اعتاد الخياط الفلسطيني أنور أبو كرش أن يوسع ملابس زبائنه في غزة، لكن بعد نحو ثمانية أشهر من الحرب الإسرائيلية المدمرة والمجاعة التي تسببت بها أصبح الآن يضيق هذه الملابس لتناسب أجسام الناس النحيلة.
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من مليون شخص يواجهون مستويات “كارثية” من الجوع في غزة، مشيرة إلى أن هناك مجاعة في أجزاء من القطاع.
كذلك، تراجعت إمدادات المساعدات إلى القطاع منذ أن بدأت إسرائيل عملياتها العسكرية في رفح هذا الشهر.
وقال أبو كرش، بحسب ما نقلته رويترز: “من مقاسات كبيرة لمصنع كبير، لماكينة صغيرة، وصرنا نضيق الأواعي (الملابس) لمقاسات صغيرة من قلة الأكل، من قلة الشرب، مفيشي حاجة الناس تاكلها، إنه كل العالم (الناس) عايشة ع المعلبات، المعلبات مفيشي فيها نصاحة (زيادة وزن) ولا فيها سكريات ولا فيها إشي”. وأضاف: “لو فيه سكريات الناس تاكلها بتنصح (يزيد وزنها) متضعفش (لا ينقص وزنها)، ما حد بيقيف أواعيه، ما حد بيصغر أواعيه. أو كل الناس أواعيها زي ما هي”.
وكان أبو كرش يعمل بينما كانت أم وأطفالها يقفون بالقرب منه ينتظرون أن ينتهي من تضييق ملابسهم. هنا، قالت المرأة التي عرفت نفسها باسم أم علاء أبو سميحة: “أنا وزني كان 90 كيلو وكنت أوسع أواعي، هالقيت (حالياً) صرنا نضيق أواعينا أنا وأولادي وأحفادي. فالحياة يعني متعبة لدرجة محدش يتخيل إنه نعيشها يعني في ها الأيام هادي”.
وأضافت: “مش بس إحنا يعني ضعفنا وخسينا ونزل وزننا، حتى هاي بنت بنتي تأثرت بالحرب وضعفت، وهي جبت أواعيها، هايني بأضيق لها البنطلونات تبعتها وبنضيق لها عشان يلبسوهن، الكل يعني تأثر بها الحرب هادي وكله بيخس وزنه من قلة الغذاء يعني، مفيشي زي أول أكل وشرب يعني، ولا غذاء زي الناس”.
وفي دير البلح بوسط غزة، عرض الناس صوراً التقطت لهم قبل الحرب لمقارنة مظهرهم بعد أشهر من الحرب، مع نزوح الجميع تقريباً من منازلهم، وكيف كانوا يتمتعون بصحة أفضل قبل أكتوبر /تشرين الأول. وعرضت أم أرشد السرسق صورة لابنها محمد البالغ من العمر خمس سنوات.
وقالت: “الصورة هادي لمحمد، خمس سنين، هادي صورته قبل الحرب. وبعدين ضعف كتير كتير كتير، وزنه خس كتير. يعني تقريباً الأواعي ملهوش غير غيارين عندي مش أكتر، بابدل هادي بهادي. ولما باحس إنه خس عن الأول باضطر إني آخدها ع الخياط وأقيفله إياها”.
ويأتي الهجوم الإسرائيلي على رفح في إطار حرب إسرائيلية مدمرة بدأت منذ السابع من تشرين الأول، وخلفت أكثر من 118 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.
وكانت المدينة الواقعة على الحدود مع مصر آخر مكان في غزة لم تدخله القوات الإسرائيلية بالقوة، وقد لجأ إلى رفح أكثر من مليون فلسطيني أجبرتهم الحرب على النزوح من منازلهم.
وحالياً، فقد فر معظم السكان، وتوجه العديد منهم إلى منطقة المواصي الساحلية خارج رفح حيث يعيشون في خيام أو أكواخ، وتوجه البعض الآخر إلى ركام منازلهم السابقة.
وتواصل إسرائيل هذه الحرب متجاهلة قراراً من مجلس الأمن يطالبها بوقف القتال فوراً، وأوامر من محكمة العدل تطالبها بوقف هجومها على رفح، واتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع أعمال “إبادة جماعية”، و”تحسين الوضع الإنساني” بغزة.
وفي خانيونس، على مقربة من رفح، كانت إكرام الحام تحتمي في خيمة بين الأنقاض مع أسرتها، فيما تتدلى الملابس من بقايا السقف المحطم.
وقالت الحام إن لهم في هذا المنزل ذكريات كثيرة، مشيرة إلى أنها أنجبت فيه خمسة أطفال وربتهم “بقلبي ودمي”، واصفة أطلاله المدمرة بأنها أصبحت كهفاً من الخوف.
وأوضحت إكرام أنها تنظر لمنازل الآخرين والأنقاض وتتساءل “متى ستعود فلسطين، أو حتى غزة؟”.
ونقبت إكرام بين الأنقاض وتفقدت الثلاجة القديمة للأسرة التي كانت تحتوي في السابق على طعام للأطفال الذين يعانون الآن من الجوع. وفي الليل، ومع عدم وجود كهرباء، يصبح الركام مخيفاً.
وأشارت إكرام إلى أنها كانت دائماً تجد الأطفال يلعبون في البيت وكانوا سعداء، أما الآن فلا ترى أحداً سعيداً. (رويترز – العربي الجديد)