اتهم مسؤولون فرنسيون مرار روسيا باستهداف بلادهم عن طريق الدعاية على مواقع التواصل الاجتماعي، ومحاولة توجيه الرأي العام، قبيل الانتخابات البرلمانية، والتشكيك في قدرة باريس على استضافة الألعاب الأولمبية المقبلة.
وعلى مدى أشهر، انتشرت صور في المنصات الاجتماعية بفرنسا، تحمل إشارات معادية للسامية، مثل الأيدي الحمراء الدموية على نصب تذكاري للمحرقة، وأخبار كاذبة عن حملة تجنيد عسكرية فرنسية إجبارية نحو أوكرانيا، وغيرها من الأخبار المضللة.
واعتمدت تلك الحملة على صور واقعية، جرى أخذها لبعض المواقف التي تنشر بشكل واضح العداء داخل المجتمع الفرنسي مثل حادثة الأيادي الحمراء في النصب التذكاري للمحرقة، ونجمة داوود الزرقاء على جدران بعض المنازل.
ولم تكن للعلامات وأعمال التخريب تلك صلة مباشرة بالحرب الروسية في أوكرانيا، لكنها أثارت ردود فعل قوية من الطبقة السياسية الفرنسية، مع إدانات في المجلس التشريعي.
ولم يكن القصد من ظهور نجمة داود دعم إسرائيل أو معارضتها في خضم الحرب في غزة، بقدر ما كان التأثير وزرع البلبلة والانقسام والقلق في أوساط الفرنسيين، وفق وسائل إعلام فرنسية.
وقد وجد اليهود الفرنسيون على وجه الخصوص أنفسهم مندفعين عن غير قصد إلى المعمعة السياسية على الرغم من أن عددهم لا يتجاوز 500 ألف نسمة، وهم يشكلون نسبة صغيرة من السكان الفرنسيين، وفق تعبير أسوشيتد برس.
في حديث مع موقع “الحرة”، قال المحلل الفرنسي، الباحث في العلاقات الدولية، جان بيار ميلالي إن تلك الحملة “جاءت ردا على موقف باريس، وبخاصة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيال الحرب على أوكرانيا”.
وكانت وزارة الخارجية الفرنسية، قالت في بيان، شهر مايو الماضي، إن موسكو “تواصل، من خلال الهجمات السيبرانية والإجراءات المختلطة، مناوراتها العدوانية التي تهدف إلى زعزعة استقرار البلدان الأوروبية”. وتابعت “ستواصل فرنسا دعم أوكرانيا على المدى الطويل في دفاعها عن سيادتها وسلامة أراضيها ضد العدوان الروسي”.
لماذا؟
تلك المواقف، كانت جزءا من حملات تضليل روسية منظمة، استهدفت فرنسا، وفقًا لمسؤولين فرنسيين وخبراء في الأمن السيبراني في أوروبا والولايات المتحدة، تحدثوا لوكالة أسوشيتد برس، التي قالت إن تعجيل إجراء الانتخابات التشريعية الفرنسية ودورة الألعاب الأولمبية في باريس أدى إلى مضاعفة محاولات التضليل.
تعليقا على ذلك، قال ميلالي متحدثا لموقع “الحرة” إن من المؤكد أن موقف الرئيس ماكرون المناوئ للتحرك الروسي في أوكرانيا أثار غضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأن ذلك قد يكون السبب وراء الحملة الروسية ضد باريس.
ولفت إلى أن ماكرون قال في فبراير الماضي خلال مشاركته في مؤتمر دعم أوكرانيا الذي ضم 20 دولة، إنه لم يعد يستبعد أي شيء في دعم أوكرانيا بما في ذلك إرسال قوات برية.
لكن المحلل الروسي، ألكسندر أنريفيتش كوزنيتسوف، قال إنه على المستوى الرسمي، “لم تعط موسكو أي إشارة عن رغبتها في التدخل في ما يحدث بفرنسا أو التأثير على الناخبين”، مشيرا إلى أن وسائل الإعلام الروسية هي من انتقدت باريس وليس النظام في موسكو.
وقال في اتصال مع موقع “الحرة” “ليس هناك ما يدل على أن موسكو حاولت التدخل في الانتخابات الفرنسية”.
بداية القصة
بدأت الحملات الروسية لزرع معلومات مضللة مناهضة لفرنسا عبر الإنترنت في أوائل صيف عام 2023، لكنها أصبحت ملموسة لأول مرة في أكتوبر، وفق أسوشيتد برس، عندما نقل أكثر من 1000 روبوت مرتبط بروسيا صورًا لنجمة داود مطبوعة على الجدران في باريس وضواحيها.
وذكر تقرير للمخابرات الفرنسية أن وكالة المخابرات الروسية FSB دبرت عمليات وضع العلامات المعادية لليهود في بايرس، بالإضافة إلى تخريب النصب التذكاري لأولئك الذين ساعدوا في إنقاذ اليهود من المحرقة.
إلى ذلك، ذكرت صحيفة “لو كانار أونشينيه” الفرنسية في فبراير الماضي، أن المديرية العامة للأمن الخارجي في فرنسا (DGSE) تعتقد أن روسيا ستساعد حزب اليمين المتطرف الفرنسي بزعامة مارين لوبان عن طريق الروبوتات التي ستغرق الإنترنت بملايين المنشورات الإيجابية حول لوبان، ونشر أسرار خصومها، مثل رسائل البريد الإلكتروني، وغيرها من الأمور الشخصية لإعاقة اتصالهم بالناخبين.
وقالت الصحيفة وقتها إن “مستوى التهديد مرتفع للغاية لدرجة أن اجتماع الدفاع القادم في قصر الإليزيه الرئاسي الفرنسي سيكون حول هذا الموضوع”.
كوزنيتسوف قال ردا على ذلك، إن اتهام موسكو بالوقوف وراء تلك المحاولات لا يقوم على أدلة بقدر كونه استقراء لموقف موسكو الذي جاء ردا على تصريحات الرئيس الفرنسي حيال الملف الأوكراني.
وشدد كوزنيتسوف في حديثه مع موقع “الحرة” على فكرة أن روسيا أفصحت عن موقفها من تصريحات ماكرون حين أدلى بها.
كيف؟
أصدرت الوكالة الفرنسية المسؤولة عن مكافحة التدخل الرقمي الأجنبي، “Viginum”، تقريرًا يصف شبكة تحمل الاسم الرمزي “Portal Kombat” و قامت بتحليلها بين سبتمبر وديسمبر في عام 2023.
وقالت “فيجينوم” إن الأمر يتعلق بمواقع إلكترونية تستخدم اسم “pravda” وتستهدف دولًا من بينها فرنسا وألمانيا والنمسا وسويسرا وبولندا وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وقال التقرير “هذا المحتوى ذو توجه أيديولوجي للغاية، ويقدم روايات غير دقيقة أو مضللة”.
وقالت “فيجينوم” إن الشبكة تتضمن أيضًا وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك تلغرام، من خلال “أتمتة ضخمة لمشاركة المحتوى”.
وقال مسؤولون في وزارة الخارجية الفرنسية في مؤتمر صحفي سابق، إن روسيا كثفت جهودها للتلاعب بالمعلومات ونشر الخداع، مستهدفة حلفاء كييف في الغرب.
وأشاروا إلى الرسائل الموجودة على منصات التواصل الاجتماعي مثل منصة أكس (تويتر سابقًا) ومواقع الويب مثل سبوتنيك، باعتبارها “واسعة النطاق” و”معقدة في البنية”.
وقال المسؤولون إن هدف حملة التضليل الروسية لا يزال كما هو، وهو تضخيم نجاح روسيا في حرب أوكرانيا، وتبرير غزوها، وتشويه سمعة المقاومة الأوكرانية، وتقويض قدرة المدنيين على الصمود في مواجهة الهجمات اليومية على المدن والبلدات، و”تمزيق الدعم الغربي للجيش الأوكراني، وإبطاء إن لم يكن وقف إمداد كييف بالأسلحة”.
وفي مارس الماضي، بعد أن ناقش ماكرون إمكانية تعبئة جنود من الجيش الفرنسي في أوكرانيا، ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي حملة تجنيد مزيفة للجيش الفرنسي في أوكرانيا، ما أدى إلى ظهور سلسلة من المنشورات على تيليغرام باللغتين الروسية والفرنسية والتي تم تناقلها في وسائل الإعلام الروسية والبيلاروسية على نطاق واسع، وفقًا لتقرير منفصل للحكومة الفرنسية اطلعت عليه وكالة أسوشيتد برس.
وفي الأول من يونيو، ظهرت توابيت خارج برج إيفل، تحمل نقش “الجنود الفرنسيون في أوكرانيا”، كرد فعل على تلك المنشورات المضللة.
وقال مسؤول عسكري فرنسي لوكالة أسوشيتد برس إن من بين الأهداف الأوسع لتلك الحملات، زرع الفتنة الاجتماعية، وتقويض الثقة في وسائل الإعلام والحكومات الديمقراطية، وتقويض حلف شمال الأطلسي، والدعم الغربي لأوكرانيا.
ونقلت الوكالة عن مسؤولين فرنسيين يراقبون المنشورات المتزايدة التي تحذر من الاضطرابات الوشيكة قبل الألعاب الأولمبية المقررة في فرنسا، أن تلك محاولات تدخل ضمن سياق نشر القلق بين المواطنين.
ميلالي قال تعليقا على ذلك، إن روسيا تحاول ما استطاعت أن تثير البلبلة في فرنسا لأنها ترى بأن موقف باريس من أوكرانيا الذي يعد بين المواقف الأقوى ضدها يمكن أن يقوض أهدافها الاستراتيجية من احتلال أوكرانيا.
وشدد على أن محاولاتها التي تحدثت عنها وسائل الإعلام للتدخل في الانتخابات أو التشكيك في قدرة باريس على تنظيم الأولمبياد يدخل في سياق جهود محاصرة باريس والرئيس ماكرون على وجه الخصوص.
وذكر أن تفضيلها لحزب التجمع الوطني اليميني يؤكد نيتها في دعم موقف لوبان التي تعارض تأييد ماكرون الشديد لأوكرانيا.
يشار إلى أن الرياضيين الروس ممنوعون من المشاركة في الألعاب الرأولمبية منذ أن قرر بوتين التدخل عسكريا في أوكرانيا. (الحرة)