نهاية البداية في أوكرانيا

21 نوفمبر 2022
نهاية البداية في أوكرانيا
حسناء بو حرفوش

ربطت قراءة في موقع csis.org للدراسات الاستراتيجية والدولية بين مقولة ونستون تشرشل الشهيرة في العام 1942: “الآن هذه ليست النهاية. انها ليست حتى بداية النهاية، لكنها ربما تكون نهاية البداية”، واستعادة أوكرانيا مؤخراً السيطرة على خيرسون، مع الاشارة إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تستعد لنزاع طويل الأمد.

وذكّرت القراءة بأن “الهدف الأساس من حرب كييف هو استعادة وحدة أراضي أوكرانيا التي انتهكتها القوات الروسية ووكلاؤها بداية من العام 2014. ولذلك، يجب على الولايات المتحدة أن توضح دعمها لهذا الهدف واستعدادها للقيام بكل ما هو ممكن لمساعدة أوكرانيا على النجاح. ولا تقتصر الأهداف وراء مساعدة أوكرانيا على دحر الغزو الروسي للبلاد، بل تنطوي أيضاً على العديد من الفوائد الأخرى للولايات المتحدة.

في البداية، قد يتمثل أحد أهداف أميركا في دعم السيادة الأوكرانية والمساعدة في ردع موسكو عن محاولة تغيير حدود جيرانها مرة أخرى بالقوة أو بالاكراه. ومن شأن إضعاف الجيش الروسي من القوات الأوكرانية والمجمع الصناعي العسكري الروسي أن يقلل من التهديدات لدول الناتو على الأطراف الروسية، على الأقل في المستقبل القريب. سيسمح هذا للولايات المتحدة بتركيز المساعدات على مواجهة الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. كما أن إضعاف الجيش الروسي قد يشكل الصدمة التي يحتاجها الجسم السياسي الروسي للانتقال من عهد (فلاديمير) بوتين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون بمثابة تحذير للديكتاتوريين الآخرين الذين يحاولون غزو البلدان من خلال القوة الغاشمة. ويساعد ضمان عدم تحقيق روسيا لهدفها أيضاً في تعزيز الردع في آسيا من خلال إظهار التصميم الغربي العسكري والاقتصادي والديبلوماسي في مواجهة العدوان.

وفي حين أن دعم الولايات المتحدة والحلفاء والشركاء للدفاع الأوكراني حاسم في توفير الأدوات لصد الهجوم الروسي الأولي، لم تعلن الولايات المتحدة بعد عن هدف سياسي وعسكري واضح للحرب. أما أقرب شيء للتصريحات السياسية الرسمية فهي الملاحظات غير المكتوبة التي أدلى بها الرئيس (جو) بايدن في بولندا في آذار 2022 والتي تشير إلى أن الرئيس بوتين (لا يمكنه البقاء في السلطة)، وكذلك تعليقات وزير الدفاع لويد أوستن الذي ربط في نيسان إضعاف روسيا بإفقادها القدرة على (القيام بالأشياء التي فعلتها في غزو أوكرانيا).

بالتالي، من المهم تبديد الغموض حول الوضع النهائي المنشود للولايات المتحدة في أوكرانيا، والتركيز على تهديد واضح والاسترشاد بسياسة واضحة أيضاً. كما يوفر الموقف الأميركي الواضح دليلاً للحلفاء والشركاء الآخرين يمكن اتباعه لصياغة سياستهم تجاه الحرب في أوكرانيا. وبالتالي، يجب على الولايات المتحدة اتخاذ مجموعة من الخطوات العسكرية والديبلوماسية والاقتصادية والمتعلقة بالحوكمة لانهاء الحرب في أوكرانيا بأفضل الشروط لأمن أوكرانيا والتي تردع أي عدوان في المستقبل.

وقدمت الولايات المتحدة ما يقرب من 19 مليار دولار من المساعدات الأمنية لأوكرانيا بين شباط وتشرين الثاني 2022. ومع ذلك، لا يهم المبلغ الاجمالي للمساعدات إلى حد كبير ما لم يرتبط بتأمين النوع المناسب من المعدات. وتطورت احتياجات أوكرانيا من مطلب مبكر للأسلحة الدفاعية قصيرة المدى مثل صواريخ جافلين المضادة للدبابات وصواريخ ستينغر المضادة للطيران، والتي كانت مفيدة في العمليات الدفاعية ضد القوات الروسية المتقدمة. وإلى جانب التدريب والاستخبارات، تحتاج أوكرانيا الآن إلى أنظمة متقدمة للاستطلاع والعمليات المدرعة والدعم الجوي القريب لدعم العمليات الهجومية، مثل المسيرات من طرازMQ-1C ، وأنظمة الصواريخ التكتيكية MGM-140 (ATACMS) وأنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة.

هذه الأنواع من الذخائر وأنظمة الأسلحة ضرورية لمساعدة القوات الأوكرانية في إطار العمليات الهجومية الفعالة ضد القوات الروسية. وتحتاج أوكرانيا قبل كل شيء، إلى الصواريخ والذخائر الأخرى لأن الحرب تطورت إلى حرب استنزاف طاحنة يخوض فيها الجانبان حرباً صناعية حديثة وطويلة الأمد لم نشهدها منذ الحرب العالمية الثانية. ويؤثر الاستهلاك الكثيف في مثل هذه الحروب سلباً على أنظمة الأسلحة ومنصاتها.

أخيراً، تحتاج القوات الجوية الأوكرانية التي تعود إلى الحقبة السوفياتية إلى طائرات أفضل، خصوصاً وأن المعارك في الأشهر الخمسة الماضية كلفتها ما يقرب من أربعين طائرة مقاتلة من أسطول أصلي يقل عن 150 طائرة. ومع توافر عدد أقل من الطائرات، يتعين على كل طائرة تحمل المزيد من الطلعات الجوية مما يؤدي الى استهلاكها بصورة أسرع. وإذا لم يبادر الغرب الى المساعدة، فقد تفقد أوكرانيا قدرتها على الدفاع عن مجالها الجوي وعلى استهداف القوات البرية الروسية.

وتخوف بعض صانعي السياسة من أن الأسلحة المتقدمة قد تؤدي إلى تصعيد أكبر للحرب أو حتى تجبر روسيا على استخدام الأسلحة النووية. وشكلت هذه المخاوف عاملاً رئيساً في عدم رغبة الولايات المتحدة في توفير أسلحة تقليدية متطورة، خصوصا مع تصوير بوتين على أنه لاعب غير عقلاني. ومن المؤكد أن بوتين أجرى حسابات خاطئة حول كيفية رد الأوكرانيين على الغزو الروسي وفعالية جيشه والعزم الغربي على تنفيذ عقوبات اقتصادية واسعة النطاق وتقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا. لكنه لم يكن غير عقلاني ولم يوسع نطاق الحرب إلى دول الناتو كما كان يخشى البعض. كما أنه لم يجر عمليات إلكترونية منهكة ضد الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.

وعلى الرغم من أن التهديدات النووية الروسية ضد الغرب بسبب دعمه لأوكرانيا تشعر بوتين بتحسن، لكنها ليست ذات مصداقية ما لم يكن الجيش الروسي على استعداد للسماح لبوتين بالانتحار المجتمعي. إن أي ضربة نووية متوقعة ضد دولة من دول الناتو لن تتعامل مع القوة النووية وقدرة الضربة الثانية للولايات المتحدة وحسب، ولكن أيضاً قدرات المملكة المتحدة وفرنسا. بالإضافة إلى ذلك، من غير المحتمل أن يؤدي استخدام الأسلحة النووية في ساحة المعركة إلى تغيير مسار الحرب، اذ كان أداء الجيش الروسي سيئاً وعانت قواته من معنويات منخفضة وسوء تنفيذ الأسلحة المشتركة والفساد. وفشلت القوات الجوية الروسية في تحقيق التفوق الجوي ونفدت ذخائرها الدقيقة، وهذا يعني أن الأسلحة النووية لن تحل هذه المشكلات.

أضف إلى ذلك أن أوكرانيا ليست محمية بالمظلة النووية لحلف الناتو. لذلك، يجب أن توضح السياسة الأميركية لبوتين وللنخب الروسية أن أي استخدام للأسلحة النووية سيؤدي إلى خراب اقتصادي في ضوء العقوبات الاقتصادية العالمية ضد روسيا. لكن الصين والهند والعديد من دول الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وأفريقيا لم تفرض عقوبات. لذلك، نأمل أن تستنتج معظم هذه الدول، وخصوصاً تلك التي تعيش في ظل قوى نووية أخرى، أن قيام دولة نووية بضرب دولة غير نووية بأسلحة ذرية سابقة تقوّض الأمن القومي لجميع دول العالم تقريباً.

وقد يراهن بوتين على تفكيك التحالف الغربي مع حلول الشتاء. لذلك، يتوجب على واشنطن الاستمرار في تقديم المساعدات الاقتصادية والطاقة اللازمة لمنع انقسام الحلف بسبب نقص الغاز في أوروبا. واتخذت الحكومة الأميركية بالفعل خطوات للتحرك في هذا الاتجاه، بحيث تصدر الولايات المتحدة الآن أكثر من 60% من غازها الوطني السائل إلى أوروبا، كما يجب عليها تزويدها بالدعم التكنولوجي والاقتصادي لتوسيع فرص توليد الكهرباء عبر الطاقة النووية. ويمكن التعويل على تحطيم آمال بوتين في تقسيم الناتو لخلق انقسام في الشارع الروسي وتسريع إدراك النخبة الروسية أنها لا تستطيع الانتصار في هذه الحرب ويجب أن تستقر على شروط عادلة ومواتية لأوكرانيا”.