لعبت طريقة التعاطي المختلفة للرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان في حملته الانتخابية مع ملفات السياسة الخارجية الإيرانية وتحدياتها ووعوده بإصلاحات، دوراً كبيراً وربما حاسماً في إيصاله إلى سدة الرئاسة الإيرانية بوصفه أول رئيس إيراني إصلاحي منذ نحو عقدين احتكر فيهما المحافظون والمعتدلون المنصب، ما يجعل فوزه محملاً برسائل ودلالات للداخل الإيراني والخارج، وبتساؤلات أيضاً عن توجهاته في السياسة الخارجية الإيرانية خلال المرحلة المقبلة.
وكان محور حملة بزشكيان الانتخابية رفع العقوبات الأميركية عبر الوصول إلى تسوية مع واشنطن و”التعامل البناء” مع العالم والمنطقة، ولعل هذا ما كان الناخبون الإيرانيون، الذين يئنّون تحت وطأة الأزمات الاقتصادية المرتبطة بالعقوبات التي تعد أحد أهم ملفات إيران الخارجية، يبحثون عنه في رئيسهم القادم.
وبالرغم من أن المرشد الإيراني، علي خامنئي، هو من يضع الخطوط العريضة للسياسة الخارجية للبلاد يبقى للرئيس دوره الهام في صناعة القرار أيضاً، فهو رئيس مجلس الأمن القومي المخول برسم قرارات البلاد الاستراتيجية في السياسات العليا داخلياً وخارجياً.
كذلك، تُظهر تجارب حكم الرؤساء بعد انتصار الثورة الإسلامية، في عام 1979، توجهات مختلفة في سياسات إيران الخارجية تحت سقف الخطوط العريضة التي يضعها المرشد، بحيث تميز كل عهد رئاسي من الآخر، وعلى سبيل المثال وليس الحصر كان عهد الرئيس السابق حسن روحاني (2013 – 2021) يمثل استدارة إيرانية نحو الانفتاح في العلاقات مع الغرب وكان الاتفاق النووي ثمرة ذلك، بينما كان عهد الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي عهد الاستدارة نحو الشرق وتعزيز العلاقات مع الصين وروسيا، فضلاً عن أن العلاقات الإيرانية في عهد الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي كانت مختلفة عن عهد الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد.
ويرى الخبير الإيراني هادي برهاني أن اختيار بزشكيان رئيساً لإيران سيدشن “فصلاً مهماً ومختلفاً” في علاقات إيران مع المنطقة، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد” أن ذلك “يدعم بقوة انفتاح إيران على العالم ويرى أن ذلك هو السبيل الوحيد لخوض إيران مسيرة التنمية والرخاء الاقتصادي”.
ويتوقع برهاني استبدال حكومة بزشكيان في سياساتها الإقليمية الأولويات الإيديولوجية والسياسية بأولويات اقتصادية وتكنولوجية مؤكداً أن بزشكيان “يريد المصالحة مع العالم وحل الخلافات مع الدول” حيث ستشكل العلاقات بدول المنطقة أولوية سياسة إيران الخارجية،.
وأكد برهاني أنه على قناعة بأن “الانفتاح على العالم يبدأ من المنطقة ومنها ينتقل إلى مناطق أبعد جغرافياً”، لافتاً إلى أن بزشكيان خلال حملته الانتخابية “أكد مراراً رفضه الهجمات على السفارة السعودية والسفارة البريطانية في طهران خلال العقد الماضي في تعبير عن قناعته الفكرية والسياسية بأهمية العلاقات مع الجيران.
ويتوقع برهاني أن يبتعد الرئيس الإيراني المنتخب عن سياسات إقليمية “مدفوعة بالتعصب المذهبي والقيم الثورية”، انطلاقاً من “نظرته الإيجابية بشأن الدول السنية” في المنطقة، يعكسه تأكيده المستمر ضرورة مراعاة حقوق السنة في إيران والأكراد والعرب والبلوش وزيادة حصصهم في الحكومة، ويرى برهاني أن بزشكيان سيسعى للمزيد من التقارب مع دول المنطقة و”فوزه يشكل فرصة غير مسبوقة لتوسيع علاقات إيران في المنطقة”، لافتاً إلى أن أغلبية الشارع الإيراني مستاءة من السياسات المؤدلجة وعزلة إيران في العالم والمعضلات الاقتصادية وراغبة في حل الخلافات والانفتاح مع العالم.
غير أن الطريق أمام تنفيذ وعود بزشكيان بشأن السياسة الخارجية ليس معبداً وتنتظره تحديات داخلية كبيرة، منها وقوف المحافظين ومؤسسات سيادية أخرى له بالمرصاد إن اتخذ منهجاً يعتبرونه متعارضاً مع خط الثورة.
إلا أن برهاني يعتقد أن هناك حرصاً إيرانياً على نجاح الرئيس “بقية مؤسسات الدولة في إيران تفضّل نجاح حكومة بزشكيان المقبلة في العبور بالبلاد من هذه الظروف الصعبة نتيجة الاستياء الواسع في البلاد والضغوط الاقتصادية والدولية”.
وكان بزشكيان قال في مقابلة سابقة مع “العربي الجديد” إن أولويته هي “الأخوة والانسجام مع الدول العربية والإسلامية، والوصول إلى لغة مشتركة معها، ثم مع بقية الدول”، مضيفاً أن سياسته الخارجية هي التواصل مع العالم كله على أساس “مبادئ العزّة والحكمة والمصلحة، باستثناء إسرائيل”، مضيفاً أنه “إذا ما أردنا العمل وفق هذه السياسة، فيجب أن يكون سلوكنا مناسباً مع الجميع، وأن ننسج علاقة جيدة مع الجميع على أساس العزّة والمصلحة”، مؤكداً أنه “كلما حسَّنّا العلاقات الخارجية، اقتربنا من تلك المبادئ، لكن كلما زادت التوترات، ابتعدنا عنها، وازداد الوضع سوءاً”.
ويحمل فوز بزشكيان رسالة واضحة للأطراف الدولية أن “رئيس إيران يريد التعامل وحل مشكلات الدبلوماسية الإيرانية”، كما قال رئيس تحرير موقع الدبلوماسية الإيرانية، علي موسوي خلخالي لـ”العربي الجديد”، مضيفاً أن انتخاب الإصلاحي بزشكيان، بحسب ما أعلنه أيام حملاته الانتخابية، يعني “استعداد إيران للتعامل مع الغرب بشأن القضايا الخلافية، مثل الملف النووي والاتفاق النووي والعلاقة مع أوروبا والتعاون التسليحي مع روسيا”، موضحاً أن “فوز بزشكيان يوجه رسائل ومؤشرات إيجابية إلى الغرب بأن الحكومة الإيرانية المقبلة ستعمل على حل الأزمات في العلاقات مع الغرب”.
كذلك، يرى خلخالي أن اختيار بزشكيان سيخفف من الضغوط الغربية على إيران بخصوص حقوق الإنسان حيث إن “الرئيس المنتخب أطلق وعوداً بشأن الحقوق الاجتماعية وحقوق النساء وحل المشكلات في المجالين”.
وعن علاقات إيران مع الشرق، أي روسيا والصين، يرى موسوي خلخالي أن المرشح الفائز “سيعمل كما وعد على تحقيق التوازن في العلاقات بين الشرق والغرب”، مستبعداً اتخاذه خطوة باتجاه الابتعاد عن الشرق بما يخالف السياسات العليا للجمهورية الإسلامية، وأشار إلى أن عضوية إيران في مجموعات مثل “بريكس” و”شنغهاي للتعاون” تكتسب أهمية كبيرة والبلاد لا تريد ضياع هذه الفرصة.
ويخلص خلخالي إلى أن تصويت الشارع الإيراني لبزشكيان يعكس “رغبة الشارع في تغيير مسار السياسة الخارجية الإيرانية لأجل رفع العقوبات الذي يشكل مطلباً عاماً”، مضيفاً في الوقت ذاته أنه “من المبكر الحديث عن أن بزشكيان سينجح في حلحلة الملف النووي والقضايا الإقليمية وكثير من القضايا الأخرى”. (العربي الجديد)