نشرت صحيفة foreign affairs الاميركية مقالًا تناولت فيه الخطوات التي يجب على أميركا إتخاذها نتيجة تعاظم قوة إيران البحرية في الإقليم، وسيطرة حلفائها على البحار.
وإعتبرت الصحيفة أنه “منذ بداية الحرب في قطاع غزة، أصبح البحر الأحمر ساحة قتال ثانية.
Advertisement
حيث إستخدمته جماعة الحوثي لضرب السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر حتى تنهي إسرائيل عدوانها على غزة، وبهذا يكون الحوثيون قد عطّلوا ما لا يقل عن 12% من حركة التجارة العالمية، ما تسبّب بإرتفاع تكاليف الشحن.
ولفتت الصحيفة إلى أن ما يقوم به الحوثيون هو بخدمة أهداف طهران الإقليمية، فلولا دعم الأخيرة بالأسلحة والمعلومات الإستخباراتية لما إستمرّت هذه الجماعة.
ورأت الصحيفة أن إستراتيجية إيران تسعى لإبقاء خصومها في موقع الدفاع، فمنذ أربع سنوات، كانت أنشطة إيران في البحر محصورة على زوارق الحرس الثوري التي تقوم بدوريات في الخليج الفارسي وتهديدات بإغلاق مضيق هرمز، لكن في الآونة الأخيرة، اكتسبت القوات البحرية الإيرانية سفنًا أكثر تقدمًا، وبدأت بالتوجه إلى المحيط الأطلسي والمحيط الهادي. وعليه، تتماشى هذه التغييرات مع عقيدة “الدفاع الأمامي” الإيرانية، التي إعتًمدت بعد الحرب الإيرانية العراقية وتم تعزيزها في أوائل العقد الأول من القرن العشرين، والتي تهدف إلى التعامل مع الأعداء بعيدًا عن حدود إيران قبل أن يتمكنوا من تهديد أمنها القومي، وفق ما أوردته الصحيفة.
ومن أجل تعزيز نفوذها، قامت طهران بشراكات بحرية مع الصين وروسيا، تهدف من خلالها ليس فقط ردع الهجمات من قبل الجهات الأجنبية، ولكن للقيام بذلك عن طريق تهديد هؤلاء الأعداء مباشرة.
وتابعت الصحيفة: “على واشنطن تشجيع حلفائها في الخليج على إستخدام نفوذهم لكبح إستفزازات إيران وإحتواء قوتها البحرية”.
الدفاع الأمامي
أدخلت إيران العديد من التغييرات الملحوظة مع تطور إستراتيجيتها البحرية.
أولاً، تولت بحرية الحرس الثوري دورًا مهيمنًا مقارنة مع دور البحرية الإيرانية المحدود، لكن الفجوة في قدرات البحريتين تقلّصت في كانون الثاني، عندما حصلت بحرية الحرس الثوري على سفينتين حربيتين جديدتين متقدمتين.
وبحسب الصحيفة، مستمكّن السفن بحرية الحرس الثوري من تنفيذ عمليات خارج الخليج الفارسي وخارج نطاق مهمة القوات البحرية التقليدية. ففي عام 2020، كلف المرشد الأعلى علي خامنئي بشكل خاص الحرس الثوري بتوسيع قدرة إيران على الوصول إلى الأعداء في المياه البعيدة، بما يتماشى مع إستراتيجية تعرف بـ “اليد الطويلة”.
على مدى الأشهر القليلة الماضية، نفذت إيران مهام بحرية لمساعدة أعضاء محور المقاومة بشكل متزايد، وفقًا لتقرير في صحيفة التلغراف، قامت وحدة في قوة القدس التابعة للحرس الثوري بإرسال أسلحة إلى حزب الله كما استخدمت إيران “ناقلات الأشباح” – السفن التي تغلق أنظمة التتبع الخاصة بها وتغير أسمائها وتسجيلاتها لتجنب الكشف – لتسليم النفط إلى سوريا، حيث يحافظ الرئيس السوري بشار الأسد على تحالف وثيق مع طهران ويعتبر عضوًا حاسمًا في محور المقاومة.
وتحدّثت الصحيفة عن مكوّن رئيسي آخر لأنشطة إيران البحرية هو تشديد سيطرة البلاد على الممرات المائية الإستراتيجية.
وتمتد شراكة إيران مع الحوثيين إلى مضيق باب المندب،ففي عام 2018، أشار الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى أن إيران تسيطر على باب المندب عندما قال: “لدينا العديد من المضائق، ومضيق هرمز هو مجرد واحد منها”. تقدم سريعًا إلى هجمات الحوثيين على السفن المارة عبر هذا الممر المائي، وقراءة كلمات روحاني تبدو كتحذير. أفادت وسائل الإعلام المرتبطة بالدولة في إيران أن طهران أرسلت صواريخ باليستية مضادة للسفن الصنع إلى الحوثيين وأن التكنولوجيا الإيرانية ساعدت الحوثيين في ضرب السفن في البحر الأحمر.
ومن الممكن أن تكون إيران قد نقلت تكنولوجيا صواريخ مماثلة إلى حزب الله، الذي يُعتقد أنه يمتلك صواريخ روسية مضادة للسفن.
كما وتشكّل الشراكات مع الصين وروسيا الركيزة الأخيرة لإستراتيجية إيران البحرية، منذ عام 2019، أجرت الدول الثلاث أربع تدريبات بحرية مشتركة، وأرسل هذا العرض إشارة عن قدرتها ونيتها تحدي الهيمنة البحرية الغربية في المنطقة.
جاذبية البحر
إستراتيجية إيران البحرية المعاد هيكلتها هي استجابة أساسية للتغيرات في بيئة أمن البلاد، حيث طهران بحاجة لتنويع خياراتها للدفاع ضد الولايات المتحدة.
في السابق، كانت القواعد العسكرية الأميركية في دول الخليج أهدافًا سهلة؛ عندما تتصاعد التوترات الدبلوماسية وتزيد واشنطن من ضغطها على طهران، كانت إيران تهدد بضرب قاعدة أميركية. ولكن على مدى العامين الماضيين، إتخذت إيران خطوات للتصالح مع جيرانها العرب، وهي الآن أكثر ترددًا في تعريض تلك العلاقات للخطر.
ولتجنب غضب جيرانها المحتمل، بدأت إيران تركز تهديداتها على المصالح الأميركية في مناطق أبعد. في أيار، أعلن قائد البحرية في الحرس الثوري أن إحدى السفن الحربية الجديدة المسلحة بالصواريخ مرت بجانب دييغو غارسيا، وهي جزيرة نائية في المحيط الهندي حيث يتمركز العسكريون الأميركيون، وكانت المناورة رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة بأن الأسطول البحري الإيراني يوسع نطاقه.
تهدف الإستراتيجية الجديدة لإيران أيضًا إلى حصر إسرائيل، وذلك من خلال تزويد حزب الله والحوثيين بالطائرات والصواريخ المضادة للسفن، ما يكبّد خسائر كبيرة على إسرائيل.
ففي صراع محتمل، يمكن للمجموعات المدعومة من إيران ضرب الأهداف الإسرائيلية على اليابسة وفي البحر. ويمكن أن تجد الولايات المتحدة صعوبة أكبر في تقديم الدعم اللوجستي لإسرائيل، حيث ستكون سفنها الخاصة عرضة لهجمات إيرانية.
ورأت الصحيفة أن بعض دوافع طهران دفاعية، مثلًا،تسعى إيران إلى إستخدام قوتها البحرية لرفع تكاليف الصراع لأعدائها، ويمكنها القيام بذلك من خلال تحسين قدرتها على إغلاق الممرات المائية، كما فعل الحوثيون.
ولبناء هذه القدرة أكثر، حاولت إيران، وإن كانت غير ناجحة، إقامة قاعدة بحرية في السودان مقابل توفير الأسلحة المتقدمة للقوات المسلحة السودانية، جيوسياسيًا،فإن قاعدة في السودان ستمنح إيران الوصول إلى نقطة بحرية. ففي حسابات طهران، إذا تأكد أعداؤها من أن مناوشة إقليمية ستقلب التجارة العالمية، فلن يخاطروا بالفوضى الإقتصادية من خلال الإشتباك مع القوات الإيرانية.
أخيرًا، أصبح نقل الأسلحة بحرًا أقل رقابة وأكثر مرونة من حيث تغيير المسارات وإستخدام أنواع مختلفة من السفن، مما يسمح لإيران بالحفاظ على تدفق مستمر للأسلحة إلى حلفائها.
تقليل التهديد
الخطر الحقيقي على الولايات المتحدة وحلفائها هي قدرة طهران على شن حرب غير متكافئة في المجالات البحرية، بإستخدام مزيج من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار، العمليات من خلال وكلائها، والسيطرة على الممرات المائية الإستراتيجية.
ولفتت الصحيفة إلى أنه يجب أن تتخذ الولايات المتحدة إجراءات للتخفيف من التهديد البحري الإيراني من خلال تعزيز المبادرات الدبلوماسية لتطوير طرق عبور دولية بديلة، يمكن لواشنطن وشركائها تقليل اعتمادهم على الممرات الضعيفة.
كما يمكن لواشنطن دفع المشروع الإقتصادي قدمًا من خلال تشجيع الشركات الأميركية على الإستثمار من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ويمكن للولايات المتحدة دعم مشروع طريق التنمية، الذي سيربط الخليج الفارسي بتركيا وأوروبا عبر العراق.
علاوة على ذلك، يمكن لواشنطن تشجيع دول الخليج على إستخدام علاقاتهم مع طهران لتقليل مخاطر الصراعات البحرية، والخطوة التالية هي تطوير إطار يتضمن ضمانات بأن جميع الأطراف ستحترم التجارة الدولية والشحن في الخليج الفارسي ومضيق هرمز. وعليه، يمكن أن يكون إتفاق عدم إعتداء بين إيران وجيرانها الخطوة الأولى نحو إطار أمني إقليمي، وتحتاج الولايات المتحدة إلى أن توضح لشركائها أنها تدعم مثل هذه المفاوضات.
يجب أن تحاول إدارة بايدن أيضًا دمج إيران في الإقتصاد العالمي، ويمكن أن يساعد رفع تكلفة تعطيل التجارة العالمية على إيران في تغيير حساباتها. إحدى الخطوات التي يمكن لواشنطن إتخاذها في هذا الاتجاه هي تجديد الإعفاء من العقوبات الذي سيسمح للهند بالمضي قدمًا في خططها لتطوير وإدارة ميناء جابهار الإيراني.
ورأت الصحيفة أنه إلى جانب جهودها الدبلوماسية، يجب أن تحث الولايات المتحدة شركاءها الإقليميين على اتخاذ تدابير عسكرية لاحتواء التحدي البحري الإيراني. توفر محادثات التطبيع العربية الإسرائيلية فرصة لتأمين مثل هذه الإلتزامات.
وختمت الصحيفة: ستحتاج واشنطن إلى الإستفادة من النطاق الكامل لأدواتها الدبلوماسية والعسكرية لمنع طهران من الحصول على الميزة التي تسعى إليها في البحر”.