“سرقة القرن”: كيف نُهب 2.5 مليار دولار من جيوب العراقيين؟

22 نوفمبر 2022
“سرقة القرن”: كيف نُهب 2.5 مليار دولار من جيوب العراقيين؟

كشف مدققون في العراق مخططا هائلا اختلست شبكة من الشركات والمسؤولين من خلاله نحو 2.5 مليار دولار من مصلحة الضرائب في البلاد، بالرغم من وجود العديد من الضمانات.
وجاء العراق في المرتبة 157 بين 180 دولة على مؤشر منظمة الشفافية الدولية -وهي هيئة رقابية عالمية- للحكم النظيف لعام 2021.
تقرير المدققين- الذي حصلت أسوشيتدبرس على نسخة منه، وكانت صحيفة ”غارديان” أول من نشره- يشير إلى أن السرقة كانت مدبرة من شبكة واسعة من المسؤولين وموظفي الخدمة المدنية ورجال الأعمال.
وغالبا ما يكون هؤلاء الأفراد على صلات بفصائل سياسية قوية، في نظام المحسوبية الراسخ في العراق.
وقال الخبير القانوني العراقي والقاضي المتقاعد المطلع على قضايا الفساد جمال الأسدي، ” كانت عملية سرقة منظمة للغاية ومتفق عليها”.
وأكد ثلاثة مسؤولين تفاصيل الخطة لأسوشيتدبرس، وتحدثوا جميعا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم مخافة ردود الفعل الانتقامية.
كيف تمت السرقة؟
تم الكشف عن المخطط الشهر الماضي عندما كشف تدقيق داخلي أجرته وزارة المالية العراقية أن الهيئة العامة للضرائب- دائرة الإيرادات الداخلية العراقية – دفعت بشكل احتيالي حوالي 3.7 تريليونات دينار عراقي، أو ما يعادل نحو 2.5 مليار دولار، لخمس شركات.
وتلك المدفوعات سددت بواسطة 247 شيكا تم صرفها خلال الفترة من 9أيلول 2021 و11 آب من العام الحالي، من فرع في مصرف الرافدين الذي تديره الدولة والموجود داخل الهيئة العامة للضرائب.
وضم الحساب مليارات الدولارات من ودائع الشركات التي كان من المفترض إعادتها إليها بمجرد خصم الضرائب، وكانت الشركات قد قدمت بيانات مالية محدثة. يزعم أن الشركات سحبت أموالا دون القيام بأي إيداعات.
وأجرى القائم بأعمال وزير المالية آنذاك، إحسان عبد الجبار الذي شغل أيضا منصب وزير النفط، التدقيق. واكتشف السرقة بعد تلقي شكاوى من شركة نفط لم تتمكن من استعادة ودائعها الضريبية، وفقا لمسؤول بارز مطلع على التحقيق.
وعندما استفسر الوزير عن الرصيد المتبقي في الحساب، قالت هيئة الضرائب إن به 2.5 مليار دولار، لكن مزيدا من التدقيق كشف أن الرصيد الفعلي تراجع إلى 100 مليون دولار فقط، وفقا للمسؤول.
وكان ذلك أول مؤشر على السرقة الهائلة. وقدم تدقيق لاحق للجنة المالية في مجلس النواب، حصلت الأسوشيتدبرس على نسخة منه هذا الأسبوع.
وقبل التدقيق، كان قسم مكافحة غسيل الأموال في بنك الرافدين قد أعرب عن قلقه لوزارة المالية من المعدل الكبير للسحوبات النقدية. وكان الوزير السابق قبل عبد الجبار، علي علاوي، قد طلب أن يوافق مكتبه على أي سحوبات كبيرة، لكن كبار مديري هيئة الضرائب تجاهلوا الطلب، حسبما ذكر المسؤول.

واستقال الوزير الأسبق علاوي في أغسطس احتجاجا على الفساد والتدخل الأجنبي في الشؤون العراقية.
وقبل أسابيع من صرف الشيكات الأولى، أزالت السلطات جزءا رئيسيا من الرقابة، بدعوى أن الشركات اشتكت من فترات الانتظار الطويلة. جاء قرار عزل ديوان الرقابة المالية الاتحادي من العملية بناء على طلب النائب هيثم الجبوري، الذي كان يرأس حينها اللجنة المالية البرلمانية.
وجد التدقيق أن الشركات، التي تم تأسيس ثلاث منها قبل أسابيع فقط من سداد المدفوعات، قدمت مستندات مزورة لتتمكن من المطالبة بالدفعات. لم يتمكن المدققون من متابعة الأموال لأنه تم سحبها نقدا.
خلاصة التقرير: المبالغ مسروقة!
وتشير النتائج إلى أن شبكة واسعة من مسؤولي الضرائب ورجال الأعمال يجب أن يكونوا ضالعين في المؤامرة.
وتتطلب عملية المطالبة أوراقا مطولة وموافقة ثلاث إدارات على الأقل داخل هيئة الضرائب، بالإضافة إلى مدير ونائب مدير الإدارة المالية.
لكن الأموال تلاشت على أية حال، وليس من الواضح من سيتحمل المسؤولية في نهاية المطاف.
وألقي القبض على نور زهير جاسم، وهو رجل أعمال له صلات بمسؤولين نافذين، نهاية أكتوبر في مطار بغداد.وكانت قد تمت تسميته رئيسا تنفيذيا لاثنتين من الشركات، وحصل على أكثر من مليار دولار من الحساب، وفق التدقيق. ولم يرد محاميه على طلب للتعليق.
وكما اعتقل اثنان من مسؤولي هيئة الضرائب، ويقول القضاء إن ممتلكات وأصولا بملايين الدولارات صودرت.
لكن المسؤولين يقولون إنه من غير المرجح أن تنفذ خطة اختلاس بهذا الحجم دون علم كبار المسؤولين.
ولطالما تنافست الفصائل السياسية في العراق على السيطرة على الوزارات والهيئات الحكومية، والتي تستخدمها بعد ذلك لتوفير وظائف ومزايا أخرى لمؤيديها.
ويرتبط عدد من الفصائل بهيئات حكومية مختلفة متورطة في مخطط الضرائب.
ولم تجتمع الحكومة الحالية إلا في أواخر أكتوبر، بعد أكثر من عام من الانتخابات المبكرة، وتحولت المشاحنات بين الفصائل القوية إلى قتال شوارع مميت في وقت سابق من هذا العام.