صباح يوم الجمعة 19 تموز الجاري، أعلنت جماعة أنصار الله الحوثي في اليمن أنها استهدفت تل أبيب بطائرة مسيرة قادرة على التخفي عن الرادار، وأسفر الهجوم عن تفجير أحد المباني وقتل شخص واحد مع وقوع عدد من الإصابات.
إثر ذلك، ردّت إسرائيل يوم أمس السبت على الهجوم، مُستهدفة بسرب من الطائرات ميناء الحديدة في اليمن.
الطائرة التي استخدمها الحوثيون للهجوم على تل أبيب هي من طراز “يافا”، وقد أعلنت بعض المصادر الإسرائيلية أنها تشبه إحدى مسيرات سلسلة “صماد”، التي يمتلكها الحوثي.
كذلك، أشارت التقديرات الإسرائيلية إلى أن الطائرة المسيرة قطعت نحو 2000 كيلومتر، وسلكت مسارات جديدة لتضليل أنظمة الرصد التابعة للجيش.
ووفقاً لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، فإنّ معلومات إسرائيلية تفيد بأنّ المُسيرة حلقت في مسارات غير معتادة مقارنة بالمرات السابقة، وهذا أثر سلباً على أنظمة الكشف والرصد التابعة للجيش الإسرائيلي.
وبحسب التقديرات الإسرائيلية، فقد تم تصميم رأس الطائرة الحربي المتفجر الذي يزن بضعة كيلوغرامات بما يتلاءم مع رحلة طويلة متوقعة، وقدر وزن المُسيرة بنحو 10 كيلوغرامات، وقد سارت 10 ساعات تقريبا أثناء رحلتها من اليمن إلى تل أبيب.
تطور متسارع
ومن المعروف أن جماعة أنصار الله الحوثي في السنوات العشر الماضية تتحرك بثبات في اتجاه بناء ترسانة من المسيرات المتطورة، مقدرة أن ارتفاع حصيلتها من هذا السلاح سيعزز من أوراقها الإستراتيجية في المنطقة. لذا فالمسيرات بالنسبة لها سلاح وجودي، وليس مجرد تشكيل من تشكيلات مسلحة.
وفي هذا السياق، تتنوع المسيرات الحوثية من حيث المهام والاستخدام، فمن مسيرات الرصد والاستطلاع إلى أسراب القتال وصولا إلى المسيرات الانتحارية، مثل طائرات “صماد” بأنواعها، وهذه الأخيرة ترقت في التطور التقني من “صماد-1” إلى “صماد-2” إلى “صماد-3” إلى “صماد-4″، وكلها أجيال من المسيرات منوعة القدرات والمهام.
رحلة التطور هذه تفتح الباب واسعا لفهم مقدار ما حصل من تحديث داخل تقنية المسيرات، وكذلك المتوقع حدوثه لترسانة المسيرات التابعة للحوثيين.
وكانت “صماد-1” تُستخدم في المقام الأول للاستطلاع والمراقبة، وطُرحت عام 2017، مع مدى وصل إلى 150-200 كيلومتر فقط. بعدها في العام 2018 جاءت “صماد-2″، وكانت مجهزة بكاميرات بصرية لجمع المعلومات الاستخبارية، إلى جانب زيادة مدى طيرانها إلى ما يقرب من 1000 كيلومتر، حيث يمكنها حمل رؤوس حربية متفجرة صغيرة لتوجيه ضربات دقيقة، بوزن نحو 40-50 كغم شاملا الحمولة المتفجرة.
تلا ذلك “صماد-3” المزودة بمهام هجومية بعيدة المدى مع قدرات مراقبة متقدمة، مع قدرة طيران امتدت لمدى يصل إلى 1500 كيلومتر، ومجهزة بكاميرات بصرية وكاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء للعمليات النهارية والليلية مع تكنولوجيا متقدمة لنقل البيانات، كل ذلك دون تحميل إضافي في الوزن الذي لا يتعدى 50-70 كغم شاملا الحمولة.
وأخيراً أُعلن في عام 2021 عن “صماد-4″، التي تؤدي مهام مزدوجة بين الاستطلاع والعمليات الهجومية، ومن المحتمل أنها تمتلك ميزة التخفي مع مدى يصل إلى 2000 كيلومتر.
يُمثِّل نموذج “صماد” حالة تفسيرية لتراكم خبرة العمل في تقنية المسيرات عند الحوثيين، وكيف انتقلت من المراقبة بوصفها وظيفة أساسية إلى مهام أكثر تقدما وتنوعا، وقد مكَّنت الترقيات في المدى والحمولة وأنظمة الملاحة هذه المسيرات من إجراء عمليات استطلاع وهجمات بدقة وتأثير متزايدين.
أعلن الحوثيون كذلك عن “وعيد” التي يبلغ مداها 2500 كيلومتر. بشكل خاص، تشبه “وعيد” المسيرة الإيرانية “شاهد 136″، وصُمِّمت لمهاجمة أهداف أرضية من مسافة بعيدة، وهي تعمل بوصفها مسيرة انتحارية، فما إن تصل إلى الهدف حتى تفجر نفسها فيه، وإطلاقها يكون على دفعات تتكون من خمس مسيرات أو أكثر لإرباك الدفاعات الجوية عن طريق استهلاك مواردها.
تتميز المسيرة “وعيد” بطول يبلغ نحو ثلاثة أمتار ونصف، وعرض يصل إلى نحو مترين ونصف، وهي مزودة بجناح على شكل مثلث قصير، مندمج في جسم الطائرة المركزي، وتحتوي المسيرة في مقدمتها على رأس حربي يُقدَّر وزنه بـ30-50 كغم، بينما يقع المحرك في الجزء الخلفي من جسم المسيرة ويُدار بمروحة دافعة ذات شفرتين.
أما الدور الرئيس لهذه المسيرة فيتعلق بمهاجمة الأهداف الأرضية الثابتة، التي تكون إحداثياتها معروفة، وهي غير فعالة ضد الأهداف المتحركة.
السؤال الأساسي الذي يُطرح وسط كل ذلك هو التالي: كيف تمكَّن الحوثيون من تطوير سلاح المسيرات الخاص بهم بهذه السرعة؟ الإجابة هي خطوط التوريد الفعالة التي تتقاطر على الحوثي منذ سنوات.
خلال ضربات جماعة أنصار الله السابقة، وثَّقت مؤسسة “أبحاث تسليح الصراعات” عددا من المسيرات التي أُسقطت أثناء تلك العمليات، وتوصل التقرير الخاص بالمؤسسة إلى أن مسيرة “قاصف-1” التي استُخدمت في مجموعة من تلك المهام تشبه مسيرات أبابيل الإيرانية، ولكنها تبدو أصغر.
لكن التقرير رغم ذلك رجح أن المسيرة لم تُصنع في إيران، بل جمعت محليا، حيث بُني الإطار الخارجي للمسيرة بشكل أوّلي، أضف إلى ذلك أن أجزاء جسم المسيرة حملت أرقاما مكتوبة بخط اليد، مما يشير إلى أنها من إنتاج ورش محلية، بحسب التقرير.
وقد ربط هذا التحقيق بين قدرة الحوثيين على تجميع المسيرات، ورصيدهم التقني في صناعة العبوات الناسفة.
وبدراسة عدد من المسيرات من طراز “صماد”، توصلت المؤسسة إلى استنتاج مفاده أن طرق صناعة المكونات والأجزاء الموجودة في المسيرات التابعة للحوثيين مماثلة في كثير من الحالات لتلك المستخدمة في تصنيع العبوات الناسفة، التي يمتلكون فيها رصيدا كبيرا، إضافة إلى أن بعض مكوناتها تتشابه مع أجزاء تقنية تعرف بها المسيرات الإيرانية.
لهذا، فإن هذا الأمر يعني أنه حتى رغم اعتماد الحوثيين على تكنولوجيا إيرانية، فإنهم يمتلكون بالفعل خبرة على التصنيع المحلي بدأ العمل عليها ربما من 2015.
لتأكيد ذلك، أثبت فريق من الخبراء التابعين للأمم المتحدة أن أحد نماذج صاروخ “بركان” قد جُمِع على الأرجح في اليمن، وأن صاروخ كروز “قدس-1” لا يعتمد على أي تصميم موجود، بل على تصميم صاروخ كروز كلاسيكي عام، وربما هُرِّب من الخارج ثم عبر الهندسة العكسية صُنِّعَ في اليمن، ويبدو من دراسة الصواريخ والمسيرات الإيرانية أن نسبة التصنيع المحلي في الأخيرة تبدو أكبر بفارق واضح.
هناك إذن ثلاثة طرق تمكَّن خلالها الحوثيون من تطوير إمكاناتهم في سلاح المسيرات بسرعة، أولها هو نقل التكنولوجيا والخبرة اللازمة لتطوير المسيرات، ثم التدريب اللازم للتصنيع والتشغيل، لكن هذا وحده ليس كافيا، بل هناك التصنيع المحلي وهو الطريق الثاني، حيث أنشأ الحوثيون قدرات تصنيع محلية لتجميع المكونات المستوردة وتصنيع أجزاء معينة من المسيرات.
وسمح ذلك للحوثيين بالحفاظ على ترسانتهم من المسيرات رغم التقييد الدولي على خطوط الملاحة بكل طرقها، لأن التصنيع المحلي يُمكِّن من إنتاج كميات أكبر، كما يسهل بالنسبة للحوثي تهريب القطع الإلكترونية الصغيرة الدقيقة الخاصة بالمسيرات، لأنها عادة تُستخدم لأغراض عامة ولا يوجد حظر عليها، كما سمحت الخبرات الناشئة محليا بتطوير الطريق الثالث وهو الهندسة العكسية (وهي عملية يتم فيها تفكيك المسيرات وغيرها من الأجهزة لاستخراج معلومات تصميمها، ومن ثم يعاد إنتاجها)، سواء بدراسة مسيرات أُرسلت إلى الحوثيين أو تلك التي استولوا عليها من المعارك السابقة، لتعزيز فهمهم وتكرار تكنولوجيا المسيرات. (الجزيرة نت)