تدريبات في المناطق الساخنة.. ماذا وراء التحول الاستراتيجي في علاقة روسيا والصين؟

15 أغسطس 2024
تدريبات في المناطق الساخنة.. ماذا وراء التحول الاستراتيجي في علاقة روسيا والصين؟


كتب موقع “الحرة”: في وقت تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية على المسرح العالمي، يبدو أن الصين وروسيا تعملان على تعزيز تحالفهما العسكري بشكل ملحوظ، ما يثير قلق الولايات المتحدة وحلفائها  في الناتو.

هذا التحالف الذي كان في السابق مقتصرا على التعاون السياسي والاقتصادي، أصبح الآن يشمل تدريبات عسكرية مشتركة تزداد توسعا واستفزازا، إذ تجري الدولتان مناورات قرب مناطق حساسة مثل ألاسكا وتايوان واليابان.

ويقول خبراء عسكريون إن هذه التدريبات تعكس تحولا استراتيجيا في نهج البلدين، ما يضعهما في مواجهة مباشرة مع النفوذ الأميركي في المنطقة.

أين تتدرب الصين وروسيا؟
التحالف العسكري المتنامي بين الصين وروسيا يترجم اليوم إلى تدريبات عسكرية مشتركة تعد الأكثر استفزازا حتى الآن، وفي تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.

وفي الشهر الماضي، أجرت قاذفات طويلة المدى صينية وروسية دوريات مشتركة قرب ألاسكا للمرة الأولى.

هذه الدوريات كانت رسالة واضحة إلى واشنطن بأن البلدين مستعدان لتحدي الهيمنة الأميركية حتى في المناطق التي تعتبرها الولايات المتحدة ذات أهمية استراتيجية بالغة.

إلى جانب هذه الدوريات، أجرت الصين وروسيا تدريبات بحرية مشتركة في بحر الصين الجنوبي، وهو منطقة شديدة التوتر نظرا وساحة لدول متنافسة.

هذه التدريبات كانت الأولى من نوعها منذ ثماني سنوات، وتأتي في وقت تحاول فيه بكين تعزيز سيطرتها على المنطقة، في تحد صريح للقوانين الدولية والتحالفات العسكرية الأميركية في آسيا.

ألاسكا.. النقاط الساخنة
أحد التدريبات المشتركة التي جرت مؤخرا بين الصين وروسيا تضمنت دوريات جوية باستخدام قاذفات قادرة على حمل رؤوس نووية بالقرب من ألاسكا.

هذه القاذفات أقلعت من قاعدة جوية روسية، مما أتاح للطائرات الصينية الاقتراب من الساحل الأميركي مسافة لم تكن ممكنة لو انطلقت من الصين نفسها.

حاكم ولاية ألاسكا، مايك دنليفي، كان قد حذر من أن قرب ألاسكا من النقاط الساخنة دوليا مثل آسيا والقطب الشمالي، يجعلها لاعبا حاسما في أي صراعات عسكرية مستقبلية.

ويقول إنه إذا حدث صراع في آسيا، فستكون ألاسكا “للأسف جزءا من ذلك”، مشيرا إلى أن القواعد العسكرية في الولاية من المرجح أن تصبح نقاطا رئيسية لنشر القوات الأميركية.

وسلط الحاكم الضوء على دور الولاية في الدفاع الصاروخي، مشيرا إلى أن صواريخ ألاسكا الاعتراضية حاسمة في التعامل مع التهديدات الصاروخية الكورية، مؤكدا استعداد الولاية للرد على التوترات الإقليمية المتزايدة.

وحين بدأت التحركات العسكرية الصينية والروسية المشتركة قرب ألاسكا، قال حاكم الولاية دنليفي، في تغريدة سابقة، إن “هذا التعدي الأخير من القاذفات الروسية والصينية بالقرب من ألاسكا، يكشف بوضوح أن ألاسكا في طليعة الدفاع عن أميركا الشمالية. وألاسكا هي حصن أميركا مع وجودنا في القطب الشمالي وشمال وغرب المحيط الهادئ”.

وقال الحاكم “لدينا ثقة كبيرة في المقاتلين بسلاح الجو والجيش في ألاسكا، وكذلك خفر السواحل والحرس الوطني”.

وقال دنليفي: “نحن نعيش في منطقة خطيرة، وتحتاج واشنطن العاصمة إلى الاعتراف بأهمية ألاسكا المتزايدة للدفاع عن أميركا الشمالية”.

وشدد على أن وجود كاسحات جليد إضافية ووجود بحري قوي إلى جانب سلاح الجو وخفر السواحل والحرس الوطني من شأنه أن “يقطع شوطا طويلا في ردع مثل هذا النشاط العدواني”، في إشارة إلى التدريبات الصينية والروسية المشتركة.

وأشار إلى أن هذا سيدفع الروس والصينيين لـ “التفكير مرتين قبل وقوع أي استفزازات”.

بحر الصين الجنوبي.. مجال التنافس
على بعد مسافة قليلة من سواحل الفلبين، تتصاعد التوترات بين الصين والفلبين بسبب النزاع حول شعاب “سيكوند توماس” المرجانية.

وتسود العالم حالة من الخوف الكبير من أن يؤدي اشتباك بين سفن الصين والفلبين هناك إلى وقوع ضحايا، مما قد يدفع الفلبين لتفعيل معاهدة الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة، وهو سيناريو قد يقود إلى كابوس حرب بين الولايات المتحدة والصين ، كما يقول تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.

ويعتبر بحر الصين الجنوبي واحدا من أكثر البحار إنتاجية في العالم من حيث الثروة السمكية، كما أنه يشمل ممرات شحن تنقل نحو ثلث التجارة البحرية العالمية.

وتشير الدراسات إلى أن البحر قد يحتوي على احتياطيات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي.

في عام 2016، قضت محكمة دولية بأن مزاعم الصين في بحر الصين الجنوبي لا أساس لها قانونيا، وأن شعاب “سيكوند توماس” تقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للفلبين، والتي تمتد لمسافة 200 ميل بحري.

ومع ذلك، لم تعترف بكين بالحكم، واستمرت في تحدي النظام الأمني الذي تقوده الغرب في المحيط الهادئ عبر نشر سفنها وممارسة الضغط على الدول المجاورة.

وبالرغم من التوترات المستمرة، يبدو أن الصين والفلبين تحاولان تجنب التصعيد العسكري.

وبعد اشتباك وقع في يونيو بين سفن من البلدين قرب شعاب “سيكوند توماس”، توصل الجانبان إلى اتفاق لمنع تكرار هذه الحوادث. ولكن رغم ذلك، لا تزال المخاوف قائمة من أن يؤدي أي استفزاز مستقبلي أو سوء تقدير إلى نشوب صراع.

وفي يوليو الماضي، شهدت المنطقة تطورا مقلقا، إذ أفادت وسائل إعلام روسية وصينية رسمية بأن الصين وروسيا أجرتا تدريبات بحرية بالذخيرة الحية في بحر الصين الجنوبي.

وذكرت صحيفة غلوبال تايمز الصينية المملوكة للدولة أن كل دولة نشرت ثلاث سفن على الأقل لكل منها للتدريبات التي استمرت ثلاثة أيام، وفق ما نقلت الصحيفة عن البحرية التابعة للجيش الصيني.

كما أن قاذفات تابعة لروسيا والصين حلقت في سماء المنطقة، وإبحرت قطع عسكرية تابعة لهما في المياه المشتركة بالقرب من تايوان واليابان وكوريا الجنوبية، حيث توجد لأميركا مصالح استراتيجية.

التحديات أمام واشنطن
التعاون العسكري بين الصين وروسيا لا يشكل فقط تحديا تقليديا للولايات المتحدة، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، بل يثير أيضا تساؤلات حول قدرة واشنطن على التصدي لمثل هذا التحالف في حال اندلاع صراع كبير في آسيا.

والسيناريوهات التقليدية التي كانت تعتمد على مواجهة إما الصين أو روسيا بشكل منفصل لم تعد كافية، تقول الصحيفة.

واليوم، يتعين على المخططين العسكريين الأميركيين النظر في احتمال تعاون البلدين، وكلاهما يمتلك أسلحة نووية، في مسرح عمليات واحد، وفق ما يشير تقرير نيويورك تايمز.

لماذا تتدرب روسيا والصين؟
السبب هو أن الصين وروسيا تعملان على زيادة تعاونهما العسكري من خلال التدريبات المشتركة لتحدي الولايات المتحدة وتحالفاتها، كجزء من استراتيجية أوسع لمواجهة النفوذ الغربي في منطقة المحيط الهادئ.

وفي السنوات الأخيرة، ازدادت قوة التحالف بين الصين وروسيا على وقع تصاعد الخلافات بين كل من بكين وموسكو من جهة، وواشنطن من جهة أخرى. فالتدريبات باتت مهمة من أجل التحضر لأي مواجهة قد تقع في المستقبل.

الصين، التي باتت تشعر بالإحباط من القيود التجارية الأميركية ومن تعزيز واشنطن لتحالفاتها الأمنية في آسيا، وجدت في روسيا شريكا استراتيجيا يمكن أن يساعدها في مواجهة هذا الضغط.

في المقابل، تجد روسيا في الصين دعما حيويا لاستمرار عملياتها العسكرية في أوكرانيا.

فمن دون شراء الصين لكميات ضخمة من النفط الروسي وتزويدها موسكو بالتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، لكان من الصعب على الكرملين مواصلة حربه ضد أوكرانيا.

ورغم أن الجانب العسكري هو الأكثر بروزا في هذا التحالف، يمتد التعاون بين الصين وروسيا إلى مجالات أخرى لا تقل أهمية.

فقد أشارت تقارير إلى أن روسيا قد توفر للصين إمدادات حيوية مثل النفط والأسلحة عبر الحدود البرية المشتركة بينهما، في حال فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها حصارا بحريا على الصين.

وهذا التعاون غير العسكري قد يكون بنفس الأهمية في تعزيز قدرة الصين على الصمود في أي صراع طويل الأمد.

في واشنطن، وصفت تقارير حكومية التحالف بين الصين وروسيا بأنه “التطور الاستراتيجي الأكثر أهمية في السنوات الأخيرة”.

ولعل ما يزيد من حدة القلق هو عدم اليقين بشأن رد الفعل الروسي إذا ما قررت الصين التحرك عسكريا ضد تايوان، وهو سيناريو يخشاه كثيرون في واشنطن.

التحديات أمام واشنطن
التعاون العسكري بين الصين وروسيا لا يشكل فقط تحديا تقليديا للولايات المتحدة، بل يثير أيضا، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، تساؤلات حول قدرة واشنطن على التصدي لمثل هذا التحالف في حال اندلاع صراع كبير في آسيا.

والسيناريوهات التقليدية التي كانت تعتمد على مواجهة الصين أو روسيا بشكل منفصل لم تعد كافية، تقول الصحيفة.

واليوم، يتعين على المخططين العسكريين الأميركيين النظر في احتمال تعاون البلدين، وكلاهما يمتلك أسلحة نووية، في مسرح عمليات واحد، وفق ما يشير تقرير نيويورك تايمز.