أثار إعلان جماعة أنصار الله (الحوثيون) في أيار الماضي عن المرحلة الرابعة من التصعيد في حملتها البحرية المستمرة لدعم غزة، وتحذيرها من أنها ستوسع حملتها المستمرة من الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر لتشمل السفن في البحر الأبيض المتوسط الذي يقع على بعد حوالي 1770 كيلومتراً من أقرب منطقة في اليمن، اهتمام المجتمع الدولي والحكومة الأميركية التي تشعر بالقلق من أن الحوثيين لديهم القدرة على توسيع نطاق الضربات على الشحن خارج البحر الأحمر وخليج عدن إلى البحر الأبيض المتوسط، علماً أن 8 عمليات أخرى، نفذت من قبل الحوثيين باستخدام 15 صاروخا ومسيرة في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن والمحيط الهندي، فضلاً عن تنفيذهم عملية مشتركة مع “المقاومة الإسلامية في العراق”، استهدفت 4 سفن في ميناء حيفا في فلسطين المحتلة. وربطاً بما تقدم، وصلت السفينة الهجومية الأميركية “يو إس إس واسب” ووحدة العمليات الخاصة الاستكشافية رقم 24 إلى البحر المتوسط لتكون إلى جانب سفينة الإنزال الأميركية “يو إس إس أوك هيل” الموجودة في المنطقة. وسبق ذلك تهديد الأمين العام لحزب الله قبرص التي “ستكون جزءا من هذه الحرب أيضاً إذا فتحت مطاراتها وقواعدها أمام القوات الإسرائيلية”، كل ذلك خلق مخاوف من انزلاق المنطقة إلى نزاع إقليمي تمتد آثاره بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
إن التوترات بين البحرين الأحمر والمتوسط يمكن أن تكون لها بحسب ما يؤكد الأستاذ المتخصص في النقل البحري الدولي وسام ناجي لـ”لبنان24″، تأثيرات اقتصادية واجتماعية كبيرة على الدول الواقعة على ضفتي هذين البحرين وأولها التجارة والنقل البحري حيث يعتبران من أهم الممرات المائية للتجارة العالمية. ولذلك فإن أي صراع في هذه المناطق يمكن أن يؤدي إلى تعطيل حركة السفن، مما يرفع تكاليف الشحن والتأمين وهذا ما تظهر بوضوح بعد التصعيد الحوثي ناهيك عن ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً وتراجع صادرات النفط والغاز، هذا فضلا عن انخفاض السياحة ومداخيلها خاصة في مصر والأردن حيث تراجعت الإيرادات السياحية إلى مستويات مقلقة للاقتصاد الوطني وأثرت سلباً على النمو فسجلت مصر تباطؤاً اقتصادياً ملموساً وتراجعاً في الاستثمارات الأجنبية.
تتمتع الدول المطلة على خليج عدن ومضيق باب المندب بمميزات جيوسياسية، باعتبارها نافذة تطل بها على مدخل البحر الأحمر، فضلًا عن مميزات استراتيجية عديدة، منها الجزر المنتشرة غير المأهولة، وثروات البترول والغاز الكامنة في حوض البحر الأحمر، كما تتحكم تلك المنطقة الجغرافية في حركة التجارة العالمية، خاصةً النفط القادم من منطقة الخليج العربي والمتجه إلى أوروبا، وكذلك السفن المتجهة من موانئ دول الخليج العربي ودول جنوب شرق أسيا، إلى الدول المطلة على البحر المتوسط والقارة الأوروبية عبر قناة السويس.
وبناء على ما تقدم ففي حال تصاعد احتدام تعارض المصالح السياسية أو الاقتصادية أو ظهور أزمة بين تلك القوى الدولية والإقليمية، وبين الدول المشاطئة للبحر الأحمر،خاصة الصراع في الصومال واليمن وارتيريا والتواجد الإسرائيلي والايراني وهي عوامل متناقضة، كل ذلك سيؤدي حكما، بحسب ناجي، إلى اتساع الصراع ودخول أطراف أخرى فيه لمحاولة فرض إرادتها أيضًا وسيطرتها على مضيق باب المندب والحركة فيه ومن ثم إمكانية غلقه بحريًا، وبالتالي إفراز المزيد من التعقيدات والأزمات فى تلك المنطقة، وما يستتبعه ذلك من تأثيرات سلبية على حركة التجارة الدولية والاقتصاد العالمي وعلى أمن دول تلك المنطقة.
وإجمالًا، يمكن التأكيد أن أمن البحر الاحمر واستقراره يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمن الخليج خاصة السعودية إلى جانب بقاء قناة السويس واستمرارها مفتوحة للملاحة الدولية في المقام الأول، حيث يعتبر أمنهما وسلامتهما، واستمرار الملاحة فيهما، من أهم عوامل استقرار وأمن حركة السفن التجارية وناقلات النفط حول العالم، وكذلك استقرار سريان سلاسل الإمداد التجارية العالمية فى طريقها المعتاد والطبيعي بين دول الشرق والغرب، يقول ناجي.
أما على خط المتوسط ،فإن هناك 22 دولة يمثل البحر الأبيض المُتوسّط جزءًا من حدودها البحريّة، حيث تُطلّ 13 دولة من قارّة أوروبا على الناحية الشماليّة للبحر، وخمس دُول من قارة أفريقيا على الناحية الجنوبيّة منه، وأربع دُول من قارّة آسيا على الناحية الشرقية منه وهي إسبانيا وفرنسا وموناكو وإيطاليا وسلوفينيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود وألبانيا واليونان وتركيا وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، أما دولتا مالطا وقبرص فهما جزيرتان في المتوسط. من هنا، فإن أي شلل في الحركة البحرية سيؤدي حكماً، بحسب ناجي، إلى انهيار اقتصادي عالمي لا حدود له، إلى وقف كلي لتدفقات النفط والسلع الحيوية.
ومن هنا تكمن الناحية الاقتصادية والاجتماعية بين الشرق والغرب وبتحليل بسيط لما تعانيه الدول العربية المطلة على المتوسط من حروب وجماعات وتدمير ممنهج، يمكن التكهن، كما يقول ناجي، عن مقصد الدول الكبرى في إذكاء النزاعات وتشجيع الهجرة إلى أوروبا لتدميرها من الداخل اقتصاديا وديموغرافيا.