن أي اضطراب سياسي وأمني واقتصادي في العراق وتأثر امدادات النفط، سيؤثر بدوره على الولايات المتحدة وأوروبا ويفاقم من أزماته، وهو ما يجعل الغرب أحرص من غيره على تثبيت الاستقرار السياسي على الرغم من الغضب الشعبي العام والذي تمثل أساساً في ضعف المشاركة في الانتخابات المبكرة التي جرت في تشرين الأول 2021 وبلغت نحو 25 – 30٪ من الناخبين مما يضعها أمام أزمة الشرعية الشعبية وخصوصاً بعد انسحاب النواب الصدريين.
وتواجه الحكومة العراقية الجديدة ملفات حساسة منها مكافحة الفساد السياسي وانتشار السلاح المتفلت واجراء انتخابات مبكرة، وهي التزامات مرتبطة بمواقيت زمنية قد لا تتمكن الحكومة الجديدة من الالتزام بها.
وفي حال لم يتعلم السوداني من دروس الأخطاء القاتلة والجسيمة التي ارتكبتها الحكومات العراقية السابقة المتعاقبة، فانه سيجد نفسه أمام تحدٍ شعبي كبير وأزمة أخطر ستتجاوز أي توافق دولي أو اقليمي أو محلي وتجمع الناقمين مما سيجعل حكومته والعملية السياسية في مهب الريح.