تهديدات كبيرة، وأسئلة كثيرة، والمطلوب واحد: منع الحرب بين إسرائيل وإيران. وربما ردع “المتطرفين” في إيران وإسرائيل من جر المنطقة إلى حرب. توعدت إيران بالانتقام من إسرائيل، ولم تنفذ تهديدها إلى الآن. حكمة، خوف، أم انتظار اتفاق شامل مع أميركا، كما يروج إعلام محور طهران؟
هل تتفادى المبادرة الثلاثية حرب واسعة بين إيران وإسرائيل؟
يدعو وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن كلّ الأطراف في المنطقة إلى “إدراك مخاطر الحسابات الخاطئة، واتّخاذ قرارات لتهدئة التوترات وليس لتفاقمها. يجب ألا يُصعّد أحد هذا النزاع. نحن منخرطون في دبلوماسية مكثّفة مع حلفاء وشركاء، نقلنا هذه الرسالة مباشرة إلى إيران ونقلنا تلك الرسالة مباشرة إلى إسرائيل أيضاً”.
ويستعين البيت الأبيض بمصر وقطر، لحث إسرائيل وحماس على التوصل إلى اتفاق لوقف النار، وإطلاق سراح الرهائن، وبالتالي، الإفراج عن منطقة أصبحت رهينةً لهذا الصراع. وقد دعا قادة الولايات المتحدة ومصر وقطر في بيان مشترك كلا من إسرائيل وحماس إلى “استئناف المناقشات العاجلة يوم الخميس 15 اب في الدوحة أو القاهرة، لسد جميع الفجوات المتبقية والبدء في تنفيذ الاتفاق دون مزيد من التأخير. لم يعد هناك مزيد من الوقت لإضاعته، ولا أعذار لأي طرف لمزيد من التأخير. لقد حان الوقت لإطلاق سراح الرهائن وبدء وقف إطلاق النار وتنفيذ هذا الاتفاق”، حسب تعبير البيان الثلاثي.
طائرات F-22 إلى المنطقة.. وصواريخ كروز
أمر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بنشر ثلاث حاملات طائرات، وأسراب من طائرات F-22 رابتورز المتطورة جداً، التي وصلت إلى المنطقة. وهي “واحدة من الجهود العديدة لردع العدوان، والدفاع عن إسرائيل، وحماية القوات الأميركية في المنطقة”، على حد تعبير وزير الدفاع الأميركي.
وما استوقف المراقبين ملياً، هو إرسال الغواصة “يو أس أس جورجيا” المسلحة بصواريخ كروز الجوالة والفائقة الدقة. وبالتالي فإن ما نشرته الولايات المتحدة في المنطقة يُشكّل قوة ردع كبيرة جداً.
تقول باريارا سلايفن إن واشنطن لا تريد حرباً إقليمية، لكنها “توجه رسالة لإيران عبر نشر هذه القوة العسكرية في المنطقة. فإيران تخشى الوجود العسكري الأميركي، والولايات المتحدة تريد أن تردع الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا عن مهاجمة القواعد الأميركية”. ويعتقد بهنام بن طالبلو أن “إيران سترد حتماً على إسرائيل، وأن إدارة بايدن لا تريد حرباُ إقليمية، لكنها تجرب حلاً عملانياً لمشكلة سياسية، وإذا حصل هجوم إيراني وأدى إلى ضحايا كثر، فإن المواقف في اميركا ستتحول من دفاعية الى هجومية”.
من جهته يقول الباحث الأميركي مايك دوران، “إن فريق بايدن يريد تجنب تحول التصعيد إلى صراع إقليمي إذا هاجم الإيرانيون إسرائيل. ولذلك تطالب هذه الإدارة إسرائيل بعدم استباق إيران وعدم الرد عليها. وتثير هذه السياسة سؤالين. أولاً: لماذا يعتبر الهجوم الإيراني على إسرائيل حدثاً مقبولاً، بينما يعتبر الهجوم الإسرائيلي الوقائي أو الهجوم المضاد تصعيداً؟ ثانياً: ألم تكن مئات الهجمات على إسرائيل من لبنان والعراق واليمن وإيران تصعيداً إقليمياً؟ فاليمن، على سبيل المثال، يبعد 1200 ميلاً عن إسرائيل”.
أما الباحثة الأميركية أندريا سترايكر، فتعتقد أن على الولايات المتحدة “توجيه تهديد حقيقي باستهداف أهداف عسكرية مُهمة تُقدرها إيران – بدلاً من الدبلوماسية، والمناشدات، والتفاهم مع النظام الإيراني- هو وحده القادر على إيقاف أي ضربة إيرانية كبيرة لإسرائيل”.
مزيج من “الردع والدبلوماسية”
من جهته يقول ديفيد إغناتيوس في واشنطن بوست، إن “بايدن يسعى جاهداً لنزع فتيل القنبلة الموقوتة بين إيران وإسرائيل”. ويُضيف أن “الرئيس بايدن قرر اعتماد استراتيجية قائمة على مزيج من الردع والدبلوماسية، كأفضل طريقة لمنع وقوع الكارثة في الشرق الأوسط”. وينقل ديفيد إغناتيوس عن مسؤول أميركي رفيع قوله: إننا أوصلنا رسالةً واضحة لإيران عبر السفارة السويسرية في طهران، بأن الولايات المتحدة لا تتزعزع في دفاعها عن مصالحنا وشركائنا وشعبنا. وقد نقلنا كمية كبيرة من الأصول العسكرية إلى المنطقة للتأكيد على هذا المبدأ. وأن خطر حدوث تصعيد كبير مرتفع للغاية، وقد يؤدي إلى عواقب وخيمة على استقرار الحكومة الجديدة للرئيس مسعود بيزشكيان.
ويضيف إغناتيوس أن دبلوماسية بايدن مع نتنياهو معقدة بنفس القدر، حيث أجرى الاثنان محادثة هاتفية حادة اشتكى فيها بايدن من أن نتنياهو يعيق الجهود الأميركية لوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن في غزة. وقد ضغط بايدن على نتنياهو ليكون “شريكا جيداً” لواشنطن، التي تعتبر أن التصعيد الإسرائيلي الأخير كان ناجحاً تكتيكياً لا استراتيجياً، ورغم ذلك فإن البلدين ليسا على خلاف، رغم الاحراج الذي تسببه لأميركا حرية العمل العسكري الإسرائيلي.
مواجهة أميركية إيرانية مباشرة؟
في مقال له في صحيفة وول ستريت جورنال، يقول السناتور الجمهوري ليندسي غراهام إن “تكثيف إيران ووكلائها هجماتهم على إسرائيل وعلى المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، هو نتيجة سياسة إدارة بايدن التي سمحت للنظام الإيراني بجني مزيد من الأموال من بيع النفط واستثمارها في تصدير الإرهاب”. ثم يشرح السناتور الجمهوري اقتراحه لثلاثة مشاريع قوانين لمواجهة إيران وهي: أولاً: فرض رسوم جمركية مرتفعة على الدول التي تنتهك العقوبات الأميركية عبر شراء النفط من إيران. ثانياً: اعتبار أي هجوم لحزب الله على إسرائيل بمثابة هجوم إيراني على إسرائيل. ومحاسبة طهران على هجمات حزب الله. وثالثاً: وضع خطوط حمراء حقيقية ونهائية لبرنامج إيران النووي. إذا تجاوزت إيران هذه الخطوط، فستستخدم الولايات المتحدة القوة العسكرية ضدها.
ويقول السناتور ليندسي غراهام إن إقرار هذه القوانين معاُ يوجه رسالة لا لبس فيها إلى النظام الإيراني.
وفي المقابل، يعتقد النائب الديمقراطي سيث مولتون، أنه “لدى إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، لكن هذا ملف قد يجر الولايات المتحدة إلى التدخل. لا نريد أن يتم جرنا إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط. لذلك، نحن مهتمون بما تقوم به إسرائيل للدفاع عن نفسها. ونريد أن تكون إسرائيل والإسرائيليون بأمان . لكننا أيضاً، لا نريد حرباً واسعة في الشرق الأوسط”.
“نجاحاتٌ تكتيكية وأخطاءٌ استراتيجية”
يجادل الكاتب الأميركي جوناثان سترام أن عمليات قتل إسرائيل لإسماعيل هنية وفؤاد شكر كانت ناجحة استخباراتياً وتكتيكياً، لكنها كانت في النهاية أخطاءً فادحة استراتيجياً. ويقول إن إسرائيل قتلتهما في وقت متزامن، وهذا ما سيجبر إيران وأذرعها على الرد، مما سيشعل المنطقة، وقد يورط أميركا في حرب كان يُمكن تفاديها ويقتل أي أملٍ باتمام صفقة الرهائن، وعودة النازحين إلى بيوتهم في شمال إسرائيل.
ويختم الكاتب أن هذه الاغتيالات لا تخدم سوى نتنياهو ويحيّ السنوار اللذين سيستفيدان سياسيا من اندلاع حريق أوسع نطاقاً في المنطقة.
ويعتقد الأستاذ الجامعي الأميركي شبلي تلحمي أن ” نتنياهو يريد جر الولايات المتحدة إلى حرب مع حزب الله وإيران. يجب الا يُصدق أحد ما يروج له نتانياهو”.
سيناريو الضربة الإيرانية!
يعتقد “معهد دراسة الحرب” في واشنطن، أنه يُمكن أن تُعدِّل إيران نموذج هجوم نيسان 2024 على إسرائيل، بأربع طرق على الأقل لزيادة احتمال إلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل: أولاً: يُمكن لإيران زيادة حجم الصواريخ التي تطلقها على إسرائيل. ثانياً: يُمكن لإيران أن تغيّر عدد المواقع التي تستهدفها في إسرائيل.ثالثاً: يُمكن لإيران أن تأمر بشن هجمات متزامنة على القوات الأميركية، خاصة في شرق سوريا. رابعاً: يُمكن لإيران وحلفائها تنفيذ سلسلة من الهجمات بالطائرات بدون طيار والصواريخ على مدار عدة أيام.
ويًلاحظ الباحث الأميركي سينا طوسي، أنه، وكما نقلت نيويورك تايمز عن مسؤولين إيرانيين قولهم: إن روسيا بدأت في تسليم إيران رادارات متقدمة ومعدات دفاع جوّي. ويتماشى هذا الخبر مع شائعات في وسائل الإعلام الإيرانية، بأن إيران تلقت أنظمة مورمانسك للحرب الإلكترونية لمساعدة دفاعاتها الجوية.
ويستبعد آرتا مويني حدوث “حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل. السيناريو الأرجح هو فتح جبهة جديدة في شمال إسرائيل مع حزب الله”. ويضيف مدير الأبحاث في معهد السلام والدبلوماسية، أن إيران لم تشر إلى طبيعة وتوقيت الهجوم الذي ستشنه “لجعل نتانياهو يدفع كلفة أكبر مقارنة بالهجوم في أبريل الماضي”.
ويقول الباحث الإسرائيلي مئير مصري، إن “التهديد بالرد على إسرائيل هو أهم من الرد نفسه بالنسبة لإيران التي لن تضحي بمصالحها عبر الدخول في مواجهة غير محسوبة مع إسرائيل”.
في ظل إصرار طهران على “حق” الرد على إسرائيل لإغتيال إسماعيل هنية في طهران، والصواريخ الإيرانية التي يطلقها يومياً “حزب الله” على إسرائيل، يبقى السؤال: هل يستطيع بايدن تفادي حرب واسعة بين إيران وإسرائيل؟ (الحرة)