لا تزال موسكو صامتة حيال ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” بأن وكالة الاستخبارات الأميركية “سي آي إيه” تحذر من احتمال قيام روسيا بتسليح جماعة “أنصار الله” اليمنية بصواريخ متطورة مضادة للسفن، ردا على دعم واشنطن لأوكرانيا في شن ضربات داخل روسيا.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرح في 5 حزيران الماضي خلال لقاء مع صحفيين أجانب، بأن بلاده يمكنها الرد على توريد أسلحة بعيدة المدى لأوكرانيا من قبل الدول الغربية، وذلك بتقديم أسلحة روسية إلى من وصفهم بأعداء الغرب.
ووفق مراقبين روس، من الممكن أن يكون الصمت الروسي تجاه ما نشرته الصحيفة الأميركية تكتيكا دبلوماسيا وسياسيا هدفه إبقاء موقف موسكو في دائرة الغموض، وإفساح المجال لأبعد مدى من التأويلات مع عدم الانجرار إلى محاولة استدراجها لإعطاء توضيحات حول ما يتعلق بدعم الحوثيين تحديدا.
تبادل تهديدات
ومما لا شك فيه أن النقطة المتعلقة باحتمال تقديم دعم عسكري روسي لجماعة أنصار الله -في الوقت الراهن- لها حساسية خاصة بالنظر إلى مواصلة الجماعة شن ضربات للسفن والمدمرات الأميركية والغربية في البحر الأحمر، واستهداف السفن التجارية المتوجهة إلى إسرائيل ودخولها في مواجهة مباشرة مع واشنطن.
ويشير المحلل الإستراتيجي رولاند بيجاموف إلى أن الحديث الأميركي عن موضوع احتمال تزويد روسيا جماعة أنصار الله بأسلحة نوعية جديدة، هو تهديد مبطن وتحذير استباقي بأن واشنطن قد تلجأ -ردا على ذلك- إلى إمداد كييف بأسلحة قادرة على استهداف العمق الروسي.
وفي حديث للجزيرة نت، يوضح أن واشنطن تعتبر أن المناطق التي انضمت إلى روسيا، بما فيها القرم، هي “أوكرانية محتلة” وبالتالي لا تجد مانعا في توفير ما يلزم للقوات الأوكرانية “لتحريرها”، وفق المصطلح الذي تستخدمه.
لكن ذلك -حسب رأيه- لا يعني أن موسكو سترد بالضرورة من خلال بوابة البحر الأحمر وخليج عدن لأسباب عدة، من بينها أن الجماعة اليمنية تمتلك من الأسلحة ما يكفيها لمواصلة شن الهجمات ضد القوات الأميركية والغربية، فضلا عن إمكانية استهداف العمق الإسرائيلي، كما حصل مؤخرا في تل أبيب.
إضافة إلى ذلك، لا تسعى روسيا إلى الإضرار بعلاقاتها مع دول في المنطقة كالسعودية التي لا تزال في حالة نزاع مع “أنصار الله”، إلى جانب أن الجماعة تتمتع بخط إمداد تسليحي وتقني قوي مع إيران، وهو ما ينفي الحاجة أساسا إلى الأسلحة الروسية، أيا كان نوعها، كما يضيف بيجاموف.
ووفق رأيه، فإن الدول المرشحة للحصول على أسلحة روسية نوعية هي -بالدرجة الأولى- كوبا وفنزويلا، أو أي جهة أخرى من العالم قد تحتاج إلى أسلحة روسية يمكن من خلالها شن “ضربات حساسة” ضد أهداف غربية.
ويلفت المحلل إلى أن الغرب وبفضل سياساته الاستعمارية الجديدة، قد أوجد لنفسه الكثير من الأعداء سواء دولا أو جماعات، وعليه فإن جغرافيا إمدادات الأسلحة الروسية بشكل مباشر أو من خلال طرف ثالث، باتت أوسع من أي وقت مضى.
من جانبه، لا يستبعد الخبير في شؤون الشرق الأوسط أندريه أونتيكوف أن تطرأ تغيرات على الموقف الروسي فيما يخص إمداد “أنصار الله” بالأسلحة أو بتقنيات الحرب الإلكترونية عند الضرورة، وذلك بناء على معطيات جديدة قد تطرأ في المستقبل ويمكن أن تغير من الحسابات الروسية مع تمدد نوع ورقعة النزاع مع الغرب.
كذلك، فإن الموقف الأميركي تجاه استخدام أسلحة بعيدة المدى ضد روسيا لا يمكن الوثوق به، باعتقاده، ويمكن أن يخرج في أي لحظة عن القواعد القائمة حاليا.
إشارات جديدة
ويوضح أونتيكوف أنه في الوقت الذي يقول فيه الرئيس الأميركي جو بايدن إنه سمح للأوكرانيين باستخدام الأسلحة الأميركية لمهاجمة روسيا بالقرب من الحدود، فإنه لم يسمح لهم بمهاجمة أهداف على عمق يتجاوز 200 ميل أو استهداف موسكو.
ويضيف أن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي يقول إنه في حال حدوث ذلك، فإن الولايات المتحدة غير قادرة على السيطرة على الأوكرانيين.
من هنا، فإن موسكو لا ترسل إشارات جديدة إلى الغرب فحسب، بل تتحدث بوضوح عن الكيفية التي تستطيع بها الرد بإعلانها الاحتفاظ بالحق في إرسال أسلحة بعيدة المدى إلى البلدان والجهات التي تتعرض لضغوط، بما فيها العسكرية، لمواجهة الدول التي ترسل الأسلحة نفسها إلى أوكرانيا وتدعو إلى شن ضربات في عمق الأراضي الروسية.
ووفق تقديرات أونتيكوف، فإن دعم موسكو لأي جهة منضوية في صراع مع واشنطن، بما في ذلك “أنصار الله”، محكوم -حاليا- بحسابات وضوابط، لكنها جميعها مرشحة للتبدل تبعا للتغيرات التي يمكن أن تطرأ على قواعد الاشتباكات القائمة مع الغرب في ظل المعطيات الحالية المرتبطة بالنزاع مع أوكرانيا.
ويشير أونتيكوف إلى أهمية امتلاك الحوثيين -من بين أمور أخرى- أسلحة سوفياتية ما زالت صالحة للاستخدام “المؤثر”، وأجروا تعديلات وتحسينات عليها شملت تفعيلها بما يتلاءم مع نظام الملاحة العالمي لمواكبة خصوصية الصدام العسكري القائم حاليا مع الولايات المتحدة وإسرائيل. (الجزيرة نت)