عماد الشدياق نقلا عن “القدس العربي”
لا يبدو أنّ الأوروبيين في وارد اتخاذ خطوات حاسمة في اتجاه قبول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في المدى المنظور، ويراهنون على خسارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المنتظرة بعد قرابة 3 أشهر، من أجل إعادة تركيا إلى المربع الأول في المفاوضات، التي يبدو أنها ستطول كثيراً ولن تصل إلى أهدافها المرجوة.
تنظر أوروبا إلى “حزب العدالة والتنمية” وزعيمه ذي التوجهات الإسلامية، كعائق أمام طموحات الاتحاد الأوروبي بمعزل إن وافقت أوروبا على إنضمام تركيا إلى الاتحاد أم لا، وتعتبر أنّ العلاقة مع الزعيم التركي تتسم بـ”عدم الثقة” وذلك نظراً إلى ما يعتبرونه دروساً مستقاة من التجربة التاريخية مع أردوغان والانعطافات السياسية التي كان يتخذها بشكل مفاجئة، وهذا ما يؤثر في نظر الأوروبيين على قدرة إلتزام أنقرة، مستقبلاً، في سياسات الاتحاد.
الأسباب المعلنة:
يسوق الأوروبيون الكثير من الحجج في هذا الاتجاه، ويقولون إنّ تركيا لم تستطع تنفيذ المطالب التالية:
– تركيا غير قادرة على تطبيق قواعد حقوق الإنسان الخاصة بالإتحاد بشكل كامل، نتيجة الفروقات الثقافية بين الهوية التركية وهوية شعوب الإتحاد الأوروبي.
– تركيا ترفض تنفيذ الأحكام النهائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بما في ذلك تلك المتعلقة بالإفراج عن معتقلين سياسيين.
– الاقتصاد التركي مكشوف على مستوى الاستثمارات والسياحة، نتيجة الإرهاب والحروب مع الأكراد والجوار مع سوريا حيث الأزمة المفتوحة منذ سنوات.
– تركيا تشهد تراجعاً كبيراً في الإصلاحات في مجالات احترام استقلال القضاء، وتزايد مركزية السلطة وتدهور سيادة القانون منذ محاولة الانقلاب الفاشل عام 2016.
– تركيا تمارس الضغوط على القضاة والمدعين العامين، وتلاحق صحافيين والطلاب والمحامين والمعارضين بتهم فضفاضة تتعلق بالإرهاب.
– تركيا تمارس ضغوطاً على منظمات المجتمع المدني وتستمر في الحد من الحرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع.، ولا تُعزَّز الرقابة على قوات الأمن، حيث بقيت مساءلة الجيش والشرطة والمخابرات محدودة.
– تركيا لا تحترم أولويات الإتحاد الأوروبي، وخصوصاً سياسته الخارجية والأمنية المشتركة، وتتدخل عسكرياً في كل من سوريا والعراق وليبيا، ولا يتوافق ذلك مع تدابير الإتحاد الأوروبي التقييدية.
تقول الدول الأوروبية إن هذه الأسباب هي ما يمنع تركيا من الحصول على العضوية الدائمة في الإتحاد. لكن هل هذا صحيح؟ الجواب على هذا السؤال هو: لا. ثمة أسباب أخرى تخفيها دول الاتحاد الأوروبي ولا تجاهر بها بشكل رسمي، لكن تصريحات بعض المسؤولين الأوروبيين وسلوكهم تجاه تركيا، يفضح تلك الحقائق التي يمكن اختصارها بالتالي:
– تركيا دولة إسلامية وانضمامها إلى الإتحاد الأوروبي، سيكون مقدمة لدخول أفواج إسلامية ضخمة إلى أراضي أوروبا، خصوصاً في ظل النمو السكاني المتراجع في دول الإتحاد في مقابل النمو السكاني في تركيا، التي قد توصل عدد المسلمين داخل أوروبا إلى نحو 100 مليون… وهذا ما تخشاه الدول الأوروبية حينما تتحدث عن الاختلاف الثقافي.
– تنظر دول الاتحاد الأوروبي إلى قوة تركيا الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي بين آسيا وأوروبا على أنها “تهديد” خصوصاً بعد أن أصبحت أنقرة منافساً قوياً لاقتصاد العديد من دول الإتحاد الأوروبي، وتحديداً بعد الحرب الأوكرانية التي أضعفت اقتصاديات أوروبا دون استثناء، ولم تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد التركي، الذي تخطى مفاعيل الأزمة الأوكرانية بأقل خسائر ممكنة، نتيجة السياسة المتوازنة التي انتهجها أردوغان حيال روسيا.
– الخوف من الثقل الديموغرافي لتركيا داخل الاتحاد، لأنّ ذلك سيتسبب مستقبلاً بما يعتبره الأوروبيون “خللاً” في آلية التصويت داخل مؤسسات الإتحاد الأوروبي.
دخول تركيا إلى الاتحاد سيجعلها في المرتبة الأولى إلى جانب ألمانيا من حيث عدد الأعضاء في البرلمان الأوروبي (96 مقعداً)، وستتحول فرنسا إلى المرتبة الثالثة (الثانية عملياً لتساوي تركيا وألمانيا بعدد الأصوات). وبذلك ستكون تركيا قادرة على التأثير في صناعة القرار السياسي والاقتصادي وحتى الثقافي داخل الاتحاد.
التسويف والتماطل هدف أوروبي
هذه الأسباب تظهر أنّ حصول تركيا على عضوية كاملة ضمن الإتحاد الأوروبي، هو أمر شبه مستحيل، وكلما تأخر الوقت أصبح الهدف أشدّ صعوبة للاعتبارات سالفة الذكر أعلاه، بمعزل عن هوية الرئيس الذي سيفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
لكنّ خسارة أردوغان ستكون بالنسبة إلى الأوروبيين، هي بمنزلة “إزاحة حجر عثرة” من طريق دول الإتحاد، وفرصة للتخلص من “خصم شرس” استطاع أن يضع بلاده على خريطة التوازنات العالمية، خصوصاً بعد الأزمة في أوكرانيا.
أمّا المفاوضات حول قبول تركيا عضواً في الاتحاد، فحتماً ستبقى معلّقة إلى أجل طويل، حتى لو فاز المعارضون في الرئاسة، وهو أمر يبدو مستبعداً حتى اللحظة.