في أعقاب التوتر الناجم عن مقتل القائد في “الحرس الثوري” الإيراني في دمشق، محمد رضا زاهدي، خرجت وسائل إعلام إسرائيلية، الجمعة، بتساؤلات حول ما إذا كانت العملية “محسوبة ومدروسة بشكل سليم”.
صحيفة “يسرائيل هيوم” قالت إن “القيادة السياسية الأمنية الإسرائيلية كانت تعاني من تقدير ناقص للحدث، ومن دون أن تقصد خاطرت بتحويل الحرب ضد (حماس) في غزة إلى حرب في الشرق الأوسط برمته”.
وبدا أنه في غياب قيادة إسرائيلية حكيمة أو متزنة، يركنون اليوم إلى قدرة الولايات المتحدة على علاج الأزمة المتفاقمة، على أساس أن الرئيس جو بايدن هو الأخ الأكبر الذي يقف إلى جانب الدولة العبرية مرة أخرى، رغم إحباطه من قيادتها.
ويعمل بايدن على دفع الإيرانيين لعدم الرد على عملية الاغتيال، أو أن يردوا بضربة خفيفة يكون بمقدور إسرائيل تقبلها من دون رد، ويقنعوا القيادة الإسرائيلية بعدم الرد أيضاً، وإن ردت فيكون ردها معتدلاً تستوعبه إيران، ولا يؤدي إلى اشتعال حرب إقليمية في المنطقة.
إيران “بطيئة”
بدوره، كتب كبير المعلقين في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم بارنياع، قائلاً: “إسرائيل تثأر بسرعة، وأحياناً بتسرُّع. أما إيران فتثأر ببطء. مر نحو شهرين على العملية الأميركية لتصفية قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني، عام 2020، إلى أن جاء الرد ضد قاعدة أميركية في العراق.
وأضاف بارنياع: “مر أكثر من شهر على اغتيال أمين عام (حزب الله) عباس موسوي على أيدي إسرائيل حتى جاءت العملية الجماعية ضد السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس في 1992”.
ورأى بارنياع أن “إيران أكثر استقراراً من إسرائيل”، وأن “دفترهم مفتوح واليد تسجل”، وأضاف: “الإيرانيون لم يأخذوا بثأرهم في الأيام العشرة الأولى على اغتيال زاهدي قبل نحو أسبوعين، لكن الدعوات للثأر انطلقت من كل منصة، بحدة وحماسة فاجأت المسؤولين في إسرائيل”.
وأضاف: “الأميركيون تحفزوا. في سلاح الجو يعملون على مدار النهار والليل للرد على كل ما يوجد في الترسانة الإيرانية: صواريخ باليستية، صواريخ جوالة، مسيّرات”.
وحاول بارنياع الموازنة بين الاحتمالين؛ أن يأتي الرد من وكلاء إيران، أو منها بشكل مباشر، وقال إن التحدي هو “إحباط الهجوم الأساسي، مع منح الإيرانيين الفرصة للادعاء بأن هدفهم تحقق”.
وتابع:”حملة إيرانية ناجحة جداً من شأنها أن تتدهور إلى حرب إقليمية.. حملة إيرانية فاشلة جداً ستستدعي حملة إيرانية إضافية”.
ويتابع بارنياع: “في الجيش الإسرائيلي يقدرون أن الإيرانيين سيحاولون ضرب منشأة عسكرية، وليس بلدات مدنية، لكن يمكنهم أن يصوبوا نحو منشأة عسكرية، ويخطئوا في التوجيه، ويتسببوا بقتل جماعي”.
وذكّر الكاتب بما وصفها زلة اللسان المحرجة لرئيس شعبة الاستخبارات (أمان): “الأسوأ لا يزال أمامنا (…) فهل الرضا عن تصفية عميد في الجيش الإيراني، مهما كان سافلاً، يبرر الجلبة؟ ليس مؤكداً”.
صدام مباشر
وفي صحيفة “هآرتس”، كتب المحرر العسكري عاموس هرئيل، أن “هجومين جويين في غضون 9 أيام يعكسان خطورة التورط الاستراتيجي الذي تعيشه إسرائيل في الشهر السابع للحرب ضد (حماس)، الأول المنسوب لإسرائيل في دمشق، والثاني في غزة”.
ويضيف هرئيل: “الحرب في القطاع انزلقت إلى مواجهة محدودة مع (حزب الله) في لبنان، وهي قد تؤدي الآن للمرة الأولى إلى صدام مباشر بين إسرائيل وإيران”.
ورأى هرئيل “عاملاً مشتركاً في الهجومين وهو انفعال غير منضبط للمستوى العملياتي أسفر عن صدى سلبي أوسع لعجز إسرائيل السياسي”، وأضاف: “قصة إيران أكثر دراماتيكية وإلحاحاً بعدما أثيرت الشكوك بأن الأمر سيخرج عن السيطرة قريباً”.
وذكّر هرئيل بعمليات اغتيال سابقة نفذتها إسرائيل وانتهت برد إيراني محدود، مثل اغتيال رئيس المشروع النووي الإيراني البروفيسور محسن فخري زادة في 2020، وشخص رفيع آخر في “الحرس الثوري” قُتل في بداية الحرب.
كذلك، قال هرئيل إنه “في معظم هذه الحالات هدد المتحدثون الإيرانيون بالرد، لكن الأمر انتهى بمحاولات هجوم صغيرة نسبياً ضد أهداف إسرائيلية في الخارج، لكن طهران هذه المرة بذلت جهوداً كبيرة للتوضيح بأنه جرى اجتياز الخطوط الحمراء، وأنها تنوي رفع السقف، وأنها استعدت لرد عسكري”.
واستعد جهاز الأمن الإسرائيلي على الفور ومثله الأميركيون، وكان الافتراض الرئيسي الاستخباري في ما يتعلق بإيران يفيد بأنه من “من المريح معرفة أن طهران معنية بتجنب حرب إقليمية شاملة تجرها هي أيضاً إليها وتكلفها الخسائر”. ولكن وفق التهديدات والتسريبات من إيران فإنها تفحص رداً مباشراً ضد إسرائيل، وليس بواسطة الوكلاء.
السؤال الآن: ماذا سيكون حجم الهجوم؟ وهل ستختار إيران أهدافاً ستبقي الطرفين تحت مستوى الحرب بينهما؟ الإجابة عن هذا تتعلق أيضاً بنجاح التنسيق الدفاعي مع قيادة المنطقة الوسطى الأميركية.
حرب علنية مباشرة
وفي صحيفة “يسرائيل هيوم” اليمينية، كتب المعلق العسكري يوآف ليمور، أن “الرد المتوقع على تصفية زاهدي كفيل بأن ينهي تقريباً 4 عقود من المواجهة السرية بين إيران وإسرائيل، وينقل الدولتين إلى مواجهة علنية من شأنها أن تتطور إلى حرب إقليمية”.
وأضاف ليمور أن “إيران امتنعت حتى الآن عن مهاجمة إسرائيل مباشرة، حتى عندما تعرضت لضربات لأصول كانت عزيزة عليها – بما في ذلك على أراضيها، لكن يوجد تغيير دراماتيكي في الاستراتيجية الإيرانية، لأن النية الآن هي مهاجمة إسرائيل مباشرة، لجباية ثمن منها”.
وأشار ليمور إلى حالة الاستنفار الإسرائيلية لمواجهة خطر الرد الإيراني، ولكنه يضيف: “تستعين إسرائيل في هذه المجالات بالولايات المتحدة التي تتسامى مرة أخرى عن الخلافات في المستوى السياسي، وتثبت أنها سند استراتيجي وشريك حقيقي”. (الشرق الأوسط)