بعيدا عن المبالغة في التقدير وعن قدراتها التدميرية الهائلة، ظهرت اسرائيل في الاشهر العشرة الماضة، منذ فجر السابع من تشربن الاول وحتى اليوم، غير مؤهلة لمواجهة خصومها. حتى معركتها في غزة ما كانت لتتم من دون دعم اميركي مباشر عبر الجسور الجوية والقدرات التخطيطية والاستخبارية اضافة الى الدعم السياسي، ومن دون آلاف الجنود غير الاسرائيليين الذي يقاتلون في الصفوف الاولى في القطاع. تحول الصراع في المنطقة الى مباشر، بين اميركا من جهة والمحور المعادي لاسرائيل من جهة اخرى.
لم تستطع اسرائيل استعادة توازنها بعد السابع من تشرين، الا بوصول حاملة الطائرات الاميركية التي حالت دون فتح جبهات اخرى ضد اسرائيل كانت ستكون كفيلة بجرها نحو مصير سيء. حتى عندما قررت الادارة الاميركية الحالية الامتناع عن تسليم تل ابيب شحنات من الذخائر والاسلحة، توقفت بشكل شبه كامل الغارات الاسرائيلية على جنوب لبنان بهدف تقنين استخدام القوة والاحتفاظ بها للمستقبل، وعليه فإن المواجهة الفعلية اليوم والكباش الحاصل والذي يظهر رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو في واجهته، هو بين ايران و”حزب الله” من جهة والولايات المتحدة الاميركية من جهة اخرى.
لا تستطيع اسرائيل التهديد بالحرب الاقليمية لوحدها، لا بل فهي لم تعد قادرة، منذ ما قبل السابع من تشرين على المبادرة الى حرب مع لبنان من دون غطاء ودعم كامل من واشنطن، لذلك فإن جزءا من جرأة نتنياهو التي ظهرت مؤخرا يعود الى قناعة لديه تقول بأنه قادر على جر واشنطن الى الحرب الاقليمية التي ترى فيها اميركا خطرا هائلا على استراتيجياتها ومصالحها القومية، لذا فقد بدأت، وبالتوازي مع المفاوضات الحاصلة في قطر، ديبلوماسية استعراض القوة.
خلال فترة قليلة ستصل احدى حاملات الطائرات الاميركية الى البحر المتوسط لتقود اسطولا كبيرا من البواخر الحربية الاميركية والاوروبية للقول ان اميركا لن تدافع ققط عن اسرائيل انما ستقوم ايضا بدعمها في مواجهة اي هجوم كبير او حرب شاملة ستقع في المنطقة. التهديد الاميركي مدفوع بخوف جدي من الوصول الى هذه المرحلة، ليس لعدم قدرتها على خوض متل هذا النوع من الحروب، بل لان الغرق في الشرق الاوسط قد يكون اسوأ الخيارات الحالية، لكن الضغط على ايران و”حزب الله” من اجل دفعهما لتقديم تنازلات في التفاوض او في الميدان سيتطلب عرض قوة، وهذا ما يحصل.
في المقابل يمارس “حزب الله” عرضاً موازياً، ومن هنا جاء نشر فيديو “عماد ٤” الذي يوحي بان كل القدرات العسكرية الاميركية والاسرائيلية والقنابل الخارقة للتحصينات لن تتمكن من منع اطلاق الصواريخ يوميا على اسرائيل، وان الدمار الذي ستحدثه الطائرات الاميركية والاسرائيلية في لبنان وايران لن يمنع حصول دمار في اسرائيل وفي القواعد العسكرية الاميركية في المنطقة.
لكن البعض يعتبر ان عرض القوة ليس كافيا لوحده، اذ هناك حاجة لاستخدامها وان بشكل محدود لرسم توازنات جديدة بالنار تؤدي الى فرض وقف الحرب في غزة ولبنان والمنطقة ضمن تسوية معينة، وعليه قد يكون الذهاب الى معركة محدودة زمنيا امرا ضروريا ولا يمكن تجاوزه في المرحلة الحالية الا من خلال معجزة ديبلوماسية لم تظهر تباشيرها بعد حتى اليوم..