أشارت صحيفة The Washington Post الأميركية، في تقرير نشرته أمس الإثنين، إلى أن وثيقة سرية جديدة تم الكشف عنها، بعد تسريبات طالت مئات الوثائق على يد عضو في الحرس الوطني، أوضحت أن “السي آي إيه” رفضت قيام أوكرانيا بشن هجمات شديدة على روسيا في ذكرى الحرب، وذلك يوم 24 شباط 2023.
وكشفت الوثيقة عن أنه ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، كان المسؤولون في كييف منشغلين بوضع خطط لمهاجمة موسكو. وفي واشنطن، كان المسؤولون يراقبون سراً خطط الأوكرانيين. وكان البيت الأبيض يشعر منذ فترة طويلة بالقلق من أن تؤدي الهجمات داخل روسيا إلى رد فعل عدواني من الكرملين.
في حين -وحسب الوثيقة المنشورة- فقد أصدر الميجور جنرال (اللواء) كيريلو بودانوف، رئيس مديرية المخابرات العسكرية في أوكرانيا، تعليمات إلى أحد ضباطه “بالاستعداد لضربات جماعية في 24 شباط… بكل ما تمتلكه مديرية المخابرات العسكرية من إمكانيات”، وفقاً لتقرير سري صادر عن وكالة الأمن القومي الأميركية. حتى إنَّ المسؤولين فكروا في شن هجوم بحري باستخدام مادة تي إن تي شديدة الانفجار في مدينة نوفوروسيسك المطلة على البحر الأسود، وهي عملية لها دلالة رمزية كبيرة كانت ستثبت قدرة أوكرانيا على ضرب أعماق أراضي العدو.
لكن في 22 شباط، قبل يومين من الذكرى السنوية للغزو، وزعت وكالة المخابرات المركزية الأميركية تقريراً سرياً جديداً، “وافقت مديرية المخابرات العسكرية الأوكرانية، بناءً على طلب واشنطن، على تأجيل الضربات” على موسكو. لكن الوثائق، وهي جزء من مجموعة من المعلومات السرية التي يُزعَم أنَّ عضواً في الحرس الوطني يبلغ من العمر 21 عاماً سرّبها على خادم ألعاب إلكترونية، لا تشرح بدقة من توسط في هذا التأجيل، ولماذا وافق الأوكرانيون عليه.
مع ذلك، تقدم هذه الوثائق مثالاً واضحاً عن التوتر الأوسع الذي ميّز الحرب؛ إذ تحرص أوكرانيا على جلب القتال إلى أرض روسيا، بينما تقيدها أحياناً الولايات المتحدة، التي حاولت تجنب تصعيد الصراع إلى قتال مباشر بين القوات الأمريكية والروسية. ويرى بعض المسؤولين الأمريكيين أنَّ الهجمات على روسيا، لا سيما إذا كانت تنطوي على أسلحة وفرتها الولايات المتحدة، هي عمليات محفوفة بالمخاطر للغاية قد يجدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شديدة التهديد لبلاده، لدرجة أنه قد يلجأ إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية.
مع ذلك، لا تزال روسيا تشهد انفجارات وضربات من طائرات بدون طيار غامضة. وغالباً ما يتكتم المسؤولون الأوكرانيون على هذه الحوادث، ملمحين إلى أنهم مسؤولون عنها دون نسب الفضل المباشر لأنفسهم.
إذ تقع العمليات على الأراضي الأجنبية ضمن اختصاص مديرية المخابرات العسكرية. ولا يعترف بودانوف، اللواء الطموح الذي يبلغ من العمر 37 عاماً والنجم الصاعد في الجيش الأوكراني، بأنَّ مديريته هي من تقف وراء الهجمات؛ لكنه حذر من أنها ستستمر.
في حين صرح بودانوف لصحيفة The Washington Post في كانون الثاني 2023، “لقد حطم هذا أوهامهم بالأمان. هناك أناس يزرعون المتفجرات، وهناك طائرات بدون طيار أيضاً. وحتى تستعيد أوكرانيا وحدة أراضيها، ستحدث مشكلات داخل روسيا”. ولم يُعلِّق المسؤولون الأمريكيون على الوثائق المُسرَّبة بشأن الضربات في الذكرى السنوية.
بيد أنَّ وساطة واشنطن قبل الذكرى السنوية للحرب لم تحقق على ما يبدو إلا نجاحاً جزئياً؛ فقد ذكر تقرير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “عدم وجود مؤشر” على أنَّ جهاز الأمن الأوكراني “وافق على تأجيل خططه لمهاجمة موسكو في نفس التاريخ تقريباً”. وبدوره، يشن جهاز الأمن الأوكراني، المسؤول عن أمن الدولة ويرفع تقاريره مباشرة إلى الرئيس، عمليات خاصة.
كذلك يبدو أنَّ أوكرانيا لم توقف نيرانها لفترة طويلة. فبعد أسبوع من الذكرى السنوية للغزو، اتهمت موسكو علناً كييف بمحاولة شن ضربات بطائرات بدون طيار على البنية التحتية في روسيا، بما في ذلك بالقرب من العاصمة موسكو.
في حين تظهر الوثائق السرية أنَّ أوكرانيا ما زالت تطمح لتوسيع ساحة المعركة إلى ما وراء أراضيها. فقد وضعت مديرية بودانوف خططاً لمهاجمة أعضاء مجموعة فاغنر العسكرية الروسية سيئة السمعة في مالي، إذ تقدم عناصر المجموعة المساعدة الأمنية للحكومة المالية وتُدرِّب جيشها، حسبما ورد في الوثائق. وكان لمجموعة فاغنر دورٌ محوري في الغزو الروسي لأوكرانيا وتقدم دعماً أساسياً على خط المواجهة للقوات العسكرية الروسية.