بعيدا عن الأسلحة النووية.. تركيز أميركي على السلاح الأقوى لحسم حروب المستقبل

15 أغسطس 2024
بعيدا عن الأسلحة النووية.. تركيز أميركي على السلاح الأقوى لحسم حروب المستقبل

يواجه النفوذ العسكري التقليدي لحلف شمال الأطلسي “الناتو” تحديات غير مسبوقة، وكشفت الحرب في أوكرانيا عن نهج ثوري جديد في الحروب، لا يمكن للولايات المتحدة تجاهله، عنوانه قوة الدرونز (الطائرات المسيرة).

 

 
ومع اقتراب العالم من نقاط اشتعال محتملة، مثل هجوم روسي على أراضي الناتو، أو حصار صيني لتايوان، يبدو الاعتماد على الاستراتيجيات العسكرية التقليدية غير كاف بشكل متزايد.

 

والحل النووي التكتيكي الذي استخدم خلال الحرب الباردة يبدو الآن قديما وخطيرا، وفق تحليل لمجلة تايم. 

ومع ذلك، فإن النجاح غير المتوقع لأوكرانيا في صد القوات الروسية باستخدام مجموعة هائلة من الطائرات المسيرة يكشف عن أبرز ملامح حروب المستقبل.

وقد يؤدي الوضع المتوتر بين الولايات المتحدة والصين إلى اندلاع حرب حول تايوان. وتعززت هذه المخاوف بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، للجزيرة في عام 2022، والتي زادت من حدة التوترات بين البلدين.

وتايوان تحكم نفسها بشكل مستقل عن الصين منذ عام 1949، لكن بكين تعتبر الجزيرة جزءا من أراضيها، وتعهدت “بتوحيد” تايوان مع البر الرئيسي، حتى لو تطلب الأمر استخدام القوة.

في الوقت نفسه، شهدت التوترات تصاعدا كبيرا بعدما فاز الحزب الديمقراطي التقدمي، الذي يدعم استقلال تايوان، بولاية ثالثة على التوالي في عام 2024، في حين كثفت بكين ضغوطها السياسية والعسكرية على تايبيه.

ولذلك فإن الولايات المتحدة تستعد لسيناريوهات قد تحدث في أي لحظة، خاصة أن هناك بقعا أخرى من العالم تشهد توترا وجبهات عسكرية، وهو ما يرفع من مستويات القلق الدولي في بحر الصين الجنوبي.

وفي نيسان قال أكبر مسؤول عسكري ألماني إن روسيا قد تكون مستعدة عسكريا لمهاجمة دول حلف شمال الأطلسي في غضون خمس إلى ثماني سنوات إذا اختارت ذلك، بمجرد إعادة بناء قواتها المتضررة من تأثير حرب أوكرانيا.


وقال الفريق أول، كارستن بروير، للصحفيين خلال زيارة لبولندا: “بحلول ذلك الوقت، وبناء على تحليلنا، ستكون روسيا قد أعادت بناء قواتها إلى درجة تجعل شن هجوم على أراضي حلف شمال الأطلسي أمرا ممكنا”.

وأثار غزو روسيا لأوكرانيا في شباط 2022 أعمق أزمة في علاقات موسكو مع الغرب منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.

ثورة الدرونز الأوكرانية

 

كاتبا التحليل، لورينز ماير، رئيس مؤسسة DroneCode ويحمل درجة الدكتوراه في هندسة الطائرات بدون طيار، ونيال فيرغسون، زميل بارز في جامعتي ستانفورد وهارفارد، يقولان إنه عندما أطلقت روسيا غزوها لأوكرانيا في شباط 2022، لم يكن بإمكان أحد التنبؤ بحجم المقاومة التي ستبديها أوكرانيا.

ورغم ذلك، لم تقم أوكرانيا فقط بصد الهجوم الأولي، بل تمكنت أيضا من الحفاظ على دفاعها ضد ما كان يُعتبر في السابق ثاني أقوى جيش في العالم.

وكان أحد العوامل الأساسية في هذا النجاح هو استخدام أوكرانيا الرائد للطائرات المسيرة، مما أدى إلى تشكيل فرع عسكري جديد أطلق عليه “قوات الأنظمة غير المأهولة في أوكرانيا”.

ويمثل هذا الابتكار، وفق المجلة، تحولا كبيرا يشبه إلى حد كبير إنشاء سلاح الجو الملكي البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى، والذي غير مسار الحرب الجوية.

ونشر أوكرانيا للطائرات المسيرة غيّر المعادلة على أرض المعركة بشكل جذري. ولم تقم هذه الطائرات بصد الهجمات الآلية المدرعة الكبيرة فحسب، بل شلت أيضا القدرات البحرية الروسية، بما في ذلك أسطول البحر الأسود.

ويشير الكاتبان إلى أن استخدام كييف الاستراتيجي لأسراب الطائرات بدون طيار سمح حتى بشن هجمات مفاجئة في عمق الأراضي الروسية، مما يثبت فعالية الأنظمة غير المأهولة في الحروب الحديثة.

استجابة الولايات المتحدة

 

واعتمادا على التجربة الأوكرانية، فإن تحليل مجلة تايم يشير إلى أن حلف الناتو والولايات المتحدة يمتلكان حاليا ترسانات طائرت مسيرة صغيرة نسبيا، لذا فإن التغيير يلوح في الأفق.

ويشير التحليل إلى استراتيجية “مشهد الجحيم” للقيادة الأميركية في منطقة المحيط الهادئ، والتي تهدف إلى ملء المياه المحيطة بتايوان بعشرات الآلاف من السفن والطائرات غير المأهولة للتصدي لأي هجوم صيني محتمل.

وبالمثل، فإن مبادرة “النسخ المتماثل” التي أطلقتها وزارة الدفاع الأميركية تهدف إلى تأسيس قاعدة تصنيع قوية قادرة على إنتاج الطائرات المسيرة على نطاق واسع.

لكن هذه المبادرات تمثل فقط البداية، وفق المحلة، فتجربة أوكرانيا تظهر أن الطائرات المسيرة تقدم رادعا حقيقيا للقوات البرية والبحرية على حد سواء.

وعلى عكس الأسلحة النووية، فإن الطائرات المسيرة لا تنتج تداعيات كارثية، لكنها يمكن أن توفر رادعا تكتيكيا مماثلا، كما يعتقد مايرز وفيرغسون.

 

ومع ملايين الطائرات المسيرة، يمكن لدولة ما أن تتصدى بفعالية لهجوم آلي مدرع أو حصار بحري، تماما كما فعلت أوكرانيا ضد روسيا.

 

مستقبل الحرب: تبني الأنظمة غير المأهولة

 

ويشير تحليل المجلة إلى أن تداعيات نجاح أوكرانيا في استخدام الطائرات المسيرة عميقة على المعدات العسكرية التقليدية. وكما تطورت الطائرات في الحرب العالمية الأولى من طائرات بسيطة إلى الطائرات النفاثة الحديثة، فإن الطائرات المسيرة التي تستخدمها أوكرانيا وروسيا الآن هي البدايات لموجة جديدة من الأنظمة غير المأهولة المتقدمة.

هذه الطائرات الجديدة، بما في ذلك الطائرات “عميقة الضربات”، لديها القدرة حتى على التغلب على أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورا.

وفي مجال الحروب البحرية، تظهر الطائرات المسيرة أنها قادرة على جعل السفن الكبيرة، بما في ذلك حاملات الطائرات، قديمة وغير فعالة.

ولأول مرة في التاريخ، تقوم كل من أوكرانيا وروسيا ببناء الطائرات المسيرة على نطاق صناعي.

وبحلول نهاية عام 2024، من المرجح أن يشهد العالم لأول مرة، أسرابا من الطائرات المسيرة يتم توجيهها بواسطة عدد قليل من المشغلين، مع الاعتماد على التحكم الأرضي بشكل أقل.

التكيف الأميركي

 

يقول، الكاتبان مايرز وفيرغسون إن على الولايات المتحدة أن تدرك التحول الذي لا يمكن إيقافه نحو الحرب غير المأهولة، كما أظهرت أوكرانيا.

ويضيفان أن مبادرة “النسخ المتماثل” وخطة “الجحيم” هما خطوات مهمة، لكن يجب توسيع نطاقهما لإنشاء قوات الأنظمة غير المأهولة في أميركا.

ويؤكد كاتبا التحليل أن عدم التكيف قد يؤدي إلى فشل كارثي في الردع، مما يترك الرئيس الأميركي المقبل يواجه عواقب الاستراتيجيات العسكرية القديمة.

كما يشيران إلى أن الدرس المستفاد من أوكرانيا واضح “مستقبل الحرب هو قوة الطائرات غير المأهولة، والوقت للاستعداد هو الآن”. (الحرة)