رغم عقد جلسات مفاوضات في روما، لمواصلة المحادثات بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن المحتجزين في قطاع غزة، فإن البوادر لا تشير إلى قرب عقد صفقة بهذا الشأن، وفقا لمحللين تحدثوا إلى موقع “الحرة”.
وكان مسؤولون من الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر وقطر قد اجتمعوا، الأحد، في العاصمة الإيطالية، لمواصلة المفاوضات، وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، نقلا عن 7 مسؤولين شاركوا في المحادثات أو اطلعوا عليها، أن المفاوضات المستمرة منذ عدة أشهر “لا تزال متوقفة على عدة قضايا رئيسية”، خاصة في ما يتعلق ببقاء القوات الإسرائيلية في غزة أثناء الهدنة.
وتسعى الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتانياهو، إلى الاحتفاظ بنقاط تفتيش عسكرية على طول طريق سريع استراتيجي داخل غزة، من أجل منع مسلحي حماس من نقل الأسلحة، وفقا لـ4 مسؤولين إسرائيليين ومسؤول من إحدى الدول الوسيطة، تحدثوا لذات الصحيفة.
وفي سياق، متصل، قال موقع “أكسيوس” إن إسرائيل سلمت الولايات المتحدة، السبت، مقترحها المحدث بشأن اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، وفقا لمسؤول إسرائيلي كبير ومصدرين آخرين على دراية بالقضية تحدثا للموقع.
ونقل الموقع عن المسؤول الإسرائيلي القول إن الاقتراح الإسرائيلي المحدث يتضمن إشارة إلى إنشاء آلية أجنبية لمراقبة ومنع نقل المسلحين والأسلحة من جنوب قطاع غزة إلى الشمال، لكن دون تقديم تفاصيل عن كيفية عمل هذه الآلية أو من سيكون مسؤولا عنها.
وأشار المسؤول الإسرائيلي إلى أن الاقتراح المحدث يتضمن أيضا تغييرات في المواقع التي ستتم فيها إعادة انتشار قوات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة في المرحلة الأولى من الصفقة بالإضافة إلى تحديد بقاء قوات الجيش الإسرائيلي في ممر فيلادلفيا على الحدود بين قطاع غزة ومصر خلال تنفيذ المرحلة الأولى.
وقال المسؤول الإسرائيلي إن “نتانياهو يريد اتفاقا من المستحيل التوصل إليه.. في الوقت الحالي هو ليس مستعدا للتحرك وبالتالي قد نتجه نحو أزمة في المفاوضات بدلا من التوصل إلى اتفاق”.
“رسائل حاسمة”
وفي هذا الصدد، أوضح المحلل السياسي الفلسطيني، عصمت منصور، في حديث مع موقع “الحرة” أن هناك رغبة أميركية في وقف الحرب بغزة، لافتا إلى أن نتانياهو، وخلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، “قد تلقى رسائل حاسمة من الرئيس الأميركي، جو بايدن ونائبته، كامالا هاريس، ومن المرشح الجمهوري، دونالد ترامب بضرورة إنهاء القتال”، في القطاع الفلسطيني.
واندلعت الحرب في 7 تشرين الأول بعد هجوم غير مسبوق نفذته حركة حماس في جنوب إسرائيل مما أدلى إلى مقتل نحو 1200 شخص معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات إسرائيلية رسمية.
ومن بين 251 شخصا خطفوا خلال الهجوم، ما زال 116 محتجزين في غزة، وتوفي 42 منهم، وفقا للجيش الإسرائيلي.
وردا على هجوم حماس، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، توعدت إسرائيل بالقضاء على الحركة، وشنت هجوما واسع النطاق في القطاع الفلسطيني، تسبب حتى الآن بمقتل أكثر من 39 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، حسب وزارة الصحة في غزة.
وحسب رأي منصور، فإن ما وصفه بـ” الإجماع الأميركي” على ضروة إنهاء الحرب يجب أن يتجسد بشكل ضغوط قوية على نتانياهو، حتى يوقف القتال، مضيفا: “ينبغي أن يتم ذلك من خلال التمسك بمبادئ إطارية سبق التوصل إليها ودعمتها الأطراف الوسيطة”، والتي اقترحت عبر مراحل تدريجية انسحاب القوات الإسرائيلية وتبادل الرهائن والسجناء وصولا إلى وقف مستدام لوقف إطلاق النار.
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي الفلسطيني، أشرف عكة، وخلال اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أن “العامل الداخلي الإسرائيلي المعقد يمنع من الوصول إلى صفقة تبادل ووقف لإطلاق النار”.
وأوضح أن “تهديدات اليمين المتطرف بالانسحاب من الحكومة الإسرائيلية، تجبر نتانياهو على محاولة جسر الهوة بين أعضاء الائتلاف الحاكم خاصة في ما يتعلق بقوانين تجنيد اليهود المتشددين والتعديلات القضائية”.
ورأى عكة أن “نتانياهو يحاول أن يسوق للرأي العام أن الضغط العسكري على حركة حماس هو السبيل الأقوى لانتزاع تنازلات في إطار الملف التفاوضي الذي يجري بين كافة الأطراف”.
وشدد عكة على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، يسعى وبشدة إلى تعقيد المفاوضات، خاصة لجهة انسحاب القوات الإسرائيلية بالمرحلة الأولى، مردفا: “كما أن اشتراط عدم عودة المسلحين إلى شمالي القطاع يدل بوضوح على الرغبة في التعقيد لأنه من المعروف أن عناصر حركة حماس يتحركون في الجنوب والشمال عبر الأنفاق، وهناك نؤكد أن الجيش الإسرائيلي والمؤسسات الأمنية قد اعترفوا سابقا باستحالة منع عودة المسلحين إلى تلك المناطق”.
وكانت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، قد قالت سابقا هذا الشهر، إن المقترحات الإسرائيلية بشأن وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن، الذي نشرت نصه الكامل في وقت سابق، “تتناقض” مع تصريحات نتانياهو، بشأن أنه “لم يقدم أي مطالب جديدة” في المفاوضات.
ونشرت الصحيفة، النص الكامل للمقترح الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي، جو بايدن، وقدمه الوسطاء إلى حماس في 27 أيار الماضي، والذي تضمن مبادئ عامة يتم الاتفاق عليها بين إسرائيل وحماس، بشأن تبادل الرهائن والسجناء، وإعادة الهدوء المستدام، مع ضمان قطر ومصر والولايات المتحدة، تنفيذ ما جاء في الاتفاق.
ولاحقا، وفي مؤتمر صحفي، قال نتانياهو في إشارة إلى المقترح الإسرائيلي: “لم أتحرك قيد أنملة عن المقترح الذي أشاد به الرئيس الأميركي جو بايدن. ولم أضف أي شروط. ولم أزل أي شروط”.
وأضاف نتانياهو: “لقد تمسكت بأربعة مطالب أساسية، وهي جزء من هذا الاقتراح”، بدءا بـ”حق” إسرائيل في مواصلة الحرب حتى تحقيق جميع أهدافها.
وتابع رئيس الوزراء: “ثانيا، أصر على منع تهريب الأسلحة إلى حماس عبر مصر. وهذا يتطلب استمرار سيطرتنا على محور فيلادلفيا بين غزة ومصر، ومعبر رفح الحدودي”.
وقبل، ذلك نقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية عن مسؤولين أميركيين وعرب قولهم، إنه على الرغم من أن الجانبين “أصبحا أكثر قربا مما كانا عليه في السابق”، فإن إسرائيل “فرضت شروطا جديدة على الخطوط العريضة للمقترح، كما رفض الجانبان بعض التفاصيل أثناء المحادثات التي جرت في القاهرة والدوحة”.
“شيطنة نتانياهو”
وهنا توقع المحلل الفلسطيني عمصت منصور “عدم حدوث انفراجة قريبة في المستقبل القريب، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى التعديلات التي اقترحها نتانياهو، والتي عطلت المفاوضات، بل وأعادتها إلى المربع الأول”.
وزاد: “من المفترض أنه قد أصبح هناك إطار للمفاوضات، وهو متفق عليه عالميا، ويعتمد على مرجعيات دولية وبمشاركة الولايات المتحدة”.
ووفقا لمنصور فإن “نتانياهو ومن خلال التعديلات التي اقترحها يريد الوصول إلى صفقة على مقاسه تعطيه أكبر مكاسب ممكنة مقابل أقل ثمن يضطر إلى أن يدفعه للطرف الآخر، أي أنه يريد اتفاقا لا ينهى الحرب بشكل دائم ويؤدي إلى استعادة كل الأسرى (الرهائن) في المرحلة الأولى”.
وفي المقابل، أكد الإعلامي والمحلل الإسرائيلي، إيدي كوهين، في حديثه إلى موقع “الحرة”: “أن الترويج لمثل تلك الأفكار تقف خلفه المعارضة الإسرائيلية التي تتقاطع مصالحها مع مصالح حركة حماس لجهة إسقاط نتانياهو”.
وزاد: “عبر الكوميديا السوداء نرى أن المعارضة الإسرائيلية تتفق مع حماس في محاولة شيطنة نتانياهو، وذلك عوضا عن تسليط الضوء على الشروط التعجيزية لتلك الحركة الإرهابية، والتي تحول دون التوصل إلى أي صفقة واقعية لا تضر بمصالح إسرائيل وأمنها القومي”.
وأما المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، فأكد أن الخطوط الرئيسية للاتفاق الذي يتم التفاوض بشأنه لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن المحتجزين في غزة، واضحة منذ البداية، لكن كل ما في الأمر أن “الصفقة لها ثمن سياسي بالنسبة لرئيس الوزراء”.
وأضاف في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أن “الشروط الجديدة التي تضمنتها الوثيقة الإسرائيلية المعدلة ليست بالأمر الهام لدرجة مواصلة الإصرار عليها من قبل نتانياهو، خصوصا أن الأجهزة الأمنية ترى إمكانية الوصول إلى صفقة في ظل البنود المعروفة”.
وتابع: “السؤال هل يريد نتانياهو حقا الوصول إلى اتفاق في الوقت الراهن؟ الإجابة بالنفي لأنه يحاول تجنب أي مخاطرة تفضي إلى سقوط الائتلاف الحاكم”.
وأشار المحلل السياسي الإسرائيلي إلى أن “نتانياهو إذا كان يبغي فعلا اتفاقا، لكان وافق منذ البداية على مقترحات الرئيس الأميركي، ولكن ما يحدث هو أن هناك اعتبارات سياسية داخلية تحول دون المضي قدما في هذه الصفقة”.
ومع ذلك، لا يستبعد شتيرن أن تحدث تفاهمات خلال الأسابيع أو الأيام القليلة القادمة، تفضي إلى صفقة، مضيفا: “نتانياهو في هذه الحالة سيبحث عن بدائل للحفاظ على ائتلافه الحاكم ومستقبله السياسي، وذلك في حال انفرط عقد الائتلاف الحاكم”.
من جهته، رأى عكة أن “نتانياهو يسعى إلى فرض مشهد معقد حتى على مصر التي تصر على انسحاب القوات الإسرائيلية من محور فلادلفيا ومعبر رفح الحدوي، لأن ذلك يؤثر على أمنها القومي”.
ومع ذلك رأى أن استمرار المفاوضات قد يؤدي بالضروة “إلى وقفة جدية والتوصل إلى صفقة، وهذا بات معلوما، ولا أعتقد أن نتانياهو سوف يستطيع تجاوز بند وقف إطلاق النار في المرحلة الأولى من الاتفاق حيث أنه يريد من تلك المرحلة أن تكون مجرد استراحة لمدة 3 شهور تجعله يتفرغ لقضايا داخلية خلال إجازة الكنسيت الصيفية التي بدأت مؤخرا”.