حول النهر الذي ساعد في تحديد تاريخ أوكرانيا وثقافتها وكان مورداً رئيسياً لحياة مواطنيها، إلى جبهة حرب أساسية تستغلها روسيا وتستهدف بها حياة المواطنين الأوكراني، وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”.
تشير الصحيفة إلى أن أصوات المدفعية تتردد ليلاً ونهاراً فوق نهر دنيبرو وهو يشق طريقه عبر جنوب أوكرانيا.
ومع تمركز القوات الروسية والأوكرانية على ضفتيه المتقابلتين، حل المقاتلون محل الصيادين وعلت أصوات طائرات الاستطلاع المسيرة في سماء المنطقة، فيما انتشرت الألغام على ضفاف المستنقعات القريبة.
يقسم النهر أوكرانيا لنصفين، ويمتد من حدودها الشمالية مع بيلاروسيا إلى البحر الأسود جنوباً، ماراً عبر كييف وخيرسون.
تقول الصحيفة إن “دنيبرو” يشكل جغرافية البلاد واقتصادها وثقافتها وهويته، واليوم يساعد في تحديد معالم المعركة، كما هو الحال منذ آلاف السنين.
قبل مئات السنين وقف النهر حاجزاً وساعد الجنود المدافعين عن البلاد ضد هجمات اليونان والفايكنغ والروس والألمان وغيرهم الكثير.
ولطالما كان “دنيبرو” المحرك الطبيعي لأوكرانيا، إذ يوفر المياه والنقل والطاقة والغذاء.
وتعد صناعة صيد الأسماك أمراً بالغ الأهمية لسوق الغذاء المحلي في أوكرانيا، إذ يوفر النهر وخزاناته نحو 80 في المئة من الصيد السنوي للبلاد، وفقاً لمجموعة الحفاظ على الطبيعة الأوكرانية.
تبين الصحيفة أن مخزون الأسماك نفق بسبب الحرب، بعد أن دمرت القوات الروسية سد نوفا كاخوفكا بمدينة خيرسون، مما تسبب بانخفاض مناسيب النهر بنحو 1.5 متر خلال الشتاء، وهو الأدنى منذ 30 عاما ويعتبر منخفضا جداً على الثروة السمكية.
فقد العديد من الصيادين مصدر رزقهم الرئيسي منذ بدء الغزو الروسي للبلاد العام الماضي، لأنهم باتوا غير قادرين حتى على صيد ما يكفي من الأسماك لإطعام أسرهم.
خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، تفاخر الاتحاد السوفيتي ببناء مجموعة من السدود الضخمة، أحدها كان الأكبر في قارة أوروبا، على نهر دنيبرو.
انتشرت محطات الطاقة الكهرومائية على طول النهر، وفي الثمانينات من القرن الماضي تم الانتهاء من بناء محطة للطاقة النووية، هي الأكبر في أوروبا، والتي تشكل الآن خطرا لأنها تقع على خط المواجهات.
قصفت موسكو مراراً وتكراراً محطات الطاقة المنتشرة على ضفاف دنيبرو مما تسبب في خسارة البلاد لجزء من قدرتها على توليد الكهرباء.
كذلك أدى انخفاض مناسيب المياه في النهر إلى تزايد القلق بشأن القدرة على تبريد محطات الطاقة النووية واستدامة الزراعة وتنظيم التدفق الموسمي للمياه، وفقا لدراسة نشرت في مجلة “نيتشر” العلمية في آذار الماضي.
وأظهرت الدراسة كيف أدت الهجمات الروسية على مرافق معالجة مياه الصرف الصحي في الأشهر الأولى من الحرب إلى تلوث المياه على نطاق واسع.
في الوقت نفسه، أصبحت الأنهار وقنوات الري، التي يستخدمها الجيشان كتحصينات طبيعية، مكاناً لدفن الذخائر العسكرية ما يزيد من خطر تسرب معادن ثقيلة ومتفجرات سامة لمياه النهر.