بينما ينظر العالم بترقب إلى الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان إذا كان سيتمكن من إخراج إيران من عزلتها الدولية وتنفيذ وعوده الإصلاحية داخليا، تتزايد الأسئلة حول توجهاته الحقيقية وتأثيرها على مستقبل البلاد.
ففي انتصار حاسم وسط توترات داخلية ودولية متصاعدة، فاز مرشح الإصلاحيين مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، متغلباً على منافسه المتشدد سعيد جليلي.
وأراد بزشكيان أن يبعث برسالة هامة عبر اختيار مرقد “الإمام الخميني”، ليكون أول منصة لأول خطاب له في السلطة، حيث وفرت وكالة الأنباء الإيرانية الحكومية الجهد على المحللين بالتأكيد على أن الذهاب للمرقد كان “لتجديد الولاء والعهد مع مبادئ مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران”.
وخلال حملته، دعا بزشكيان إلى تحسين العلاقات بين إيران والدول الغربية وعلى رأسها أميركا على أساس الأركان الثلاثة المتمثلة بـ”العزة والحكمة والمصلحة”، كما أصدر وعودا بإعادة النظر إلى قوانين الحجاب وبعض القيود الاجتماعية.
وقال بزشكيان خلال خطاب النصر إنه سيفي بالوعود التي قطعها، كما كتب بزشكيان على منصة إكس: “لقد انتهت الانتخابات، وهذه مجرد بداية لمصيرنا المشترك. إن الطريق الصعب الذي أمامنا لن يكون سلسًا إلا برفقتكم وتعاطفكم وثقتكم، أمد يدي إليكم، وأقسم بشرفي أنني لن أترككم وحدكم في هذا الطريق، فلا تتركوني وحدي”.
ومن جهة عليا، أصدر خامنئي الزعيم الذي يمسك فعليا بالسلطة، نصيحة للرئيس الجديد بـ”مواصلة مسيرة الشهيد رئيسي، والاستفادة إلى أقصى حد من مقدرات البلاد الكثيرة، وخاصة الموارد البشرية الشابة والثورية والمخلصة، من أجل رفاهية الشعب وتقدم البلاد”.
بحسب محسن مهيمني، الصحفي في شبكة إيران إنترناشونال المعارضة، فإن قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أقره البرلمان قبل 14 عاما، وينص على فرض غرامات مالية ونفي وسجن المواطنين، عند مقاومة ومواجهة تدخل رجال الأمن في طريقة لباس المرأة وظهورها في المجتمع، لم يقترحه الأصوليون أو سعيد جليلي، وإنما “النائب عن تبريز مسعود بزشكيان”.
ووافق البرلمان الإيراني على هذا المقترح في حزيران عام 2010، وهي خطة وقّع عليها بزشكيان مع 102 من أعضاء البرلمان الآخرين، بحسب مهيمني.
وتدعو هذه الخطة إلى التذكير الشفهي والكتابي وتقديم الشكاوى إلى السلطات الحكومية بشأن القضايا المثيرة للجدل، مثل: “الحياء العام” و”الأمن الاجتماعي” و”القيم والحدود الإسلامية” باعتبارها “واجب الجميع”، وفي المرحلة التالية يضطلع النظام بتطبيقها بمفرده.
وينص مقترح القانون، الذي وافق عليه بزشكيان، على السماح بالحكم على المواطنين بالغرامات المالية والسجن والنفي، و”هو السبب الرئيس لحرب الشوارع ضد النساء في إيران”، بحسب مهيمني.
وأضاف مهيمني:”على الرغم من دوره في إقرار مثل هذا القانون، فإن مسعود بزشكيان ظهر في المناظرات الانتخابية الرئاسية كأنه مناصر للمرأة وضد فرض الحجاب، ويحاول استقطاب المحتجين من خلال اختيار عبارات تبدو أنها ضد شرطة الأخلاق ودورها، لكن مضمون عباراته يحمل إنكار حرية المرأة وحقها في الملبس، وهو يسير يدًا بيد مع النظام في هذا الاتجاه، بأن عدم ارتداء الحجاب أمر غير مرغوب فيه، والفرق الوحيد هو أنه يناقش طريقة فرضه”.
واعتبر مهيمني أن “بزشكيان ليس مع حرية لباس المرأة، كما يحاول أنصاره ومؤيدوه الإصلاحيون تقديمه والترويج له، كما أنه ليس ضد دورية شرطة الأخلاق، ولكن المشكلة، كما يؤكد هو نفسه، هي أن خطة نور لقوات الشرطة كان ينبغي تنفيذها بشكل تجريبي في مدينة أو محافظة”.
وبحسب مهيمني، يكشف توقيع آخر لـ “بزشكيان” في البرلمان الإيراني عن موقفه من الركائز الأساسية للسلطة، “فعندما صنفت الحكومة الأميركية الحرس الثوري، منظمة إرهابية، في عام 2019، ألزم بزشكيان، بصفته نائبًا في البرلمان، النظام الإيراني باتخاذ إجراءات في إقرار ما يُسمى تعزيز موقع الحرس الثوري الإيراني ضد الولايات المتحدة، مما أدى إلى مزيد من تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة”.
والقضية بحسب مهيمني “أصبحت متناقضة عندما وعد، بصفته ناقدًا ومحتجًا على الوضع الحالي للبلاد، والذي يلعب فيه الحرس الثوري الإيراني دورًا كبيرًا بالطبع، بتغيير هذه الأوضاع الراهنة”.
وربما سيحاول بزشكيان بحكم مسؤوليته كرئيس ممثل للناخبين الذين انتخبوه على أساس وعوده “الإصلاحية” أن يحاول التخلص من الماضي والتعامل بما يقتضيه منصبه الجديد، لكن إلى أي مدى يستطيع أن يخرج من عباءة المرشد.
أمام هذا المشهد، يتساءل الكثيرون عن إمكانية تحقيق بزشكيان للوعود والتي تبدو في مسار أكثر اعتدالا من الخط الذي وضعه المرشد علي خامنئي.
ويقول ديفيد سانغر، المحلل السياسي والأمني لدى شبكة سي إن إن: “هذا ممكن، لكنني أعتقد أنه سيكون صعباً”.
وأشار سانغر إلى أن هذا الدعم يعكس رغبة الناخبين في إنهاء العزلة.
رغم هذا الدعم، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان للرئيس الإيراني السلطة الكافية لتنفيذ تغييرات جذرية.
وأشار سانغر إلى أن الحكومة الإيرانية، التي تقيد الانتخابات ولا تقرر نتيجتها بشكل مباشر، قد سمحت لبزشكيان بالفوز لتهدئة الغضب الشعبي المتزايد ضد الحكومة الحالية.
واعتبر سانغر أن “المنافس السابق لبزشكيان، السيد جليلي، الذي كان مفاوضًا نوويًا سابقًا، كان من المتشددين الحقيقيين، وهذا يبرز التحديات التي ستواجه بزشكيان في سعيه لتغيير مسار السياسة الإيرانية والتعامل مع القوى المحافظة التي تعارض التغيير”. (سكاي نيوز)