زاد مستوى المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، مقارنة بالجولة الأولى بنحو 10%، وإجمالي المشاركة بلغ ما يقارب 50%، وعدد الأصوات 35 مليونا و530 ألف صوت، وحصد مسعود بزشكيان 16.384.000 صوت منها ليتفوق على منافسه سعيد جليلي الحائز على 13.538.000 صوت، وبفوز بزشكيان عاد الإصلاحيون إلى الحكم من بوابة السلطة التنفيذية مرة أخرى.
وبعد فوز الرئيس الإصلاحي المعتدل بزشكيان، بدأت التكهنات حول تركيبة حكومته التي سيعرضها على البرلمان الأصولي لكسب الثقة، ومن المتوقع أن يواجه الرئيس بصفته رئيس السلطة التنفيذية تحديا حقيقيا من قبل السلطة التشرعية التي قد لا توافق على شخصيات إصلاحية محددة.
إلى ذلك، قد يضطر الرئيس المنتخب للتعاون مع الأصوليين، وبالتالي سيشكل حكومة شبيهة بحكومة حسن روحاني من حيث التركيبة، والتي جمع فيها الأخير الأصوليين والإصلاحيين والمعتدلين حتى يتيح البرلمان الفرصة لتشكيل حكومته.
وحسب موقع “تابناك” الأصولي، هناك نظرة متشائمة في الأوساط السياسية ترى أن حكومة الطبيب الجراح بزشكيان ستشكل على عجالة، ونظراً للتحديات لن تصمد طويلاً، ومن يؤمن بهذه النظرة المتشائمة يعتبر البرلمان الثاني عشر بمثابة مركز التحدي بأي ثمن وبمختلف الأعذار لحكومة بزشكيان وأعضاء حكومته.
وبالرغم من ذلك يتمتع بزشكيان بشخصية تصالحية مسالمة تجعله يفضل الأخذ والعطاء بدلا من الشد والجذب مع البرلمان، وبهذا يستطيع أن يمد الجسور مع كل الفئات، ولكن المبالغة في ميزة التصالح ستأتي بنتائج عكسية قد تؤدي إلى فشل الحكومة وتراجعها أمام تيار متشعب في مفاصل الدولة الإيرانية.
ومن ناحية أخرى، يرى الكاتب الصحافي الإيراني بيجمان طهوري في موقع “إيران واير” أن ارتفاع عدد الأصوات في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية شكل حدثا غير مسبوق، حيث جرت العادة أن تتراجع نسبة الأصوات في الجولات الثانية في الانتخابات.
ويعود الاستقطاب الذي شهدته الانتخابات في الجولة الثانية، إلى وقوف الناخبين بين خياري جبهة الإصلاح أو جبهة التشدد، مما أدى إلى زيادة عدد الناخبين في الجولة الثانية. وفي الواقع، فقد أظهر الشعب بانتخابه بزشكيان أنه لا يريد إبقاء السلطة التنفيذية بيد الأصوليين المتشددين.
ويمكن أن نستشف من هذا الاستنتاج أن الرئيس المنتخب يستند إلى أصوات منحت شرعية للنظام كما كرر المرشد الإيراني، علي خامنئي، فضلاً عن انتخاب بزشكيان رئيسا للجمهورية الذي بإمكانه المناورة بهذه الورقة أمام الأصوليين المتشددين.
ومع إعلان فوز بزشكيان، تتجه الأنظار إلى تركيبة حكومته والتغييرات التي قد تطرأ على الساحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إيران على المدى المنظور.
ومن خلال مراجعة تصريحات بزشكيان في المناظرات والمقابلات والخطب الانتخابية نستشف تأكيده على التالي:
– يجب أن نضع الخلافات الداخلية جانباً ونحاور بعضنا البعض
– لا يمكن إدارة البلاد بواسطة تيار واحد
– أنا صوت من لا صوت له وسأتابع مطالب الـ 60% الذين قاطعوا الانتخابات
– سنبني إيران معا
-المساواة بين جميع القوميات
-الدفاع عن حقوق المرأة
-متابعة المفاوضات النووية
-تطوير العلاقات الدولية عبر الحوار
-مكافحة الفقر.
ولوحظ خلال حملة بزشكيان الانتخابية حضور إصلاحيين وأصوليين ومعتدلين في مقره الانتخابي. وعلى ضوء ذلك وحسب تقديرات الخبراء في الشأن الإيراني، فإن هذا الحضور مؤشر على أن حكومة بزشكيان المرتقبة ستكون حكومة “وحدة وطنية” أو حكومة “مصالحة وطنية” بمسحة تكنوقرط، وسيشكل الإصلاحيون والمعتدلون النواة في الكابينة التي سيعرضها على البرلمان الخاضع لسيطرة الأصوليين.
وعلى ضوء ذلك، ازدادت التكهنات حول قائمة بزشكيان التي سيقترحها على البرلمان بعد تأييد صحة الانتخابات من قبل مجلس صيانة الدستور وتفويض حكم الرئاسة من قبل المرشد وأداء القسم أمام البرلمان.
ويعد الرئيس في إيران من الناحية الدستورية الشخص الثاني في البلاد بعد المرشد الأعلى الذي يتمتع بسلطات مطلقة، وعند اختيار الوزراء للوزارات السيادية من قبل الدفاع والداخلية والخارجية والاستخبارات والنفط يضطر الرئيس لاستشارة المرشد بهذا الخصوص.
السياسة الخارجية
وتشكل السياسة الخارجية الجانب الأكثر وضوحا في حكومة الرئيس الإيراني المنتخب نظرا للدور الذي لعبه وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف كمستشار لبزشكيان خلال حملته الانتخابية، وقد لا يرغب جواد ظريف شخصيا في العودة إلى وزارة الخارجية، لكن ستكون له كلمة حاسمة في اختيار وزير الخارجية بالتأكيد. ومن الأسماء المطروحة وفي مقدمتها عباس عراقجي مساعد وزير الخارجية ظريف في حكومة روحاني، وهناك أسماء أخرى من قبيل، محمد صدر، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية في حكومة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، وعلي أكبر صالحي، وزير خارجية محمود أحمدي نجاد. ومن المتوقع أن تدار السياسة الخارجية من قبل مستشار بزشكيان المحتمل جواد ظريف، ولكن من المرجح ألا يوافق البرلمان على ظريف في منصب وزير الخارجية إلا أنه قد يعين من قبل الرئيس المنتخب مستشارا له.
الشؤون الاقتصادية والطاقة
الجزء الأكثر حساسية في مجلس الوزراء هو الفريق الاقتصادي الحكومي، المكون من وزير الاقتصاد والمالية، ووزير الطرق والإسكان والتنمية الحضرية، ووزير الصناعة والتعدين والتجارة، ووزير الجهاد الزراعي، والبنك المركزي ومديرية التخطيط والإدارة، وليس من الواضح من سيدير أيا من هذه الوزارات، ولكن من المتوقع أن يدير الفريق الاقتصادي لبزشكيان علي طيب نيا، الذي سبق أن شغل منصب وزير الاقتصاد في حكومة روحاني، والاسم الآخر المطروح في القطاع الاقتصادي، حسين عبده تبريزي، وهو أحد أهم المستشارين الاقتصاديين لبزشكيان، ومن المحتمل تعيينه كمستشار أعلى للرئيس في الشؤون الاقتصادية، ويتردد في الأوساط السياسية اسم بيروز حناجي، عمدة طهران السابق، كأحد الخيارات الجادة لوزارة الطرق والإسكان والتنمية الحضرية في حكومة بزشكيان.
وحول وزارتي النفط والطاقة، ويمكن أن يرشح الرئيس الإيراني، حميد تشيتجيان، لمنصب وزير الطاقة، خاصة أن بزشكيان كان قد احتج كنائب في البرلمان على إبعاده من التشكيلة الوزارية في حكومة روحاني، معتبرا أن تشيتجيان وزير ناحج.
الشؤون الاجتماعية والثقافية
إحدى المشاكل التي تواجه الحكومة المقبلة هي مكافحة الفقر والأضرار الاجتماعية الناجمة عنه والمشاكل الكبرى والصغرى في مجال الصحة والتعليم في البلاد، خاصة أن هذا المجال بإمكانه تحديد مدى نجاح أو فشل الحكومة.
والمرجح أن يقود أحمد ميدري وزارة العمل والتعاون والرعاية الاجتماعية. واحتمال وجود امرأة في منصب وزاري بحكومة بزشكيان وارد جدا، وقد يتم تسليم وزارة الصحة والعلاج أو وزارة التعليم والتربية لسيدة، فعندما كان نائبا لرئيس البرلمان الإيراني انتقد بزشكيان الرئيس السابق روحاني لأنه لم يرشح النساء لمناصب وزارية، والأسماء النسوية المحتملة هي معصومة ابتكار وفاطمة بهنوائي وسورنا ستاري.
ومن المرجح أيضا ترشيح المساعد السابق لوزير الثقافة، حسين نظامي، أو وزير الثقافة في حكومة خاتمي، أحمد مسجد جامعي، أو وزير الثقافة في حكومة روحاني، رضا صالحي أميري، أو نائب رئيس البرلمان السابق علي مطهري، لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.
الاستخبارات والاتصالات والأمن
كان حضور محمد جواد آذري جَهرُمي، وزير الاتصالات وتقنية المعلومات في حكومة حسن روحاني، بارزا ومؤثرا في حملة بزشكيان الانتخابية، فمن المحتمل ترشيحه لنفس الوزراة مرة أخرى أو لأي منصب آخر في حكومة الرئيس المنتخب. ومن الوزارات والدوائر المهمة للغاية التي قد تحال إلى آذري جهرمي وزارة الرياضة والشباب، أو المجلس الأعلى للفضاء السيبراني”.
أما وزارة الاستخبارات فقد يعود على رأسها محمود علوي الذي شغل هذا المنصب في حكومة روحاني أيضا، والاسم الآخر المطروح هو علي يونسي وزير الاستخبارات في حكومة الرئيس الإصلاحي خاتمي. وقد يرشح بزشكيان، مجيد أنصاري مساعد الشؤون البرلمانية في حكومتي خاتمي وروحاني، والعضو السابق في مجلس خبراء القيادة محسن إسماعيلي، ووزير الداخلية السابق وأحد منافسي بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة مصطفى بور محمدي، كخيارات لوزارت الاستخبارات والعدل والداخلية.
ومن المتوقع بخصوص تركيبة حكومة مسعود بزشكيان أن تضم امرأة كنائبة للرئيس لشؤون المرأة، فضلا عن ترشيح امرأة لمنصب وزير.
وقد يختار الرئيس الإيراني مواطنا من أهل السنة في الحكومة، رغم معارضة شديدة قد يواجهها بهذا الخصوص.
ومن المتوقع اختيار مسؤول لشؤون القوميات غير الفارسية في الحكومة خاصة أن بزشكيان ينتمي للقومية التركية الآذرية وصوتت معظم المحافظات غير الفارسية لصالحه.