عماد الشدياق نقلاً عن “القدس العربي”
«الوقت ليس ملائماً لإجراء انتخابات»… بهذه العبارة، حسم الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي مصير الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا المنتظرة مطلع العام المقبل، فوافقته واشنطن سريعاً.
واشنطن أعربت عن دعمها لما قالت إنّه «ديمقراطية أوكرانيا»، ملمّحة إلى تفهّمها حقيقة مخاوف زيلينسكي من أنّ الظروف الراهنة ليست ملائمة لإجراء تلك الانتخابات، باعتبار أنّ ذلك «يتوافق مع دستور أوكرانيا».
الأحكام العرفية
وتشهد أوكرانيا جدلاً بين قياداتها حول احتمال إجراء تلك الانتخابات من عدمه، خصوصاً أنّ بموجب الأحكام العرفية المعلنة منذ بدء الحرب مع روسيا في شباط (فبراير) 2022، تُعتبر كل عمليات الاقتراع ملغاة حتى إشعار آخر.
وزارة الخارجية الأمريكية، قالت بلسان الناطق باسمها فيدانت باتيل بعد تصريحات زيلينسكي، إنّ التزام واشنطن تجاه كييف ليس لدعمها في القتال فحسب، بل أيضا لدعم مقاربتها الحذرة والدستورية من أجل إبقاء الديمقراطية «قوية في زمن الحرب».
لكن في المقابل، يبدو أنّ مخاوف زيلينسكي لا تأتي من عدم. كما أنّها ليست وليدة صدفة أو نتيجة حرصٍ فائضٍ على حسن سير الديمقراطية في البلاد، بل هي نتاج إشارات بدأت تتواتر إلى الرئيس الأوكراني منذ مدة، وهي احتمال خلق فرصة لسلام محتمل بين الدول الغربية وروسيا، وذلك على خلفية الصراع الدائر في الشرق الأوسط بين حركة «حماس» وإسرائيل، فيكون زيلينسكي بذلك ضحية، على الأرجح، لصالح رئيس أوكراني جديد ووسطي. وربّما من هذا المنطلق يرفض الرئيس الأوكراني الانتخابات.
كيف سيحدث ذلك؟
المعلومات تقول إنّ مسؤولين أمريكيين، حاليين وسابقين، مطلعين على بعض المناقشات الدائرة في أروقة البيت الأبيض، يؤكدون أنّ الإدارة الأمريكية مع بعض من شركائها الأوروبيين، استأنفوا «بهدوء» مناقشة محادثات سلام محتملة مع روسيا، تفرض على الأوكرانيين التخلي عن الحرب.
وفي هذا الصدد، تؤكد قناة «NBC» الأمريكية أنّ تلك المحادثات جرت الشهر الفائت، خلال اجتماع لممثلي الدول الداعمة لأوكرانيا. وهذه المحادثات سببها «مخاوف أمريكية – أوروبية» من بلوغ الصراع في أوكرانيا «طريقاً مسدوداً»، وذلك لعدم قدرة القوات الأوكرانية على مواصلة القتال، نتيجة الدفاعات الروسية القوية، وكذلك نتيجة تراجع حماسة الغرب عن تقديم المساعدات لأوكرانيا.
مخاوف الأوساط الغربية
وعليه، تلخّص الأوساط الغربية مخاوفها بما يلي:
1. تخشى الدول الغربية نفاد قوة كييف، خصوصاً في ظل ما تعتبره احتياطيات موسكو المالية والعسكرية التي «لا نهاية لها».
2. تراجع الدعم الشعبي للمساعدات المقدمة من الغرب إلى أوكرانيا، وذلك نتيجة تلاشي الآمال بنجاح كييف في هجومها المضاد، الذي بدأ بداية الصيف الفائت، وأثبت عجزه حتى الآن.
3. هبوط الاهتمام الدولي بالصراع في أوكرانيا، لصالح صراع آخر أكثر سخونة تصدّر المشهد الدولي، وهو الصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وحركة «حماس» الصديقة لموسكو، التي لا تنفك تبعث بإشارات إلى الغرب تفيد بأنّها تدعم الحركة سياسياً، وهي جاهزة لأن تقدم لها المساعدة على كل المستويات.
4. عدم قدرة الولايات المتحدة على تمويل صراعين رئيسيين في وقت واحد (أوكرانيا وإسرائيل)، خصوصاً أنّ واشنطن تعتبر أنّ معركتها الحقيقية والكبرى هي مع الصين، وليس أي دولة أخرى.
5. صدمة كييف بعد الاعتراف الغربي شبه الصريح بأنّ نصر أوكرانيا في مواجهة الجيش الروسي واستعادة أراضيها، لم يعد أمراً قابلاً للتحقيق، ما خلا الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي الذي يستمر بترديد هذه المعزوفة من باب الدعاية وجلب المساعدات.
6. إصرار زيلينسكي المستمر على الحصول على مساعدات، وتذمره لعدم كفايتها ثم مطالبته بالمزيد… فكل هذا دفع بالدول الغربية الداعمة لأوكرانيا إلى أن تضيق ذرعاً بسلوك زيلينسكي، وربّما تمنّيها التخلّص منه مستقبلاً، خصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت إقتصاديات دول أوروبية عدّة، نتيجة الحرب والعقوبات وتبعاتها المدمرة على الأوروبيين أنفسهم.
7. اعتراف قائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوزني، بأنّ أوكرانيا وصلت إلى طريق مسدود، ومن أجل الفوز في هذه الحرب فإن كييف ستكون بحاجة إلى «نقلة ثورية» في قدراتها القتالية، تشبه النقلة التي أحدثها اختراع البارود في الألفية الأولى (قُتل مساعد زالوزني قبل أيام بـ»هدية مفخخ» ولم يُعرف إن كان هذا التصريح والخلاف على الانتخابات مع زيلينسكي قد تسببا بموت مساعده).
8. ظهور إشارات تفيد بأنّ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بدأت فعلاً بتهيئة الرأي العام الغربي لتقبل حقيقة قد تكون صادمة ومُرّة لكنّها واقعية، وتقول: «أوكرانيا خسرت الحرب والسلام بات مطلوباً».
9. ميول الدول الغربية إلى استبدال زيلينسكي باعتباره «رئيسَ الحرب» بشخصية أخرى ربّما يُتفق على مواصفاتها فتكون صورةً لـ«رئيس سلام»، مستعدّ لأن يضحّي ببعض الأراضي الأوكرانية، لصالح كسب ما تبقى من أوكرانيا، وبذلك تحافظ الولايات المتحدة على ما تعتبره بذور محتملة لـ»مشروع مناهض لروسيا»، فاسحة بالمجال من خلال ذلك أمام كسب المزيد من الوقت في حرب الشرق الأوسط.
كل هذا يُدلل على أنّ الحرب في أوكرانيا ربما شارفت على نهايتها. بل اقتربت من «لفظ» زيلينسكي في حال اكتمل الاتفاق الغربي مع روسيا مستقبلاً.