ذكرت صحيفة “Financial Times” البريطانية أن “النصف الأول من عام 2023 هيمنت عليه التكهنات حول متى وكيف ستشن أوكرانيا هجومها الكبير لتحرير الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، وتم تدريب وتجهيز كتائب جديدة لذلك. وكان الهدف الأكثر ترجيحاً،وهو اختراق الدفاعات الروسية باتجاه البحر الأسود، قد تمت مناقشته على نطاق واسع. وكان عدم اليقين الوحيد هو التوقيت.عندما بدأ الهجوم في حزيران 2023، لم تكن هناك مفاجأة ثمينة، فقد كانت الدفاعات الروسية مستعدة جيدًا، وكان الجيش الأوكراني يفتقر إلى المعدات والتدريب والدعم الجوي وهياكل القيادة لتحقيق اختراق كبير”.
وبحسب الصحيفة، “منذ أواخر العام الماضي، شنت روسيا هجومها الخاص، وساعدها في ذلك تأخر كييف في حشد المزيد من القوات وموافقة كتل من الكونغرس لتقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا.وقصف الروس الخطوط الدفاعية لأوكرانيا بالقنابل، وعانت روسيا من خسائر فادحة في الرجال والمعدات، ولكن مع توجه اقتصادها الآن إلى الحرب ومع وجود مجندين جدد لملء الفجوات، واصلت الضغط، ودفعت ببطء الأوكرانيين المتفوقين في التسليح والعدد، واستولت على البلدات والقرى المدمرة”.
وتابعت الصحيفة، “بالإضافة إلى ذلك، استهدفت روسيا البنية التحتية والمناطق السكنية في أوكرانيا، وحققت كييف بعض النجاح في إخراج البحرية الروسية من البحر الأسود، وضرب مصافي النفط وفرض تكاليف باهظة على الجيش الروسي مقابل مكاسب صغيرة. ومع ذلك، كان التأثير التراكمي مرهقًا ومحبطًا، وكانت أفضل نصيحة استراتيجية معروضة هي استنفاد واستنزاف المهاجمين الروس، والصمود حتى يتوفر المزيد من القوات المدربة وتحسين الإمدادات من الذخيرة والمعدات. وبدت محاولة هجوم أخرى محفوفة بالمخاطر للغاية، كما وكان هناك حديث عن وقف إطلاق النار والمفاوضات. وفي الواقع، لم يُظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اهتماماً كبيراً بأي صفقة بخلاف شروطه القصوى”.
وأضافت الصحيفة، “بدأت القوات الأوكرانية، التي فاجأت الجميع، هجومًا جديدًا في 6 آب، وقد تم ذلك بطريقة غير متوقعة على الإطلاق، حيث تقدمت عبر الحدود إلى منطقة كورسك. وكان الرد الأولي، حتى من بعض المحللين الأوكرانيين، هو أن هذا كان جنونًا أكثر منه عبقرية، حيث تم التضحية بالقوات الثمينة من أجل عملية استعراضية ولكن لا طائل من ورائها، بدلاً من تعزيز الدفاعات المضغوطة بشدة في دونيتسك. لقد بدا وكأنه مشروع صممه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقائده الأعلى ألكسندر سيرسكي لإقناع الشركاء ورفع الروح المعنوية، لكنه لم يقدم أي مكاسب دائمة”.
وبحسب الصحيفة، “لم يمر وقت طويل قبل أن يتغير المزاج. فلم تكن هذه مجرد غارة جريئة قام بها بضع مئات من الجنود، بل كانت عملية مشتركة شملت عددًا من الألوية. لقد أحرزت تقدمًا سريعًا، واستولت على الأراضي والسجناء، كما وتم التشويش على اتصالات العدوّ، واستخدام القوات ذات الخبرة بدلاً من المجندين الجدد. وبعد أكثر من أسبوع من بدء العملية، يزعم الأوكرانيون أنهم سيطروا على ما يصل إلى ألف كيلومتر من الأراضي الروسية، مع وجود أكثر من 80 قرية تحت سيطرتهم. وتدعم هجمات الطائرات من دون طيار على المطارات والدفاعات الجوية الروسية العملية”.
وتابعت الصحيفة، “لم يتمكن بوتين من إنكار خطورة الوضع، في ضوء إجلاء نحو 200 ألف شخص من المناطق الحدودية. وفي محاولته للاعتراف بأن روسيا قد تعرضت للغزو، وصف تصرفات أوكرانيا بأنها إرهابية واستفزازية. والافتراض الطبيعي هو أنه بمجرد أن تتغلب روسيا على الصدمة، فلن تجد صعوبة كبيرة في دفع الأوكرانيين إلى الخارج، لكن روسيا ألزمت جيشها بغزو جارتها. وأدت الأخطاء الأولية إلى تعرض قافلة من القوات لأضرار بالغة. وهناك تقارير عن وقوع وحدات أوكرانية في كمين أو عالقة في معارك عنيفة، لكنها لا تزال تتمتع بالمبادرة وتسيطر على المزيد من الأراضي”.
وأضافت الصحيفة، “تشكل القوات المنتشرة خطراً على أوكرانيا، فقد تنقطع بعض الوحدات ولا تتمكن من التراجع. ستحتاج كييف إلى أن تقرر مساحة الأراضي التي تريد السيطرة عليها، وعدد القوات الإضافية التي تجرؤ على إرسالها إلى هذه العملية، لكنها في الوقت الحالي تستفيد إلى أقصى حد من عدم اليقين الروسي.لا شك أن هذه الأحداث تحرج بوتين، لكنه قد يضاعف جهوده، كما حدث في أيلول 2022 بعد آخر هجوم ناجح لأوكرانيا، ثم أمر بشن هجمات شرسة على المدن الأوكرانية وبالمزيد من التعبئة. لكن اقتصاده يعاني من فرط النشاط ويعاني من نقص العمالة، لذلك يتعين عليه الآن أن يشرح ادعاءه بأن أي تسوية سلمية لابد أن تأخذ في الاعتبار الحقائق الإقليمية الجديدة”.
وختمت الصحيفة، “ربما كان الهجوم الأوكراني يهدف إلى حد كبير إلى الاستيلاء على الأراضي لإجراء مفاوضات لاحقة، ومبادلة السجناء بأسرى الحرب. وإذا تمكنت كييف من الاستمرار على هذا المنوال، فإن التأثير الاستراتيجي قد يكون كبيراً، بحيث ينقل القتال قدر الإمكان إلى الأراضي الروسية، ويخفف الضغط على الخطوط الدفاعية لأوكرانيا، مع اضطرار روسيا إلى تقليص عملياتها الهجومية”.